رمضان بين الحكمة والطقوس

د. عيسى الغيث

TT

لن أورد لكم آيات القرآن الكريم لأنكم تقرؤونها وتسمعونها منذ دخول رمضان في تلاوتكم وصلاتكم، ولن أنقل لكم أحاديث رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، حيث إنكم تعلمون بها في شأن فضل رمضان والصيام والقيام وتلاوة القرآن، ولكن الذي ربما لم يمر عليكم أو لم تكتفوا به هو التوعية بالواقع المخالف للحكمة الإلهية من تشريع صيام رمضان وقيامه وتدبر قرآنه، حيث إننا بتنا نعيش شهرا يأتي بطقوس لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بشهرنا الكريم.

رمضان ليس نوما في نهاره بلا صلاة في أوقاتها، ولا استشعارا لجوعه وعطشه، فلا نستحضر حينها ألم الفقير ولا حاجة المسكين ولا حرمان المريض الذي يجد الأكل ولا يستطيع تناوله، فندرك حينها نعم الله علينا وواجب شكرنا له بفعل طاعته وترك معصيته، وليس سهرا في ليله على أكل وتخمة ومشاهدة الفضائيات وتتبع الإنترنت ومواقع التواصل على حساب قيام رمضان وتلاوة القرآن وصلة الأرحام وإخراج الزكاة وتقديم الصدقات وفعل الطاعات، ولكن الواقع أن رمضان هو الأكثر في الأطعمة كما وكيفا، والأكثر في البرامج التلفزيونية كذلك، وبالتالي ضاعت حكمة صوم نهاره وقيام ليله.

وهناك مسألة مهمة يغفل عنها الكثير من الناس وهي أن من حكم ومقاصد الصيام تربية الصائم على شيئين، الأول أن يترك شيئا يراه أمامه ولا يأتيه ولو كان وحده استجابة لله وتربية على طاعة السر والتحصين التربوي للمسلم، والثاني أنه كما ترك المباح استجابة لله فإن ترك الحرام من باب أولى، وفي هذين الأمرين تربية عظيمة، ولو امتثلهما كل مسلم ومسلمة لما وقعت معاصي السر من الاعتداء على حدود الله، ومعاصي العلن من الاعتداء على حقوق خلق الله.

ولنكن واضحين بشكل أكبر ونقول أين تربية الصيام علينا حينما نعصي الله في السر مع أننا نصوم في السر ولكن دون جدوى تربوية، وكذلك نعصي الله في العلن في حين أننا نترك حتى المباح في العلن طاعة لله بصيامنا فكيف بانتهاك المحرمات من حدود الله وحقوق الناس؟

وإذا كان حق الله قائما على المسامحة والله غفور رحيم، فإن حقوق العباد قائمة على المشاحة ولا يغفرها الله ما لم يغفرها أصحابها ويحللونا في الدنيا قبل حساب الآخرة، ولذا فالقصاص مشروع في الدنيا والآخرة، ولا عفو فيه في الدنيا من ملك، ولا عفو فيه يوم القيامة من الملك العظيم إلا بعفو صاحب الحق.

وفي ختام مقالي هذا أبعث برسالة لكل مسلم ومسلمة أن نستحضر الحكمة من جميع أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة وركن الإحسان، وجميع الواجبات التي تربينا على أن نكون ملتزمين بعقيدة الإسلام وشريعته الغراء ومنهجه العادل وأخلاقه السامية وسلوكه القويم، بحيث نكون إضافة إيجابية لأمتنا الإسلامية وقوميتنا العربية وأوطاننا التي تستحق منا الأمانة والإخلاص لصالح البلاد والعباد في السر والعلن، وأن نتعاون مع ولاة الأمر فيما فيه صالح الوطن والمواطنين، وأن نقف سدا منيعا ضد من يريد بديننا ووطننا الشر، وإذا لم يربنا الصيام على هذه المبادئ فليس لله حاجة في أن ندع طعامنا وشرابنا، والله الهادي إلى سواء السبيل.

* عضو مجلس الشورى السعودي