جسر الملك حسين بوابة الضفة الغربية إلى العالم

شاهد على قصص إنسانية كثيرة للمارين عبره

المعبر الحدوي المؤدي إلى الضفة الغربية
TT

بين الأردن وفلسطين، هناك جسر الملك حسين، الذي له في ذاكرة الفلسطينيين حكايات وقصص تروى، منها ما يجسد معاناة لاجئ، وأخرى إنسانية تعبر عن شوق لقاء الأحبة، الذي طالما تحقق على هذا الجسر أو فلسطيني زائر عانق أرض فلسطين لأول مرة في حياته.

«جسر الملك حسين» المنفذ الوحيد الذي يتنفس عبره أهل الضفة الغربية، فكل فلسطيني يخرج من القدس، نابلس، الخليل، رام الله، لا بد أن يمر بهذا الجسر الواقع على نهر الأردن في منطقة الشونة الجنوبية الأردنية (والذي يبعد عن عمان العاصمة نحو 50 كم)، بالقرب من مدينة أريحا الفلسطينية، كما أن العائد لفلسطين لا بد أن يمر منه فهو ممر إجباري للفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية.

الجسر محطة تاريخية تجسد وحدة المكان بين الأردن وفلسطين، فهو ليس معبرا حدوديا عاديا أو منفذا بين دولتين.. بل يتجاوز ذلك بالنسبة للفلسطينيين الذين يعتبرونه الرئة التي يتنفسون منها وحلقة الاتصال بين شعب محتل مع العالم الخارجي.

الوصول للجسر سهل، لكن الدخول إلى فلسطين عبره ممنوع إلا لفلسطينيي الضفة الغربية بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يسمح لأي فلسطيني ترك فلسطين عام 1967 بالعودة إلى أرضه، وكذلك الفلسطيني الذي خرج عقب حرب يونيو (حزيران) وغاب عن فلسطين لأكثر من ثلاثة أعوام متتالية ولم يقم بتجديد هويته التي يتحكم في تجديدها الاحتلال نفسه.

المسافة بين جسر الملك حسين من الناحية الأردنية ومركز الحدود على الجانب الإسرائيلي ليست بعيدة، ولكن هذه المسافة القصيرة فيها ذكريات كثيرة تتذكر كل تفاصيل النكبة خلال الدقائق المعدودة وأنت في الحافلة العابرة للحدود وبمجرد وصول الحافلة إلى الجانب الإسرائيلي فإن الأمر مختلف تماما ويصبح الجنود الإسرائيليون أمامك مباشرة.

قبل شهر قام وفد نيابي أردني بزيارة رام الله بدعوة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأثناء وصول الوفد إلى الجسر أخبرهم المسؤولون الأردنيون القائمين على الجسر بأن الجانب الإسرائيلي يرفض مرافقة صحافيين مع الوفد النيابي، واستمرت المفاوضات والاتصالات بين المسؤولين الأردنيين مع الجانب الإسرائيلي لمدة خمس ساعات والوفد ينتظر على الحدود وتمخضت هذه الاتصالات على السماح لأربعة صحافيين واستثناء صحافي واحد من الدخول.

النائب يحي السعود أحد أعضاء الوفد قال: «إذا كنا نحن نوابا وهناك تنسيق مسبق على الدخول إلى فلسطين، بل إن هناك تصاريح وموافقة من الإسرائيليين نضطر إلى الانتظار خمس ساعات للدخول فكيف هو حال المواطن الفلسطيني الذي يبدو أنه يعاني معاناة كبيرة في الدخول والخروج إلى فلسطين».

قصص كثيرة تسمعها من الفلسطينيين القادمين إلى الأردن أو العائدين إلى الضفة الغربية ولكن الشيء المشترك هو الإصرار على العودة إلى فلسطين مهما كانت المعاناة من جراء سياسة الاحتلال الذي يتحكم بالجسر على الجهة الفلسطينية، لأن الاحتلال الإسرائيلي وعلى الرغم من اتفاقية أوسلو ما زال يتحكم بالحدود والمعابر في الضفة الغربية.

وتشير الإحصائيات الأردنية الرسمية إلى أن عدد القادمين إلى الأردن من فلسطين عبر الجسر بلغ خلال يوم واحد يوم الجمعة الماضي 700 شخصا في حين كان عدد العائدين إلى فلسطين في نفس اليوم هو 1006 أشخاص.

المحطات الإنسانية كثيرة يمكن سماعها من على الجسر، وفي كل قصة «فصول طويلة» من ألم المهاجر ومعاناته، لكن في نهاية النفق لا بد من «جسر» ينشل المستغيث ويداوي الجراح ويمسح الآلام ويزرع الأمل ويعزز الحلم وصولا لمستقبل أفضل.

البداية كانت من قصة سردها أحد أفراد الشرطة الأردنيين الذي يعمل على الجسر والقصة حدثت قبل سنوات، فمواطنة فلسطينية تقيم في ليبيا وتملك جواز سفر مؤقتا منتهي الصلاحية لم تمكنها الظروف ولأكثر من عشرين عاما من رؤية والدها الطاعن في السن، فالغربة فرقتهم والاحتلال شتت شملهم، وفي النفس ألم وحرقة وغصة، فتاة أجبرت على ترك ديارها، وابتعدت عن حضن والدها طفلة صغيرة، وترغب بالارتماء بحضن والدها الدافئ المقيم في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.

الفتاة لم تترد للحظة أمام هذه الرغبة الجامحة والتي طال انتظارها للاستغاثة بالسلطات الأردنية المسؤولة عن أمن الجسور لتحقيق الأمل، فاتصلت هاتفيا لتسأل عن إمكانية المساعدة وتذليل العقبات وتحقيق المطلب، ولا سيما أن الأنباء المتواردة من وراء النهر تشير إلى أن حالة الأب الطاعن في السن الصحية في تراجع مستمر، فكان رد المسؤولين الأردنيين إيجابيا ببذل كل الجهود لتمكين هذه الفتاة العربية من تحقيق أمنيتها وتمكينها من زيارة والدها بمعية شقيقتها المقيمة في الأردن، فما كان لهذه الفتاة إلا أن تحقق مطلبها، وأعطيت فرصة تاريخية بالنسبة لها، فقد تمكنت من لقاء والدها الذي عاجله الموت بعد أسبوع من وصول ابنته المغتربة فكان لقاء الوداع الأخير الذي ساقه القدر على أيدي أفراد الأمن العام.

ووصف أحمد البرغوثي من بلدة بيت ريما بالقرب من رام الله، خرج من الجسر للتو باتجاه الأردن، الإجراءات على الجانب الأردني بالمريحة خاصة في ظل التحديثات والتجهيزات الأخيرة التي طرأت على مباني الجسر والتي من شأنها أن توفر الراحة المناسبة للمسافرين، كما أشاد بسرعة إنجاز المعاملات وروح الإنسانية في التعامل من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية.

ولا يختلف رأي رابح عودة الذي يأتي إلى الجسر بقصد المرور إلى دول أخرى عن سابقيه في رأيه لجهة التعامل الإنساني والحسن الذي يلقاه من الأردنيين لحظة وصوله للجسر فضلا عن سهولة وسرعة إنجاز المعاملة.

وتتفق كذلك سهير القواسمي، وهي فلسطينية متزوجة من أردني، مع سابقيها في الإشادة بسرعة ودقة الإجراءات على الجانب الأردني، مشيدة في ذات الوقت بنظام الدور الآلي الذي يساعد في عملية تنظيم الإجراءات الخاصة بالمسافرين في ظل وجود ضغط مسافرين.

من جانبه قال محمد إسماعيل مصطفى عمر: «إننا نتلقى معاملة إنسانية وطيبة من الإخوة الأردنيين على الجسر، ولا سيما أن الإدارة هنا تراعي الحالات الإنسانية وتعطيها أولوية خاصة في التعامل وفي إنهاء المعاملات».

إلا أن جميع الفلسطينيين الذين يأتون إلى الجسر يتحدثون عن سوء معاملة من الجانب الإسرائيلي بالإضافة إلى الساعات الطويلة من الانتظار علاوة على إجراءات التفتيش واستخدام الجيش الإسرائيلي أجهزة إلكترونية للتفتيش تؤثر في صحة الإنسان الفلسطيني مستقبلا، بل إن أحد القادمين قال لنا، إن «جهاز التفتيش يؤثر في العظام»، وكثير من الفلسطينيين يمنع من مغادرة الجسر بحيث يمنعه الإسرائيليون من الخروج، ويضطر للعودة إلى بيته بعد أن تجشم عناء الوصول إلى الجسر بالمرور من الحواجز الإسرائيلية الموجودة بين المدن الفلسطينية.