«باسيفيك ريم» يستوحي من الوحوش اليابانية نصا لترفيه جديد

مخلوقات من تحت سطح الماء ومن فوق الأجواء

لقطة من «باسيفيك ريم»
TT

حضّر نفسك خلال الأسابيع القليلة المقبلة للإقلاع عن السباحة. الطقس حار والبحر يبدو الحل الأمثل والسباحة رياضة رائعة، لكن هناك خطر مدهم قد يقلب هذه المتعة إلى كارثة: وحش بحري ضخم يصعد من الأعماق ليدمر ويزيل ويقتل. لن تريد أن تكون في عرض البحر حين يفعل ذلك، ولا حتى قريبا من الشاطئ. اعتبر هذا تحذيرا أو إنذارا.. وإذا أردت أن تعرف ما الذي يحدث فيما لو اختار الوحش شاطئك المفضل ليشاركك إياه، شاهد «باسيفيك ريم» Pacific Rim، الفيلم الجديد للمخرج غويليرمو دل تورو الذي ينطلق للعروض هذه الأيام.

لكن عنوان الفيلم يحدد تماما مواقع الخطر. الدول التي تنتشر على ما يسمّى بـ«حواف المحيط الهادئ» ليست بينها دولة عربية، بل تقع على الساحل الغربي للولايات المتحدة وأميركا اللاتينية كما على السواحل الشرقية لآسيا (تايوان، الفلبين، اليابان، الصين، ماليزيا الخ..) وبالطبع كل شبه القارة الأسترالية وملحقاتها. أكثر من ذلك، البدعة يابانية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية والهزيمة التي تعرّض البلاد إثر إلقاء قنبلتين نوويتين عليها في السادس والتاسع من أغسطس (آب) 1945. كان لا بد لمثل هذا التفجير من أن يتسبب في إيقاظ مارد ياباني جديد لم يألفه العالم. سماه اليابانيون غوجيرا، وحرّفه الناطقون بالإنجليزية وسواهم إلى غودزيللا وقامت السينما اليابانية بإنتاج ما لا يقل عن ثلاثين فيلما عنه، بالإضافة إلى حفنة غير يابانية كذلك.

على أن غوجيرا ليس الوحش الوحيد المبتكر، بل انبثقت أعماق المحيط عن وحوش أخرى مثل غيدورا وموثرا وغاميرا، وفي أحيان عندما بدا أن الجمهور كان يطلب المزيد، كان صانعو هذه الأفلام يمزجون ما بين غوجيرا وأي من هذه الوحوش لمضاعفة جرعة الدمار والتشويق. في الواقع لدى اليابانيين اسم واحد يشمل كل هذه المخلوقات البرمائية الضخمة وهو «كايجو» (الترجمة الأقرب لها هي «الوحش الغريب»).

للأسف فإن معظم هذه الأفلام كانت ركيكة بسبب عناصر إنتاجية بدائية قياسا بما تنتجه السينما الأميركية من أفلام خيال علمي، لكن الجمهور الياباني أدرك ما الذي يندفع لمشاهدته في كل مرّة: تحذير من مغبة التسلح النووي الذي لا يدمر ما على الأرض فقط، بل يؤدي إلى إصابة الثروة المائية وتغيير ملامحها البيئية ما يجعل أمر خروج وحوش لا يمكن قتلها محتملا.

«باسيفيك ريم»، الفيلم الجديد الذي وقعه المخرج المتميز (والقليل الإنتاج) دل تورو (من بين أفضل أعماله «متاهة بان» سنة 2006 ومن بين أشهرها Helloby في جزأيه)، يقدم تصورا جديدا: العالم تحت هجوم عدّة وحوش كايجو ما يقتضي اختراع وحوش بشرية - ميكانيكية كل منها يدار بواسطة ملاحَين فضائيين مرتبطين بـ«جسر ذهني مشترك» (كما يقول الفيلم).

الفيلم، بالتالي، مشهد عريض وواسع لمعارك بين جبابرة من الماضي والمستقبل. لكن دل تورو لا يفوته التأكيد على أنه تحاشى اقتباس أي وحش من طاقم الوحوش اليابانية وأنه عمد إلى إعادة تركيبها على أساس أن تنتمي إلى العصر الحديث من الخدع والمؤثرات. بذلك حدد ما هو مستوحى من وحوش المحيط اليابانية بالفكرة وحدها ثم طوّرها في السيناريو الذي كتبه مع ترافيز بيتشام (كتب قبل ثلاث سنوات سيناريو «صدام العمالقة»).

في إشارة إلى أن الأفلام ذات النص الأصلي (أي ذاك الذي لا يعتمد على سلسلة سابقة أو على إعادة صنع فيلم ما) تتطلب الكثير من الوقت والجهد في سبيل إنتاجها، نجد أن المشروع خطط له منذ عام 2006 عندما ارتبط دل تورو بالمشروع منتجا ومخرجا. ترافيز بيتشام لم يقدّم سيناريو بل معالجة مفصلة في نحو 20 صفحة استحوذت على اهتمام شركة «ليجندري بيكتشرز» التي ابتاعت المشروع سنة 2010. مخاضه استمر نحو عام ونصف قبل أن يبدأ التصوير في الأسابيع الأخيرة من عام 2011. دل تورو صرّح أنه عادة ما يطلب أربعة أشهر لتصوير أي من أفلامه، لكن الشركة المنتجة (والمرتبطة بعقد عمل مع شركة «وورنر» الموزّعة التي توفر التمويل الفعلي) أصرّت على ثلاثة أشهر (103 أيام بالتحديد). حيال ذلك، قام دل تورو بتقسيم العمل بين فريق رئيس وفريق ثانوي يقوم بإدارتهما معا طوال الوقت. توماس تول، وهو أحد المنتجين المشاركين في العمل أخبر «الشرق الأوسط» خلال مهرجان «كان» الماضي أن دل تورو كان يعمل أكثر من 15 ساعة في اليوم. يأتي باكرا جدا إلى موقع التصوير ويدير أعمال الفريق الثاني حتى منتصف فترة ما قبل الظهر ثم يتركها تعمل منفصلة بينما يدير العمل مع الفريق الأول حتى وقت متأخر من اليوم: «دل تورو ليس من المخرجين المستعدين لتفويت أي أمر. إدارته محكمة على كل شؤون العمل». ودل تورو نفسه قال في تصريح قريب: «لا أترك الأعمال والقرارات لأحد. هذا يرضي البعض ويثير غضب البعض الآخر، لكنها طريقتي في العمل».

بعد التصوير استعان دل تورو بصديقين له ساعداه في إيجاز الفيلم في ساعتين، وهما المخرجان ألفونسو كوارون وأليخاندرو غونزاليس إناريتو. كان حذف نحو 45 دقيقة من الفيلم، لكنه أراد من يجد سبيلا لحذف ربع ساعة أخرى. المشكلة هي أنه لم يكن في موقف محايد لكي يحذف المزيد. رغب في ناظر جديد للفيلم يستطيع أن يختار مشاهد أخرى يختزلها من دون أن تؤثر على الفيلم ذاته.

هناك الكثير من «التيمات» والأفكار التي عمل دل تورو على إبرازها من بينها الصداقة بين الملاحين (أميركي ويابانية) وضرورة التعاون الشامل بين الأمم لإحلال السلام على الأرض ثم استبعاد العنصر العسكري من الصورة. بذلك عنى بأن يتم إخراج الفيلم من صنف أعمال زاك سنايدر («300» و«رجل من فولاذ») وبيتر بيرغ («سفينة حرب») وجون فافرو («آيرون مان») وسواهم من المخرجين الذين يؤكدون في أفلامهم على العنصر الحربي والعسكري في حل أزمات الإنسان على سطح الأرض. الغاية الأساسية لدل تورو كانت، وحسب كلماته، «تقديم ترفيه مختلف عن الأفلام الداكنة التي تشهدها مثل هذه الإنتاجات الخيالية كثيرا هذه الأيام. أردت فيلما يصلح للصغار ويقدم أفكارا أكثر تفاؤلا ضمن شروط وعناصر الفيلم التشويقي».

لكن ربما المضمون الذي سيجذب الاهتمام الأول هو التالي: هذه هي واحدة من المرّات القليلة التي نشاهد فيها حربا ضروسا بين حيوانات هي، بالمبدأ، ذات أشكال ما قبل تاريخية، وبين أسلحة مستقبلية متطوّرة. المخلوق المؤلف، افتراضيا، من روح ولحم وعظام ودم، في مواجهة المخلوق المصنوع ميكانيكيا على طاولة العلماء. لمن الغلبة؟ للتاريخ أم للمستقبل أم أن دل تورو سيعقد صلحا بينهما؟ هذا ما سنكتشفه في الأيام القليلة المقبلة.

لكن إلى أن يحدث ذلك، ربما كان من الأسلم البقاء بعيدا عن الشاطئ.