شخصية «الداعية»: بانتظار المفاجآت

محمد رضا

TT

* هاني سلامة في «الداعية» ينبري ليلعب دور الرجل المتشدد في مسائل الدين.. داعية يرى من مسؤولياته التنبيه إلى أهمية التشبث بأهداب الدين الحنيف وممارسات شعائره، ثم يضيف إلى ذلك قراءته الذاتية (التي ليست شخصية أو خاصة كونه يشارك بها كثيرين) لما هو مقبول وغير مقبول شرعا. ما هو المسموح به وما لا يمكن تجاوزه أو القبول به من ممارسات وعقائد وأفكار.

* هو يخطب إماما، وينتقل إلى محطة تلفزيونية يتولى عبرها إرشاد الناس ويمارس دوره هذا بعيدا عن مذياع الجامع وكاميرا التلفزيون وتحتار في الحلقات الأولى ما إذا كان المسلسل معه، ولو جزئيا، أو ضده كليا. هل ستنجلي الحلقات المقبلة عن إدانة مفاهيمه المتشددة؟ هل سيدافع عنها؟ هل سيخلق له وضعا يكتشف فيها أنه كان أكثر تشددا مما يجب؟

* لا يخفق الكاتب مدحت العدل في الإتيان بمواقف تمتحن فيها صلابة هذا الرجل. ما الذي يحركه وكيف يختلف، إذا ما اختلف، عن الإخوان أو عن السلفيين ولو أن هذا الشطر الأخير متروك لحلقات لاحقة أساسا. ما تبنيه الحلقات الثمانية الأولى هو توفير شخصية لا تخلو من الجمود في مواجهة رغبة بعض أفراد عائلته في التمسك بأهداب الحياة التي يرونها طبيعية، والانفتاح صوب الفنون والثقافات. في إحدى الحلقات نراه يجمع كتب المتنبي ونجيب محفوظ والجاحظ ناويا حرقها في مقاربة شديدة الوضوح لفكر تعسفي يرى في الثقافة خروجا عن الدين. في أخرى، يتصدى للغناء، فإذا هو ضد أي صنف ونوع منه.

* ما تحسن كتابة مدحت العدل فعله هي تأخير اتخاذ القرار بشأنه. هو حتى الآن رجل دين متشدد وربما متعسف، لكنه أيضا رب عائلة مسؤول ولا يطاوعه قلبه (كما في إحدى الحلقات الأخيرة) أن يرى ابنته غاضبة كونه يريد منعها من عزف الموسيقى أو قراءة الكتب. بل يوفر مدحت العدل سقفا عادلا لكل شيء فإذا بالفتاة تضحك له دلالة العلاقة الأسرية التي لا تقل صلابة.

* الإخراج لمحمد العدل (وللممثل سامي العدل دور محدود - للآن) وهو إخراج سينمائي المنهج. مدروس الحركة مع أخطاء صغيرة في طريقة ضبط الزوايا وفي مونتاج الانتقال بين اللقطات (يمنى ويسرى ومتقاطعة) من حين لآخر. مما ينجح به أكثر من سواه هو الخامة النوعية للتصوير. داكن في معظم مشاهده الداخلية كما لو أنه يريد أن يعكس دكانة مرحلة أو حياة.

* ما يثير بعض علامات التساؤل هو كثرة استخدامه منازل ومكاتب مترفة الأثاث. لا أقول إنها ليست موجودة، لكن ليس عليها أن تكون موجودة على نحو جامع أو غالب. التباين في مستوى الديكور والسعة وملامح الراحة الاقتصادية وجماليات الديكور والمكان يمكن أن تتفاوت، بل ويجب أن تتفاوت لسببين: الأول أن التفاوت يمنح العمل تنوعا بصريا مفيدا والثاني أنه يقدر على اختصار الوضع المعيشي للشخصيات. هذه ليست مشكلة تنال من المسلسل كقيمة ولا هي ظاهرة محددة بهذا المسلسل بل نراها في أكثر من مسلسل (كما في حال «نكدب لو قلنا ما بنحبش»).

* هناك تمثيل مدهم من الجميع: حنان يوسف، وصفاء الطوخي، ومحمود مسعود، وعمرو ممدوح، ونهى إسماعيل والمخضرم المثير للإعجاب دائما أحمد راتب. إنه هاني سلامة الذي يعمد إلى الدور بجدية من عليه إتقان الجانب الأساسي منها. هذه الجدية تمنعه من استكشاف جوانب أخرى قد تساعدها. الجدية لا تعني عبوسا دائما (أو غالبا)، بل يمكن أن تؤازرها مسحات جانبية مختلفة. هاني جيد فيما يقوم به وكان يمكن له أن يخلق ما هو أعلى قليلا من هذا لو أتاح لنفسه مفهوما أشمل بقليل.