العراف: نظرة أولى

محمد رُضا

TT

هل يمكن الحكم على العمل من مطلعه؟ أم أن الدقة تتطلب الوصول إلى نهاية العمل قبل أن يصبح الحكم، له أو عليه، صحيحا؟ «العراف» كشأن باقي المسلسلات لا يزال في العشر الأوائل. هناك عشرون حلقة منه قبل التأكد من أي رأي يضمره الناقد حياله. لكن ليس في كل الأمور إذ بعض الجوانب واضحة من مطلع أي عمل، خصوصا إذا ما كان مسلسلا تلفزيونيا، ومن هذا المنظور، نعم يمكن إلقاء نظرة أولى على «العراب»، أقصد «العراف» ليس من المحتمل أن تتبدل.

طبعا، كما هو واضح للجميع يؤدي عادل إمام دوره المفضل. «اللعبي» الذي يستطيع أن يكون مع الجميع وضد الجميع في الوقت ذاته. الرجل الذي إذا ما شكا من فاقة انتصر عليها وإذا ما كان غنيا مارس الثراء بأصول الباشاوات. هو طيب العشرة (خصوصا في هذا المسلسل) لكنه يحب أن يضحك على الناس. كان في الماضي يحب أن يصفعهم على رقابهم أو على وجوههم وهو يضحك. الآن، في معظم الوقت، وحتى الآن، يكتفي بالضحك منهم وعليهم. في إحدى حلقات العمل يسخر من كلمة «مصممة» أزياء مستبدلا، على نحو لا يخلو من الإهانة، بأخرى قريبة. هو أيضا «نسونجي» بشعر مصبوغ بالأسود وشفتين مستعدتين للتقبيل وذلك في إيحاء إلى أنه لا يمانع في الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.

ما الجديد إذن في هذا المسلسل بالنسبة لشخصيته؟ بالنسبة لكيف تتصرف تلك الشخصية سياسيا واجتماعيا؟ تقريبا لا شيء. هل هناك إذن حبكة مختلفة عن تلك التي مثلها عادل إمام من قبل؟ الحقيقة، ومع تجاهل الشخصية التي تمثل نفسها وسلوكياتها المعتادة في معظم المواقف التي يتألف منها العمل، هناك خيط جديد متمثل في أن إمام يمثل شخصية تنصب باسم الوضع السائب والسائد على الأثرياء لا لكي تثرى وحدها، بل لتوزع بعض هذه الثروة على الآخرين كما يرد في الحلقة الثانية والثالثة. ليس روبين هود لأن روبين هود كان مغامرا نشطا (في أحد المشاهد يجهد عادل إمام للخروج من السيارة التي أقلته مباشرة إلى مدرج الإقلاع) ولم يكن نصابا. هنا تكمن المفارقة بالنسبة لهذه الدراما: يقول لك المسلسل إن عادل إمام نصاب خارج على القانون، ويطلب منك أن تحبه.

الحقيقة هي أن هذه المفارقة ليست مشكلة على الإطلاق. هي ليست بالضرورة حالة أخلاقية تتطلب التصدي أو المعارضة، بل حالة درامية غزلت بتأييد مطلق للشخصية لأنها عادل إمام. موقف متحرر كان على الأرجح سيكون أكثر حدة وربما أكثر جدة، لكن هذا هو نتاج الواقع حين يكون على المسلسل أن يتعامل مع نجم نجح دائما في لونه المعين من الأداء.

الحلقة الأولى كانت أبلد تلك الحلقات. الانتقال بين مظاهر الثراء الفاحش ومظاهر الفقر الشديد بالتناوب (مشهد من هنا ومشهد من هناك) وطويلا، جاء أشبه بحبة منوم يأخذها المشاهد قبل أن ينام. ليس أن الحلقات الست التالية تشهد إيقاعا سريعا، لكنها تتجاوز ذلك الانطلاق البطيء الذي أوصل الفكرة بعد عشر دقائق، لكنه أحب أن يستمر من دون أن يضيف جديدا عليها، باستثناء التعريف بعدد من الشخصيات. أمر كان يستطيع الإخراج أن يقوم به في ربع الساعة الأولى على الأكثر.

حب الجمهور (أو فريق كبير منه على الأقل) لعادل إمام سوف يتواصل حتى الحلقات الأخيرة (إلا إذا نفدت القصة وأحداثها قبل أن تنفد الحلقات) لكن عادل بحاجة إلى وقفة جريئة مع ذاته قبل رمضان المقبل.