ليالي رمضان في فيينا

تحرص المطاعم والفنادق على تقديم أطباق للصائمين أملا في جذب ما تبقى من السياح العرب

TT

مصحف ومصلاة مع طبق تمر وقائمة طعام عربي النكهة والاسم، تعتبر أقوى بوادر الضيافة التي تستند إليها أكبر الفنادق النمساوية لجذب من تبقى من سياح عرب، خاصة الخليجيين، بعدما رحل معظمهم للصيام بالديرة.

حتى آخر يوم من شعبان، كانت المناطق السياحية بالعاصمة فيينا تفيض بالعباءات الخليجية التي أصبحت معلما من معالم صيف المدينة الجميلة، ثم فجأة ومع حلول الشهر الكريم تلاشت تلك المظاهر عدا قلة قليلة، معظمها ممن يقصدون النمسا للعلاج والسياحة الطبية.

السائح العربي أثناء شهر رمضان يعتبر «عملة نادرة»، لهذا فإن المنافسة على أشدها لإرضائه وإقناعه بأن فيينا «تفهم رمضان» وتحترم متطلباته.. هذا ما أجمع على تأكيده معظم المشرفين على مكاتب الاستعلامات التابعة لبلدية فيينا ضمن جولة قامت بها «الشرق الأوسط» مساء ثاني أيام رمضان، حيث خلت مقاهي قلب فيينا القديم حول ساحة أشتيفان بلاتز وكيرتن أشتراسا والقرابن من أي مظاهر للسياح الخليجيين عكس ما كان ظاهرا للعيان من قبل، ومعلوم أن موعد الإفطار في فيينا نحو الساعة التاسعة مساء، وتمسك عن الطعام نحو الثانية والنصف صباحا، مما يجعل يوم الصيام طويلا، يخلو في معظمه مما تتمتع به البلاد المسلمة من مظاهر رمضانية أسرية واحتفائية.

ورغم الغياب، فقد بدا ملحوظا أن أكبر المحال التجارية لا تزال محتفظة بعبارات الترحيب وإشارات التخفيضات المكتوبة باللغة العربية على جدرانها، ويبدو أنها في انتظار وصول أفواج من الخليجيين ممن يقضون عطلة العيد بفيينا.

إلى ذلك وفي متابعة هاتفية أجرتها «الشرق الأوسط» مع عدد من مطابخ أكابر الفنادق، أكد معظمهم أنهم ورغم الرحيل شبه الجماعي فإنهم يوفرون خدمات رمضانية خاصة وأطباق رمضانية بحتة مع خدمات بالغرف، ومن ذلك حرصهم على تقديم كبسة ومحاش وسلطات ومعجنات، بينما أشارت بعض المطاعم إلى استعدادها لتوصيل طلبات لأطعمة عربية على طريقة «الدلفري». وفي هذا السياق، أشار الخبير السياحي، مارتن هاندل، إلى أن فيينا مجتهدة لحفظ مكانتها كمدينة تفهم متطلبات سياحها كافة، خاصة أنها رغم ما تتمتع به من سمعة لكونها المدينة الأولى عالميا من حيث رفاهية الحياة ومتطلبات الحياة السهلة الآمنة، كما أثبتت استطلاعات عالمية، فإنها لا تزال تصارع لتجذب سياحا خليجيين من أولئك الذين يفضلون باريس ولندن وجنيف، مشيرا إلى أن المدينة أصبحت الوجهة الأولى للسائح الصيني والسائح الروسي، وكلاهما سائح ثري إلا أنه أقل إنفاقا عند مقارنته بالسائح الخليجي.

في سياق مواز، تحتفي قلة من أسواق فيينا برمضان، ومن تلك التي أكملت استعدادها لشهر رمضان وزبائنه عارضة مختلف الأطعمة الرمضانية واللحوم المذبوحة حلالا، بل منها ما هو مطبوخ ومعد جاهز، سوق «الناش ماركت» التاريخي، ورصيفه الأصغر «هانوفر ماركت»، وكلاهما يوفر للصائم أنواع التمور والفواكه والحبوب والخضراوات من مختلف بقاع العالم، بينما تحتدم بـ«الناش ماركت» منافسة ضروس بين باعة الفلافل والطعمية العرب وجيرانهم اليهود ممن توسعوا وأصبحت لهم سلاسل ومتاجر ومطاعم تبيع الأطعمة الشرق أوسطية والشامية على أساس أنها إسرائيلية.

في غضون ذلك، جذبت شعبية الفلافل والحمص تجارا من جنسيات أخرى، بما في ذلك روس وأذربيجان، تفننوا في تذوق الحمص، مضيفين إليه الكاري والبنجر والفلفل، فأصبح ملونا منه الأصفر والأحمر والأخضر، جميعها تمتاز بنكهات ومذاقات لا تضاهى.

من جانبهم، يسيطر الباعة اليونانيون والقبارصة والإيطاليون بـ«الناش ماركت» على بيع مختلف أنواع الحلويات من باسطة وبقلاوة وكنافة، بالإضافة إلى سلطات الزبادي مع الخيار والعجور والمعجنات والأجبان التي أبدعوا في استخدامها كحشوات لمختلف الخضراوات كالطماطم والفلافل التي لا تحتاج لتسخين، مبتعدين عن الحشوات التقليدية مثل خلطة اللحم والأرز، وبينما كانوا أيام الفطر ينادون على المشتري للتذوق أصبحوا يضيفون للمشتري الصائم قطعة مجانية وعدد حبات من الزيتون الذي يحشونه بدوره بالتوم واللوز والجزر وحتى الجبن كذلك.

وبالطبع، لا تغيب عن «الناش ماركت» محال «الشاورما» التي تماشيا مع روح رمضان أضافت إلى خدمة الساندويتشات صناديق سفرية تبقيها طازجة شهية حتى موعد الإفطار.