يسرا في أمومة مطلقة

محمد رضا

TT

* المشكلة ذاتها تتكرر كل سنة حين يجلس المرء لمشاهدة المسلسلات الدرامية المفضّلة: التمهيد لكل حلقة من الحلقات الثلاثين بمقدّمة طويلة ومملّة ليس فيها، خصوصا من بعد مشاهدتها لأول مرّة، ما هو خاص ومختلف. تبحث عن مقدّمات تكون وسيلة تمهيد محدد وسريع ينقلك بعد دقيقة واحدة على الأكثر إلى قلب الحدث كما تركته في الحلقة السابقة، لكن ما يطالعك هو مونتاج قائم على استعراض مشاهد وصور ولقطات في مواقف وحركات معيّنة، وبالطريقة ذاتها التي عرفتها المسلسلات من عشرين سنة وإلى اليوم.

* ضمن هذا التقديم ستتوالى الأسماء مع كل مواصفاتها العادية، وستتناهى إلى الآذان موسيقى حزينة ومن شدّة حزنها رتيبة معزوفة - غالبا - على الكمان أو العود أو الناي. وإذا لم يكن هذا كافيا فإن أغنية ما، تحمل ما يعتقده صانعو هذه الدراميات، شجنا. أغاني تفرض كلمات تصف المعاناة والألم والحزن وإحباطات الدنيا بأسرها.

* قليلة هي الدراميات التي تختلف عن هذا النمط، وإذا ما فعلت فإنها تختلف في جانب دون آخر، ما يجعلها جميعا مشتركة في ارتكاب مفهوم يفترض أن المشاهد جالس هناك يتابع هذه المقدّمة كل يوم متيّما بها ولذاتها، بينما هو في الواقع يتمنّى لو كان يستطيع الضغط على زر معيّن على جهاز التلفزيون ينقله مباشرة إلى المسلسل نفسه. لقد أحصيت هذه المرّة الدقائق التي تستغرقها المقدّمة فإذا بها لا تقل عن أربع دقائق وتصل إلى أربع دقائق و20 ثانية في أحدها. هذه أربع دقائق من مسلسل لاحقا ما سيكشف عن أنه أكثر بطئا ورتابة من المقدّمة ذاتها.

* يختلف الوضع قليلا بالنسبة لمسلسل «نكدب لو قلنا ما نحبّش»، المقدّمة فيها التقليد ذاته، لكنها أخف وطأة ربما لأن توليفها ركّز على الوجوه المتعددة التي تظهر بها الممثلة يسرا في هذا العمل. إنه إنتاج من شركة «شروق» تعرضه محطة أبوظبي من إخراج طري الوقع لغادة سليم عن قصّة لسامي سليم يضطلع ببطولتها، لجانب يسرا كل من مصطفى فهمي، ورد الخال، رجاء الجداوي، نسرين أمين ومحمد شاهين، وستضم الممثل رفيق علي أحمد. العنصر اللبناني متوفّر في هذا المسلسل من الحلقة الأولى حال تقديم الممثلة ورد الخال التي تؤدي دور امرأة لا تعترف بالتقاليد والالتزامات المحافظة. إلى حد ما فإن اختيار «لبنانية» لتعكس الخروج عن التقاليد الاجتماعية فيه تنميط واضح، لكن حضور هذه الممثلة طاغ وسريع. وكونها تنتمي إلى مدرسة أداء مختلفة عن مدرسة أداء تجمع بين كل الممثلين المصريين في المسلسل، يجعلها أكثر بروزا لجانب حقيقة أن المسلسل لم يحاول - وحسنا أنه فعل - تغريب الشخصية عن واقعها بجعلها تتحدث بلهجة لبنانية مخففة.

* لكن يسرا هي الجاذبية الأولى للعمل. تبقى كذلك نسبة لتاريخها الفني واسمها اللامع كما لطواعيتها في أداء دور جديد عليها، ليس لناحية أنها تؤدي شخصية أم، بل لأن لديها فهمها الخاص لكيفية تأدية هذه الشخصية. المفتاح هنا يرد في عبارة تقولها ورد الخال ليسرا في الحلقة الثانية: «الله يخليكي شيلي عنك وجه أمينة رزق»، وهي عبارة لا تعبّر عن الحقيقة فيسرا كانت تؤدي دورها كما رسمته هي، بل عن جوهر ثابت نجده في حياتنا الخاصّة ويعمل المسلسل على توفيره ويكمن في أن مهنة الأمومة المطلّقة أقرب إلى تراجيديا كبيرة في عالمنا العربي.