رحلة الحج تسحر المتاحف العالمية في ثلاثة معارض دولية

تقام في معهد العالم العربي بباريس ومتحف الفن الإسلامي بالدوحة ومتحف «الأعراق البشرية» في ليدن بهولندا

من أستار الكعبة
TT

يبدو أن النجاح الضخم الذي حققه معرض «الحج.. رحلة إلى داخل الإسلام» أثناء عرضه بالمتحف البريطاني في لندن في يناير (كانون الثاني) 2012 قد أغرى متاحف ومؤسسات فنية عالمية أخرى بتقديم عروض متشابهة في المضمون على الأقل مع عرض المتحف البريطاني. فستحمل الشهور المقبلة لنا معارض خاصة برحلة الحج في متحف الفن الإسلامي بالدوحة، وآخر في معهد العالم العربي بباريس، وثالث في متحف الأثنولوجيا بمدينة ليدن بهولندا.

البداية كانت العام الماضي مع معرض المتحف البريطاني، وعبره أيضا نبدأ في هذا التحقيق عبر حديث مع فينيشيا بورتر الأمينة المساعدة لقسم الشرق الأوسط بالمتحف والقائمة على معرض «الحج». بدأت حديثها مع «الشرق الأوسط» بقولها: «كانت هناك رغبة كبيرة في أن يقام معرض للحج في عدد من الأماكن، وتمنى الكثيرون أن يقوم معرضنا بجولة، ولكن لأن معظم القطع التي عرضناها هنا كانت معارة لنا من جهات مختلفة، فكان من المستحيل أن نقوم بإعارتها بدورنا إلى متاحف أخرى. ولكننا توصلنا إلى صيغة عبر توفير المادة العلمية والبحثية للجهات الراغبة في إقامة معرض مماثل. ويجب أن نجعل في الحسبان أننا نتعامل مع رحلة الحج التي يمكن تناولها من زوايا متعددة، ولهذا ففي كل واحد من المعارض القادمة سيكون التوجه مختلفا، وسيكون دورنا هو التعاون معهم فقط». ولكن، سيكون أمام المسؤولين عن المعارض المقبلة استعارة قطع وتوفير أخرى عبر الاستعانة بالمقتنين، فلن يمكن الاستعارة من المتحف البريطاني، إذ إنه استعار بدوره معظم القطع التي عرضت، فحسب ما ذكرت بورتر: «القسم الأكبر من المعروضات التي قدمناها كانت مستعارة من 40 جهة»، جاء الجزء الأكبر منها من «مجموعة الخليلي»، خاصة الكسوة والستائر وبعض الصور القديمة، إلى جانب المكتبة البريطانية، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض التي قدمت عددا كبيرا من الكتب والمخطوطات، ولكن الأهم من ذلك هو أن المكتبة قد سهلت استعارة الكثير من القطع من المملكة العربية السعودية.

في الوقت الذي ركز فيه معرض المتحف البريطاني على تتبع طرق الحج القديمة عبر أفريقيا، وتمبكتو ومالي تحديدا، ستعمل المعارض القادمة في الدوحة وباريس وهولندا على طرق جوانب أخرى للرحلة المقدسة من وجهة نظر سكان المسلمين هناك، فمعرض الدوحة كما تشير لنا بورتر سيقوم بالتركيز على المقتنيات القطرية، «فهم ليسو بحاجة لما قدمناه في المتحف البريطاني»، وتضيف: «بالنسبة لمعرض ليدن بهولندا، فالأمر شائق جدا، إذ سيختلف شكل المعرض أيضا بالنسبة لقصص المسلمين هناك، قام المتحف باستعارة نفس القطع التي قدمناها في معرضنا هنا، ولكنهم قاموا بتطوير خط روائي خاص بهم. فمنطقة شرق آسيا مهمة بالنسبة لهولندا فهي جزأ من المستعمرات القديمة».

معرض معهد العالم العربي في باريس أيضا سيركز على جانب مختلف، فبحكم القرب الجغرافي من شمال أفريقيا ونسبة المهاجرين من بلدان المغرب العربي لفرنسا، فإن نقطة التركيز ستنتقل لتستكشف الروابط التاريخية والثقافية.

تميز معرض المتحف البريطاني أيضا بإبراز جانب معاصر عبر إضافة أعمال فنية معاصرة تتعلق بالحج، وهو خط ستتبعه المعارض القادمة.

* الحج عبر شمال أفريقيا في معهد العالم العربي بباريس

* معهد العالم العربي في باريس يستعد من جانبه لمعرض خاص عن الحج وطرقه، سيكون، كما تقول لنا مديرة المعهد منى خازندار، مستقلا عن معرض المتحف البريطاني من ناحية المعروضات في الغالب، ولكن التعاون قائم مع المتحف بالنسبة للمسؤولية العلمية والأبحاث، وستتعامل في هذا الصدد مع فينيشيا بورتر.

المختلف في معرض معهد العالم العربي هو التركيز على جانب لم يتطرق إليه معرض المتحف البريطاني؛ فهو سيبرز طرق الحج من شمال أفريقيا باعتبار نسبة المهاجرين من هذه المنطقة إلى فرنسا وباعتبار تلك الدول الأقرب لفرنسا. وتذكر خازندار أن المعهد سيقوم باستعارة عدد من القطع المرتبطة بالحج من عدد من المؤسسات والمتاحف الفرنسية، منها المكتبة الوطنية الفرنسية ومتحف ميوزيه ديرسي.

وخلال زيارة لرئيس المعهد جاك لانغ ومنى خازندار إلى الرياض في شهر أبريل (نيسان) الماضي لافتتاح معرض «25 عاما من الإبداع العربي المعاصر»، وقع لانغ مع مسؤولي مكتبة الملك عبد العزيز في الرياض اتفاق تعاون يتكفل بموجبه الطرف الأول بتمويل 50% من المعرض، بينما ستقع على المعهد مسؤولية توفير النصف الآخر من التمويل. ويعول لانغ كثيرا على عرض الحج الذي يتوقع له نجاحا كبيرا في فرنسا وأوروبا.

المعرض المتوقع افتتاحه في ربيع العام المقبل، سيتناول تاريخ ومستقبل الحج عبر مجموعة من المعروضات مستعارة من متاحف فرنسية ومؤسسات سعودية وأيضا قطع من مجموعات المقتنين في المملكة وفرنسا، تقول خازندار: «نحاول إقناع بعض المقتنين في السعودية خاصة بإعارتنا بعض القطع النادرة المتعلقة برحلة الحج». وبالنسبة للقطع الأخرى، تقول: «لا نعرف حتى الآن حجم المعروضات أو هويتها، ولكن هناك بعض الجهات التي اتفقنا معها بالفعل مثل جامعة الملك سعود والمكتبة الوطنية الفرنسية وعدد من المتاحف الفرنسية نعرف القطع التي نحتاجها من هناك».

هل هناك أي حوار بين منسقي المعارض الثلاثة القادمة عن الحج؟ تنفي ذلك وتقول: «كل منا يعمل وحده ويقوم بالإعداد للمعرض بطريقته، فكل مكان له تاريخه والقطع التي تعكس هذا التاريخ». ولكن التعاون قائم مع المتحف البريطاني عبر فينيشيا بورتر منسقة معرض لندن، وسيأخذ معرض باريس بعض الخطوط من معرض لندن ويستفيد من البحث العلمي الذي تم هناك كما قالت لنا فينيشيا بورتر، ولكن الإضافات على كل معرض متروكة للمشرفين على المعارض المختلفة، ومثال على ذلك فمعرض لندن استعرض الطرق المختلفة التي يسلكها الحجاج، ولكن الإضافة لمعرض باريس كما تقول: «سنقدم كل طرق الحج مثل ما فعل معرض المتحف البريطاني، ولكننا سنضيف شمال أفريقيا، حيث لم يتناولها ذلك المعرض».

وهناك جانب آخر يتشابه فيه معرض باريس مع معرض المتحف البريطاني ألا وهو الاستعانة بأعمال الفن المعاصر التي تناولت فكرة الحج، تقول: «بالتأكيد، سنقدم ذلك، لكننا لم نحدد كثيرا الأعمال التي سنعرضها، وإن كان الفنانون السعوديون الذي تنأولوا الحج معروفين مثل أحمد ماطر وشادية عالم». كما تتوقع أن يستعير المعرض صورا تاريخية التقطها قسيس فرنسي زار جدة ومكة.

* «الحج: الفن في رحاب الرحلة» في متحف الفن الإسلامي بالدوحة

* أول معرض من نوعه يقام في دولة إسلامية، وهو يتناول الحج من زاوية الفنون والتحف الفنية. رغم أن المعرض يقوم أساسا على ما قدمه المتحف البريطاني سابقا، إلا أنه يتفرد بكون 90% من معروضاته مأخوذة من مجموعات فنية قطرية.

يتخذ معرض متحف الفن الإسلامي جانبا مغايرا في التعامل مع موضوع الحج، إذ يلقي الضوء عليه من خلال الفن. وهو يسبر أغوار هذه الرحلة عبر العصور ويعرض مجموعة غنية ومتنوعة من الفنون التي تركز على ثلاثة مواضيع رئيسة، هي: الطرق التي كان الحجاج يسلكونها (مع قسم خاص بالتاريخ الشفوي وقطع من مجموعات الحجاج القطريين)، وشعائر الحج كما صورها الفن، وأخيرا خبرات الحجاج بعد انتهاء رحلة الحج بما في ذلك الهدايا والتذكارات التي كانوا يحملونها معهم من مكة.

تتولى إدارة وتنظيم معرض «الحج: الفن في رحاب الرحلة» د. مونيا شيخاب أبو داية (أمين المخطوطات)، بالتعاون مع د. سيسيل بريك (أمين المسكوكات). يحمل المعرض الزائر في رحلة ممتعة من خلال المجموعات الفنية القطرية ذات العلاقة بالحج، التي تشمل مجموعات عامة وخاصة لم يسبق لها العرض من قبل.

* «الشوق إلى مكة.. رحلة الحاج» في ليدن بهولندا

* أما متحف «الأثنولوجي» (الأعراق البشرية) في ليدن، فسيأخذ المعرض باتجاه هولندا، حيث سيفتتح معرض «الشوق إلى مكة» في 10 سبتمبر (أيلول) المقبل، وعبر المعروضات سيقدم لنا صورا مختلفة عن طرق الحج القديمة عبر شرق آسيا وأصوات وذكريات للمسلمين في هولندا حاليا. لاوت مولز، القائمة على المعرض، حرصت على التأكيد خلال حديثنا معها على أن المعرض يتجه إلى تلبية احتياجات المسلمين في هولندا، قائلة: «المتحف يهدف إلى التواصل مع المسلمين هنا». تشير إلى أن هناك الكثير من القصص الإنسانية والتاريخية التي ستجد لها مكانا في المعرض، وتعلق على المعروضات بقولها: «أحضرنا قطعا كثيرة تبهج الناظرين. بالطبع، عبر تعاوننا مع المتحف البريطاني سنقوم بعرض بعض القطع التي عرضت في لندن، ولكننا في الأغلب سوف نركز على المقتنيات الهولندية، فهناك الكثير من القطع هنا، فعلى سبيل المثال تملك مكتبة جامعة أمستردام مجموعة قيمة جدا، أيضا متحف تروبن في أمستردام ومتاحف أخرى».

من الطريف أن إقامة المعرض تسببت في اكتشاف عدد من القطع المنسية في متحف «الأثنولوجي» في ليدن، تقول مولز: «عدد من القطع سيعود للحياة مرة ثانية». المصدر الأكبر للقطع المستعارة هو مجموعة «الخليلي» حيث استعار المتحف منها كسوة الكعبة والمحمل وعددا من القطع الصغيرة. تقول ضاحكة: «وجدنا تصريحا بالسفر لحمار يحمل المدفع المصاحب لكسوة الكعبة في رحلتها للأراضي المقدسة، الوثيقة تحمل بعض المعلومات حول الحمار (أصفر اللون) ومكان قدومه». وحيث إن المتحف مخصص لدراسة السلالات البشرية، فقد اهتم منسقوه بإبراز هذا الجانب كما تشير مولز: «نحاول أن نقدم قطعا رائعة، ولكننا أيضا نريد أن نعكس الجانب الإنساني، لهذا اخترنا صورا تعود للقرن التاسع عشر تروي تجارب الحجاج، وإلى جانب ذلك يخصص المعرض قسما لروايات الحجاج الهولنديين عبر مقابلات شخصية قام فريق من المتحف بتسجيلها». ويضم ذلك الركن مقابلات مع حجاج من أصول مغربية وتركية وإيرانية وعراقية وصومالية أيضا. كما سيسلط المعرض الضوء على طرق الحج من إندونيسيا لأهميتها كمستعمرة هولندية سابقة.

للحصول على لمحة عصرية أيضا، قام المتحف بنشر طلب للمسلمين في هولندا لإحضار أي متعلقات تخص الحج سواء كانت تاريخية أو شخصية، وقام باستعارة بعضها لضمها في المعرض.

أما الجانب الفني الذي تتشارك فيه المعارض الثلاثة القادمة، فيضم أعمال لفنانين سعوديين مثل أحمد ماطر وشادية عالم وريم الفيصل وأيمن يسري، تقول لنا مولز إنهم بصدد استعارة عدد من الأعمال الفنية المعاصرة من مجموعة المتحف البريطاني للاستعانة بها، كما سيتم استعارة قطع أخرى من «ذا غرين ميوزيام» وهو متحف هولندي مختص بالفن السعودي المعاصر، إلى جانب أعمال أخرى مستعارة من «أثر غاليري» بجدة وبعض المجموعات الخاصة.