نهار صوم طويل في رمضان بروكسل والمسلمون يرفعون شعار الصبر

أعلنت بعض المطاعم والمقاهي العربية عن تغيير مواعيد العمل للتوافق مع الشهر الكريم

توفر المواد الغذائية للمهاجرين في بلجيكا في الأسواق العربية
TT

مع نهاية العام الدراسي في بلجيكا آخر يونيو (حزيران) الماضي، بدأت رحلات السفر بالنسبة للعائلات العربية والإسلامية إلى الوطن الأصلي لقضاء عطلة الصيف هناك، وفي نفس الوقت تتزامن العطلة الصيفية مع حلول شهر رمضان، وبالتالي تكون فرصة لهم لتمضية أجواء رمضانية بين الأهل والأصدقاء وأيضا صوم نهار رمضان أقل بأربع ساعات على الأقل مقارنة بتوقيت الإفطار في بلد المهجر، بلجيكا، وهناك من اضطرته الظروف إلى البقاء في بلجيكا نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أوروبا منذ سنوات أو نظرا لعدم وجود أوراق إقامة قانونية في البلاد، بالإضافة إلى أسباب أخرى.

يقول فريد التونسي إنه سيقضي النصف الثاني من رمضان مع الأهل في تونس لأن رمضان في الدول العربية والإسلامية له شكل مختلف وطقوس مختلفة عن بلاد المهجر، وهناك من تمنعه ظروف العمل عن السفر في هذا التوقيت، ولكن الأمر يختلف مع آخرين لا يستطيعون الصيام في بلدهم مثل الشاب رشيد الذي قال إنه سبق أن سافر للمغرب قبل عدة أشهر وبالتالي لا يحق له ترك العمل والحصول على إجازة أخرى لقضاء رمضان مع الأهل في المغرب.

ومع بداية شهر رمضان لهذا العام، ظهرت مشكلة بالنسبة للبعض من أبناء الجاليات المسلمة في عدد من مدن العالم، وخصوصا في أوروبا، تتمثل في طول فترة الصيام، إذ تصل في بعض المدن إلى عشرين ساعة. ففي مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي يؤذن لأذان الفجر عند الساعة الثالثة، وهو وقت الإمساك، بينما يؤذن أذان المغرب عند الساعة العاشرة تقريبا. ويقول الشيخ عبد الهادي عقل إمام مسجد المركز الإسلامي في بروكسل إن من شق عليه الصوم سواء لطول مدة اليوم أو لشدة الحر يجوز له أن يفطر ثم يقضي مكان تلك الأيام، حين يكون النهار نسبيا، ويشترط «أن يشق عليهم الصوم مشقة شديدة.. ومع ذلك يرفع المسلمون في أوروبا شعار الصبر، ويقول الشاب المغربي عبد الملك الفاسي من سكان بروكسل إن الصبر هو السلاح الذي يجب أن يتسلح به المسلم لمواجهة طول فترة الصوم في بلجيكا.

وشهدت الأحياء التي يقطنها غالبية من أبناء الجاليات المسلمة في بروكسل، عاصمة بلجيكا وأوروبا الموحدة، شهدت تلك الأحياء انتشارا أمنيا مكثفا وعلى غير العادة، لحفظ النظام والأمن في شوارع تلك الأحياء، وخصوصا خلال الفترة ما بين العصر والمغرب، التي تشهد حركة غير عادية في الشوارع والأسواق والمحال التجارية العربية، التي توفر السلع الضرورية لأبناء الجاليات المسلمة، طوال شهر الصوم. ويقول المغربي حسن البوهارتي، رئيس جمعية مغربية في بروكسل، إن الإجراءات الأمنية في الأحياء التي يقطنها العرب والمسلمون بدأت منذ عامين أو أكثر، وكانت تلك الأحياء تشهد ازدحاما مروريا، وكثيرا ما كانت تنشأ خناقات بين المواطنين، وهم في عجلة من أمرهم للحاق بموعد الإفطار أو لتجهيز المائدة الرمضانية، ويقول المغربي أحمد الكروتي رئيس جمعية المحاربين القدامى المغربية، إنها فكرة جيدة أن ينتشر رجال الشرطة البلجيكيون في الشوارع لتنظيم حركة السير، والحفاظ على السلوكيات خلال الشهر الكريم. ولا شك أن وجودهم ساهم بقدر كبير في توفير أجواء من السكينة والهدوء في الأحياء المختلفة. ولكن نشر العناصر الأمنية في الأحياء العربية لم يجد قبولا من جانب اليمين المتشدد في بلجيكا، ويرى أن الأمر أصبح بمثابة دولة داخل الدولة، ويتساءلون عن ذنب المواطن البلجيكي في أن يتحمل الإجراءات الإضافية الأمنية، لحماية سكان الأحياء التي يقطنها غالبية من الأجانب.

ومن جانبها استعدت الأسواق التجارية بدورها للشهر الكريم وتتوافر كل السلع الضرورية في رمضان، كما أعلنت بعض المطاعم والمقاهي العربية عن تغيير مواعيد العمل للتوافق مع الشهر الكريم، وخصوصا أن معظمها يحرص على توفير إفطار مجاني للصائم. وخلال شهر رمضان المبارك تجد كل المقاهي والمطاعم العربية في بلجيكا مستعدة لاستقبال أبناء الجاليات المسلمة، سواء من المقيمين على التراب البلجيكي، أو من السياح العرب والمسلمين الذين يتصادف وجودهم في بلجيكا خلال شهر رمضان، بقصد العمل أو السياحة أو زيارة الأهل أو أي سبب آخر.

ويمثل المغاربة والأتراك غالبية الجالية المسلمة المقيمة في بلجيكا، وهناك جنسيات أخرى من مصر وتونس والجزائر وسوريا ولبنان والسودان وغيرها. ويجدون المحلات التجارية العربية تعرض البضائع المطلوبة بهذه المناسبة، وخصوصا في المدن البلجيكية التي تقطنها أعداد كبيرة من المسلمين مثل العاصمة بروكسل، وانتويرب، وجنت، وشارلوا. وتبدو حركة الازدحام بشكل واضح في أسواق بروكسل، وما أكثر الأسواق العربية، وخصوصا خلال عطلة نهاية الأسبوع في لابتوار، بالقرب من محطة جنوب بروكسل، وسوق مولينبيك، وهناك أيضا الشارع التجاري الكبير في شمال بروكسل، والمعروف باسم رودبربانت، وغالبية المحلات فيه أصحابها من المغاربة والأتراك والمصريين والباكستانيين، وفيها تجد التمور بأنواعها المعروفة، وخصوصا من المغرب والجزائر وتونس، والحلويات العربية من دول مختلفة، وكل ما يلزم البيت من أطعمة ومشروبات، وبخور وأشرطة القرآن الكريم والكتب الدينية.

ومنذ بدء الشهر عمدت المطاعم والمقاهي العربية لشراء البضائع اللازمة لتوفير الإفطار المجاني للصائمين، ويمكن التأكيد على أن الصائم في معظم أحياء بروكسل يضمن إفطارا مجانيا، سواء من خلال المطاعم أو المقاهي أو المساجد أو المركز الإسلامي، ويقول الشيخ عبد الهادي عقل إمام مسجد المركز الإسلامي إن المركز ينظم ما يطلق عليه مطعم الصائم ويستضيف يوميا أكثر من 300 شخص يحصلون على إفطار مجاني إلى جانب خدمات أخرى، منها مساعدات مادية وعينية للمحتاجين. ويمكن أن تجد واحدا من تلك المراكز في أحد أحياء العاصمة أو في مدن بلجيكية أخرى. وإذا كنت في العاصمة بروكسل يكون من السهل عليك الوصول إلى مناطق معروفة بوجود أعداد كبيرة من المطاعم والمقاهي العربية، ومنها على سبيل المثال شارع ستالينغراد، وشارع ليمونييه، وهما على بعد عشرات الأمتار من محطة جنوب بروكسل، وخلال التجول في تلك الشوارع تجد المحلات التجارية العربية لبيع البضائع المختلفة، ومنها محلات الجزارة الإسلامية، والأسماك والخضراوات، وبيع الأكلات المغربية المعروفة في رمضان، ومنها المسمن والخرنجو والشباكية، وأيضا محلات لبيع لوازم البيت ومقاهي الإنترنت، ومكاتب الاتصالات الهاتفية، وتحويل الأموال ومكاتب السفر بالحافلات الدولية، وتختلف أسماء المحلات والمطاعم والمقاهي، باختلاف جنسية أصحابها ومعظمهم من المغاربة، حيث يختار البعض منهم أسماء المدن مثل مقهى «تطوان» أو «الأندلس» أو «مراكش»، ومنهم من يختار اسم طفلته أو أسماء لا يعرف الكثير معناها مثل مطعم ومقهى «باسادينا»، وهناك مطاعم مصرية اختارت أسماء مثل «القاهرة» أو «النيل». ويقول هشام اشرايح أبو صابر، صاحب مقهى «تطوان» في بروكسل، إن معظم المقاهي تفتح أبوابها قبل قليل من أذان المغرب، وتستقبل الصائمين بالتمور والحليب والقهوة والخبز والبيض والحريرة والحلويات، وهو نفس الأمر الذي تفعله المقاهي والمطاعم المغربية أو الإسلامية الأخرى. وفي مدينة انتويرب يقول حسين محمد علي صاحب مطعم رمسيس، إن ما تقدمه مطاعم العاصمة توفره المطاعم المصرية والعربية الأخرى في انتويرب للصائمين خلال الشهر الكريم،. وبعد انقضاء شهر رمضان تعود الأمور إلى طبيعتها وتفتح المقاهي والمطاعم العربية في بروكسل وانتويرب وغيرهما من المدن البلجيكية أبوابها في النهار في أوقات مختلفة.