تاريخ المساجد في بريطانيا بدأ مع المهاجرين المسلمين

بني أولها في عام 1860 على يد بحارة يمنيين وصوماليين

مسجد شاه جهان الذي شيد في عام 1889
TT

يشكل الإسلام ثاني أكبر ديانة في بريطانيا، وذلك بحسب نتائج إحصاءات المملكة المتحدة لعام 2011، التي تشير إلى أن أعداد المسلمين تتزايد باستمرار لتصل اليوم إلى 2.7 مليون نسمة، أي ما نسبته 4.8 في المائة من مجمل عدد السكان. وينتشر المسلمون في مناطق عدة من بريطانيا أهمها ويلز وتاور هاملت ونيوهام وبلاكبورن وداروين وبرادفورد ولوتن. وتبعا لذلك فقد أقيمت المساجد في الأماكن التي تضم جاليات مسلمة كبيرة وبعض هذه المساجد لا تقل روعة في تصميمها وبنائها عن غيرها من الجوامع الشهيرة المنتشرة حول العالم.

وتجذب مساجد بريطانيا العديد من الزوار لأهميتها ومكانتها المقدسة بالنسبة للمسلمين وتصميمها المتميز والمعبر عن فن الهندسة المعمارية الإسلامية، كما تشكل نقطة استكشاف مهمة للكثير من السياح من مختلف الديانات. فلا تكتمل زيارة العاصمة لندن من دون مشاهدة المسجد الرئيس بها وهو مسجد ريجنت بارك بقبته الذهبية الضخمة، إلا أن هذا المسجد الذي انتهى بناؤه عام 1978 لا يعتبر الأقدم، في حين يعود بناء أول مسجد إلى سنة 1860 على يد البحارة الصوماليين واليمنيين خلال رحلاتهم بين عدن وكاردف وكان أقرب ما يكون إلى مصلى.

وحسب ما يذكر لنا التاريخ فقد بدأ المسلمون المهاجرون لبريطانيا بتأسيس أماكن للصلاة في البيوت أولا التي تحولت مع مرور الوقت وتوفر المال إلى مساجد.

ولا توجد إحصاءات دقيقة ونهائية لعدد المساجد في المملكة المتحدة على الرغم من أن أقرب تقدير لها يصل إلى نحو 1500 مسجد بني منها نحو 200 خصيصا لتكون جوامع، أما الباقي فنشأ أولا في بيوت صغيرة يؤمها المسلمون للصلاة، ثم تحولت مع الوقت بسبب تزايد أعداد المصلين إلى مساجد من خلال شراء بيوت متلاصقة وهدمها وإعادة بنائها لتصبح مساجد كبيرة للصلاة.

ومن أقدم وأهم المساجد في بريطانيا، مسجد شاه جهان الذي بني سنة 1889، وهو بتمويل من شاه جهان وهي ملكة مسلمة حكمت إقليم بهوبا في الهند خلال القرن التاسع عشر. صممه المهندس عالم اللغويات والمستشرق البريطاني ذو الأصول المجرية غوتليب ويهيلم ليتنر، ليكون مكانا للصلاة لطلاب «معهد الدراسات الشرقية» بقرب بلدة ووكينغ في ساري. يليه في القدم مسجد ليفربول الذي شيده هنري ويليام كويليام البريطاني الأصل بعد اعتناقه الإسلام وأطلاقه اسم عبد الله كويليام على نفسه. وافتتح المسجد أبوابه عام 1891.

وبعد مرور 34 سنة في 1925 شيد مسجد فاضل في ضواحي جنوب غربي لندن، وهو يعرف أيضا باسم مسجد لندن، بنته الشركة الهندسية المعمارية «توماس هيتش موسن وأولاده». ويتميز بالبساطة والتناسق ويضم قاعة واحدة للصلاة. أما مسجد بيل ستريت الذي بني سنة 1946 فكان عبارة عن ثلاثة بيوت متجاورة، هدمت وبني مكانها الجامع.

ويعتبر مسجد ريجنت بارك الذي تأسس سنة 1977 المسجد الرئيس في لندن والأكبر في بريطانيا، وهو من تصميم المهندس المعماري البريطاني سير فريدريك جيبرد الذي فاز سنة 1969 بالمسابقة الدولية التي نظمت لاختيار التصميم الأنسب لبناء المسجد. وتميز تصميمه بأسلوب تقليدي يحاكي العصر. يقع بالقرب من محطة مرليبون وبيكرلو ويتسع لـ5000 مصل ويشمل قسما خاصا بالنساء. اكتمل بناؤه سنة 1978.

ومن المساجد المهمة أيضا جامع ويمبلدون لندن الذي أنشئ سنة 1977 وشهد النور في منزل تحول إلى مكان لإقامة الصلاة، ومن ثم انتقل إلى موقع موقف سيارات هدم لإفساح المجال لبناء مبنى بسيط يتألف من طابقين ليكون مسجدا. وبعدها اشترى المسلمون من أهالي المنطقة منزلا مجاورا وهدموه وشيدوا المسجد بصورته الحالية، وأضيفت إليه في وقت لاحق ست مآذن خضراء وجدرانه مكسوة بالآجر الأبيض، وأضيف بعد ذلك ملحق الطابق الأعلى، صمم المبنى المهندس المعماري جاك غودفري جيلبرت الذي ربما لم يكن يملك الخبرة المعمارية الإسلامية قبل ذلك. هندسته بسيطة باستثناء المآذن القصيرة على الواجهة الأمامية والتي تعطيه نكهة فريدة ومختلفة.

وتتالى بناء المساجد فحظت مدينة بريستون لانكاشير نصيبها من جامع بني سنة 1984، وأكثر المهاجرين إليها كانوا من باكستان والهند. صمم المسجد وشيده المهندس توماس هارغريفز، وهو في السنوات الأخيرة من عمره. وكما العديد من المساجد في تلك الفترة الزمنية، بدأ المصلى في منزل ثم هدم وبني الجامع الذي جمعت هندسته بين الفن المعماري الإنجليزي القروسطي ولمسات من فن العمارة الإسلامي.

وفي سنة 1988 اشترى عدد من أهالي مدينة بارنت بلايس في برادفورد منزلا لأداء صلواتهم، وبعد سنوات من جمع التبرعات، أجروا تعديلات ضرورية على المنزل وجمعوا بين الغرف لإنشاء قاعات الصلاة. ومع مرور الوقت هدموا المبنى وبنوا مسجدهم الكبير.

وفي برمنغهام المدينة التي يشكل المسلمون نحو 62 في المائة من نسبة سكانها ومعظمهم من شمال باكستان استقروا في مدينة سمول هيث، بني مسجد غامكول شريف سنة 1993 على مساحة 40 منزلا مهجورا اشتراها أهل المنطقة من مجلس البلدية سنة 1990، ويعتبر علامة فارقة بتصميمه الهندسي.

ومع انتشار المساجد في جميع أنحاء البلاد وبعد أن أصبحت أعدادها كافية لمسلمي بريطانيا انخفضت نسبة البناء، وشيد الجامع الأخير سنة 2010، وهو مسجد جامع في ليستر. وتتميز المساجد التي بنيت أخيرا بتقنية هندسية محترفة، وأصبحت تمثل لغة هندسية واحدة على عكس المساجد التي بنيت سابقا.