مسحراتي سوريا يعود بخجل إلى شوارع خالية إلا من الشبيحة

تقشف إجباري ومائدة الإفطار تفتقد لملذات وطيبات الشام

إقبال على شراء الخبز من أفران محافظة الرقة التي تنعم بهدوء نسبي بعيدا عن مدفعية النظام (رويترز)
TT

المسحراتي الذي غاب عن ليالي رمضان في أحياء وسط العاصمة والأحياء الراقية، عاد هذا العام، ليدوي صوت طبلته في الشوارع الخالية إلا من جنود النظام والشبيحة المرابطين على الحواجز، وتقول دانا لم أصدق أذني عندما سمعت صوت طبلة المسحراتي، في العام الماضي غاب مع كثير من طقوس رمضان في دمشق، كالزينات وأنوار أسواق الحلويات والغذائيات وبالأخص سوق الجزماتية في حي الميدان، وتقول دانا التي تسكن في أحد شوارع الصالحية الذي يضم أحد أكبر أسواق دمشق الحيوية، «في السنوات السابقة كنا نضحك من مرور المسحراتي عند الساعة الثانية ليلا وتكون الأسواق ما تزال مفتوحة وأفواج الناس تتدفق من كل حدب وصوب، وكنا نقول من سيوقظ هذا المسحراتي التعيس، بل كان أكثر ما يضحكنا هو زيارة المسحر للمنازل عند ظهيرة العيد لأخذ إكرامية رمضان، هذا العام والعام الماضي لم يقرع بابنا، لكنه عبر في أول أيام رمضان عند الساعة الثانية فجرا، كان كئيبا والشوارع فارغة تماما ما عدا جنود الحواجز».

أما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام حيث يتواصل القصف العنيف، فلا يوجد مبرر للمسحر فالقذائف توقظ الأموات، ويقول أحد الناشطين «في العام الأول من الثورة خرج المسحراتي في المناطق المحررة يوقظ الناس بالقول اصحى يا نايم ولى عصر البهايم.. لكن هذا العام غاب ربما استشهد».

رمضان هذا العام يمر كئيبا على عموم السوريين، فالشهر الفضيل الذي كانت تنتظره العاصمة بكثير من البهجة، وبقائمة مأكولات وطيبات متنوعة وخاصة به، فتتكوم أمام المحال وعلى الأرصفة، كدليل على كرم الشهر، وخيرات الشام من الطيبات كالناعم والعرق سوس والتمر هندي والوربات والقطايف والعوامة والمعروك.. وغيرها انزوت هذا العام بالمحلات بانتظار المقتدرين لشرائها، في وقت بات فيه أكثر من 70% من السوريين تحت خط الفقر.

كما افتقد الشارع الدمشقي فرق الشباب التابعين لجمعيات خيرية كانت تنشط في هذا الشهر في الشارع عند إشارات المرور حيث توزيع عبوات مياه وبضع حبات تمر على من تأخر لظروف ما عن الوصول إلى بيته عند موعد الإفطار، وتحول نشاط الجمعيات إلى جمع التبرعات وتحضير وجبات غذائية ومعونات شحيحة توزع على النازحين في مراكز الإيواء والحدائق من الذين لا يملكون ثمن الرغيف. بعد تدهور قيمة الليرة وارتفاع الأسعار إلى درجة أنه بات يعتبر من وجد على مائدة إفطاره صحن سلطة خضار من الأثرياء المترفين. إذ وصل سعر كيلو البندورة إلى أكثر من 100 ليرة، وكيلو اللبن الرائب 120. وهكذا جميع السلع التي ارتفع سعرها أكثر من ستة أضعاف. فلم تعد مائدة رمضان الدمشقية تزهو كما السابق بما لذ وطاب من مأكولات وسلطات وحلويات، بعدما وصل سعر كيلو الحلويات العربية إلى أكثر من أربعة آلاف ليرة. وراحت الموائد تقتصر على صنف أو صنفين في حالة من التقشف الإجباري.

ولمواجهة الضائقة الاقتصادية الشديدة تشكلت جمعيات أهلية صغيرة في الأحياء، بعضها بإشراف الحكومة تدعم المتضررين من الموالين للنظام، وبعضها سري يقوم بها شباب معارضون، لمساعدة النازحين من ضحايا قوات النظام، وتعتمد على جمع التبرعات القليلة من المغتربين في الخارج أو من المقتدرين إلى حد ما في الداخل، ليعاد توزيعها على المحتاجين، وعن تجربتها في هذا الخصوص تقول ناشطة دمشقية «حجم المأساة أكبر بكثير من طاقاتنا ولكن نساهم بقدر الإمكان لتخفيف المعاناة ليس إلا، وفي رمضان ركزنا جهودنا لتأمين ثمن وجبة إفطار للعائلات التي نعرفها».

من جانبها أعلنت الحكومة عن افتتاح أسواق للسلع الأساسية في فروع المؤسسة الاستهلاكية بدمشق خلال شهر رمضان، تباع فيها المواد الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة عن أسعار الأسواق العادية، ولوحظ إقبال كبير عليها، رغم عدم توفر كافة السلع المطلوبة فيها. كما أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية حملة لجمع تبرعات خاصة بشهر رمضان.

ويشار إلى أن الليرة السورية سجلت معدل تدهور غير مسبوق عشية شهر رمضان، بلغ 350 ليرة للدولار الواحد، ما دفع الناس إلى الإقبال على التزود بالمواد الأساسية من خبز، وبرغل، وأرز، وسكر، وبقوليات خشية تضاعف أسعارها خلال رمضان، لتعود وتهدأ الحركة مع أول أيام رمضان، مع تحسن طفيف بسعر الليرة واستقرار الأسعار عند معدل بقي مرتفعا، ويقول مروان صاحب محل مثلجات في الصالحية «الأيام الأولى من الشهر الكريم بعت مثلجات بمعدل أقل بأربع مرات عن الأيام العادية، فالناس تأوي إلى المنازل قبل ساعتين الإفطار ولا تخرج بعدها»، ويتابع أن «الزبائن عادة هم من المارة الذين يقصدون لترطيب حلوقهم الناشفة بسبب حر الصيف، أو من الذين يخرجون مساء ينشدون نسمات الصيف في شوارع الصالحية، في رمضان الغالبية صائمة، ومساء بعد الإفطار هناك ما يشبه حظر تجول»، ولا يأمل مروان في تغير هذا الوضع بعد منتصف الشهر لأن «ليل دمشق صادره عسكر النظام والشبيحة ومسلحو المعارضة ولم يعد للمدنيين حصة فيه».