«مهرجان الفنون الشعبية» بمراكش يصل محطته الـ48.. ويحتفي بـ«المرأة والفنون الشعبية»

يسلط الضوء على التراث الشعبي المغربي.. وسط مخاوف من اندثاره

يعتبر «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» أقدم مهرجان في المغرب، وهو يسلط الضوء على التراث الشعبي، النابع من مختلف مناطق البلد («الشرق الأوسط»)
TT

ينتظر أن تشكل الدورة الـ48 من «المهرجان الوطني للفنون الشعبية»، التي انطلقت فعالياتها، ليلة أول من أمس (الأربعاء)، بفضاءات «قصر البديع» التاريخي، بمراكش، فرصة أمام المنظمين لمواصلة توجههم المعلن نحو إعطاء نفس جديد للمهرجان بتقديمه لرؤية جديدة للحدث مستمدة من التقاليد، مع التحول نحو التجديد والإبداع.

وتحول المهرجان، في السنوات الأخيرة، إلى مناسبة يطرح خلالها المهتمون بالميدان مختلف الأسئلة التي تهم حاضر ومستقبل الفنون الشعبية في المغرب، خاصة على مستوى الدعوة إلى إصدار نصوص تحمي الفنون اللامادية من «المسخ» والتشويه، بالمحافظة على ثوابته، في احترام تام للمسار التاريخي لهذه الفنون ولساكنة المغرب، وكذا العناية بالممارسين، علاوة على الاهتمام، أكثر، بالمهرجانات الخاصة بالفنون الشعبية ودعمها بالإمكانات المادية والمعنوية الضرورية لاستمراريتها وتحقيق أهدافها، وتكليف المتخصصين، في ميدان هذه الفنون، بالإشراف على تنظيمها.

وتؤكد «مؤسسة مهرجانات مراكش»، التي عهد إليها، في الدورات الأخيرة، تنظيم المهرجان، أنها تحاول أن تعطي للمظاهرة نفسا جديدا، ضمن رؤية تسعى للمحافظة على الفنون الشعبية بالمغرب وإنعاشها، والعناية بالممارسين، ولذلك تعمل، ضمن هذا المسعى، على إطلاق مشروع مدينة للفنون الشعبية، ينتظر أن يشمل مركزا للمؤتمرات، ومسرحا، واستوديوهات تدريب وتسجيل، ومركزا للتوثيق والأرشيف، ومكتبة إعلامية، ومتحفا رقميا، ومتحفا مخصصا في الأزياء والآلات الموسيقية التقليدية.

ورغم أن «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» يعتبر أقدم مهرجان بالمغرب، والمظاهرة الفنية الوحيدة التي تسلط الضوء على التراث الشعبي، النابع من مختلف مناطق المملكة، فضلا عن أنه يشكل مناسبة لتثمين الموروث الثقافي المغربي، وفرصة لإنعاش القطاع السياحي بالمدينة الحمراء، فإنه لم يستطع، حسب عدد من الملاحظين، المحافظة على الإشعاع المرجو منه، في الوقت الذي استطاعت فيه مهرجانات أخرى أكثر حداثة منه، على المستوى الزمني، أن تضمن لنفسها صيتا ومكانا متميزين على مستوى المتابعة والحضور الجماهيري والترويج الإعلامي.

وإذا كانت الفنون الشعبية، في المغرب، تشكل جزءا من الحياة اليومية للمغاربة ومرجعية للهوية الوطنية، فإن «المهرجان الوطني للفنون الشعبية»، الذي انطلق، في دورته الأولى، سنة 1960. تحت مسمى «مهرجان فولكلور مراكش»، ظل يشكل، بحسب المتتبعين، شهادة للوحدة في التنوع، من خلال تقديم ثقافة تتشكل من ثلاثة مكونات أساسية، عربية وأمازيغية وأفريقية، تعتني بالموروث المتوسطي والآثار الأندلسية، فيما تنفتح باستمرار على الثقافات الأخرى، من دون أن تفقد أصالتها.

وتتميز الفنون الشعبية المغربية بالتعددية التي تتجلى في اللهجات المختلفة والإيقاعات والتعابير الجسدية والموسيقية المتنوعة، والتي لها بعدها الثقافي والميثولوجي العميق، سواء تعلق الأمر بالأهازيج الموسيقية أو بالتعابير الكوليغرافية.

ويرى عدد من المتتبعين أن المهرجان قد تعرض للتهميش لصالح الاتجاهات الفنية الجديدة، مع أنه يبقى واجهة لاستعادة الموروث اللامادي للبلد، وتقديم العروض الفنية الوطنية، الهادفة إلى توفير مساحة للتعبير عن جميع الفرق التي تعمل في حقل الفنون الشعبية، وأيضا من أجل الحفاظ على هذه الكنوز الفنية الثمينة. غير أن الفنون الشعبية، بقدر ما هي تراث لا يقدر بثمن، توجد، اليوم، في طور التهميش. ويقول إبراهيم المزند، المدير الفني للمهرجان: «الفنون الشعبية تواجه، اليوم، خطر الاندثار، خاصة أن الخلف لم يعد مضمونا، فيما المخزون الفني يسير نحو الاندثار، وغياب النساء أصبح واضحا داخل المجموعات الفنية الفلكلورية، كما أن صناع الآلات الموسيقية في انقراض متواصل.

خطر آخر يتهدد الفنون الشعبية، يتمثل، حسب كريم العشاق، رئيس مؤسسة مهرجانات مراكش، في «مظاهر وتأثيرات العولمة والتمدن التي أحدثت تغييرا كبيرا على المجتمع المغربي، وأضعفت الفنون الشعبية. اليوم، يبدو من الضروري توعية المواطنين وصناع القرار بالتهديدات التي يتعرض لها هذا التراث، والعمل على رفع مستوى هذه الفنون المؤسسة للثقافة المغربية. إنها أولوية بالنسبة لهوية البلاد، وهي، أيضا، فرصة كبيرة لكي نجعل منها رافعة اقتصادية واجتماعية في سياق السياحة الثقافية المستدامة».

واستغل «قصر البديع» التاريخي في احتضان جانب من فعاليات المظاهرة منذ 1967. حيث تولد عن هذا الخيار تجانس مدهش جمع فنونا عريقة ضمن بناية لها صيتها الحضاري المتميز. وتتمحور فرجة «قصر البديع»، المعلمة التراثية، التي يعود تاريخ تشييدها إلى حكم السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي (1578 - 1603)، حول موضوع «المرأة والفنون الشعبية». ويبرر المنظمون سبب اختيار هذا الموضوع، عنوانا للدورة الـ48، التي تنظم تحت رعاية العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في أنه «لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته المرأة المغربية وسط الفنون والتقاليد الشعبية، رغم التهميش الذي لحقهن في أحايين كثيرة، وهذا ما يجعل تكريمهن على مدى خمس أيام من الاحتفال أمرا مستحقا بامتياز».

ويستقبل فضاء «قصر البديع»، إلى غاية ليلة الأحد المقبل، عروضا فنية، تقدمها 21 فرقة فلكلورية، قادمة من مختلف جهات المغرب، تضم نحو 300 فنانا، بينها فرقة «نساء أحواش تافراوت»، وفرقة «عيساوة مكناس»، وفرقة «كناوة مراكش»، وفرقة «حاحة تمنار»، وفرقة «اعبيدات الرمى»، وفرقة «أحيدوش عين عرمة»، وفرقة «أحواش إمنتانوت»، وفرقة «أحواش ورزازات»، وفرقة «هوارة»، وفرقة «المنكوشي»، وفرقة «أقلال سيف»، وفرقة «أولاد سيدي احماد أو موسى»، وفرقة «عيساوة»، وغيرها من الفرق التي ستؤثث الصورة الجمالية للمهرجان. كما يستقبل «المسرح الملكي» أزيد من 10 فرق موسيقية، مغربية وأجنبية، بينها فرقة «العيطة الجبلية» وفرقة «ملحون مراكش»، وفرقة «دوكوانداي» الكورية الجنوبية، وفرقة «فلامنكا استيفانيا كويفاس» الإسبانية، و«الأوركسترا الوطنية لباربيس» من فرنسا.

يشار إلى أنه تم، أخيرا، إدراج «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» كعضو في «الشبكة الأوروبية لمهرجانات موسيقى العالم»، التي تأسست سنة 1991. والتي تدافع عن التقاليد المحلية وعن قيم التسامح الثقافي في كل مكان عبر العالم، من خلال مظاهرات ثقافية موزعة على أزيد من 20 بلدا، الشيء الذي يدل، حسب المنظمين، على «نجاحه»، ويشهد على «الرؤية التي تتمتع بها المظاهرة على المستوى الدولي والاعتراف الذي تناله من قبل الجمهور»، كما يؤكد «أهمية الرهانات بخصوص موضوع الفنون والتقاليد الشعبية في عيون جمهور دولي مهتم».