سكان تونس في رمضان يهربون إلى شواطئ البحر

إقبال كبير من الشباب على المقاهي.. ومتاعب بسبب غلاء الأسعار والإسراف في السهر

تنوع كبير في معروضات الغلال بالسوق المركزية لتونس العاصمة
TT

يسرف التونسيون في السهر في شهر رمضان المعظم، خاصة حين يتزامن هذا الشهر مع فصل الصيف.. وفي حين حافظت بعض العائلات على عادة تبادل الزيارات والسهر في أجواء عائلية، يقبل الشباب على المقاهي للسهر كل ليلة حتى موعد السحور. كما يفضل البعض الآخر الذهاب إلى شواطئ البحر إما نهارا أو ليلا.. أما المغرمون بالفن وبالثقافة، فقد وجدوا ضالتهم في تزامن المهرجانات الصيفية مع شهر رمضان ليتابعوا كثيرا من هذه العروض.

مظاهر الإسراف في السهر والنقص في النوم، تكاد تلاحظها على كل الوجوه وكل الحركات في صباحات أيام رمضان.. حيث يشهد نسق العمل في المصالح الإدارية والمرافق العمومية بطئا ملحوظا. فنظريا يبدأ العمل في الإدارات في الساعة السابعة والنصف صباحا.. ولكن قد يصعب عليك أن تقضي بعض شؤونك في مثل هذا الوقت. ولذلك تكثر النكات حول مردودية الموظف التونسي في شهر رمضان، وتتناول كثير من النكت تحايل البعض للوصول متأخرين إلى مواقع العمل أو المغادرة قبل انتهاء الدوام، أو حتى الغفوة والنوم في المكاتب.

* حركية في الأسواق.. وبحث عن المنتجات الطازجة

* يحرص عدد كبير من «التوانسة» إن كانوا في إجازة، أو بعد فترة دوام العمل على التوجه يوميا إلى الأسواق لاقتناء ما يلزم للإفطار وللسهرة. وتبلغ الحركة ذروتها في الأيام العادية عند الظهيرة لتهدأ نسبيا مع ساعات القيلولة، ثم تُستأنف بعد ذلك في الأحياء السكنية إلى ما قبل أذان صلاة المغرب. وترتفع وتيرة هذه الحركة خاصة في عطلة نهاية الأسبوع (يومي السبت والأحد). أحد المواطنين الذين التقت بهم «الشرق الأوسط» بالسوق المركزية بالعاصمة التونسية قال: «الأمر الإيجابي أننا لم نسجل خلال الأيام الأولى من رمضان نقصا في أي مادة أساسية.. ولكن أسعار اللحوم والأسماك مرتفعة»، وأضاف: «لا يُعقل أن تظل أسعار الغلال وخاصة التفاح والخوخ والعنب التي نحن في عز موسمها مرتفعة بهذا الشكل».

كما يحرص عدد آخر من التونسيين خلال شهر رمضان المعظم على التوجه بعد القيلولة إلى المناطق الريفية والشاطئية القريبة من المدن الكبرى لاقتناء الأسماك الطازجة التي خرج بها الصيادون لتوهم من البحر، ليبيعوها على الشاطئ، أو شراء الغلال والخضر التي قطفها المزارعون قبل دقائق ويقومون بعرضها قريبا من مزارعهم على أطراف الطرق الرئيسة. ويستغلون الفرصة أيضا لشراء نوعيات من الخبز التقليدي تسمى «الطابونة»، وهي شبيهة بالرغيف في الشرق العربي، تتولى ربات البيوت في العائلات المتواضعة الإمكانيات إعدادها. ويقوم الأبناء ببيعها لتوفير مداخيل إضافية لعائلات هي في أشد الحاجة إليها في مثل هذا الشهر.

* هروب إلى البحر

* يحرص بعض «التوانسة» على الذهاب إلى الشواطئ ساعات قليلة قبل الإفطار، وهم يفعلون ذلك لتمضية الوقت إلى حين موعد أذان المغرب، ولمقاومة حرارة الطقس. في حين يتمسك بعض الأولياء بعدم حرمان أطفالهم الصغار من متعة السباحة في البحر في عز فصل الصيف على الرغم من مشقة الصيام. محمد أمين (42 سنة) وهو أب لتوأمين عمرهما خمس سنوات قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يأخذ طفليه للبحر مرتين في الأسبوع، لأنه لن يتسنى له ذلك بعد شهر الصيام بحكم التزاماته المهنية. كذلك تذهب بعض العائلات للسهر على شواطئ البحر، خاصة في الليالي شديدة الحرارة، ومنها من تأخذ وجبة السحور معها لتناولها هناك على الرمال الذهبية والعودة إلى البيت عند الفجر. كما تشهد ظاهرة الصيد بالصنارة إقبالا لافتا من التونسيين في أمسيات شهر رمضان.. وتبقى أشهر الوجهات لهواة الصيد من بين سكان العاصمة ضاحية «حلق الوادي» شمال العاصمة، ومدينة «رادس» في الضواحي الجنوبية لتونس.

* جرعة ثقافية إضافية

* تزامن انطلاق أغلب المهرجانات الصيفية الكبرى مع بداية الشهر الكريم، وفر خيارا مهما للصائمين لتقضية سهرات ثقافية. وقد حاولت المهرجانات إرضاء مختلف الأذواق، وراوحت بين العروض التي تتماشى وأجواء شهر رمضان، مثل الإنشاد الديني والصوفي، والعروض التقليدية الفنية أو المسرحية أو الشبابية الترفيهية. فضلا عن العروض الأجنبية الكبرى، مثل عرض جوقة الجيش الأحمر الروسي التي افتتحت هذه السنة مهرجان «قرطاج»، وعرض «أوبيرا بيكين» الصينية، وهو ما أعطى للثقافة حضورا بارزا في رمضان هذه السنة.

* عبق التاريخ * المدينة العتيقة لتونس العاصمة، تبقى بعطر محلات أنهجها الضيقة وأزقتها الملتوية، عنوانا مميزا للباحثين عن السمر في أجواء تعبق برائحة التاريخ، وذكريات الماضي الجميل. ويظل جامع الزيتونة المعمور، المعلم الديني الأبرز في تونس العاصمة، وأحد أهم المعالم في البلاد العربية والإسلامية، وهو الذي يتوسط قلب مدينة تونس العتيقة، قبلة للكثيرين من المصلين حتى من غير سكان المدينة العتيقة لأداء التراويح. ويشهد الجامع المعمور أجواء مميزة طيلة ليالي الشهر الكريم وتقام فيه الاحتفالات الرسمية والشعبية بليلة القدر. وفي الأنهج القريبة من جامع الزيتونة توجد كثير من الفضاءات التي تقام فيها الأنشطة الثقافية والعروض الفنية، مثل «بئر الأحجار» ونادي الطاهر الحداد، ودار حسين. وحولها كثير من المقاهي التقليدية التي حافظت على العادات القديمة لأهالي حاضرة تونس. السيد عبد الواحد سلطاني (54 سنة - تاجر) أحد سكان المدينة العتيقة قال لـ«الشرق الأوسط»: «الحركة في المدينة العتيقة لا ترتفع إلا في النصف الثاني من رمضان، حين تفتح المحلات التجارية»، مضيفا: «مقارنة بالسنوات الماضية، فإن هذه الحركية في تراجع مستمر لأسباب كثيرة.. ومنها المنافسة التي أصبحت تلقاها المدينة العتيقة ومقاهيها التقليدية من الأحياء الجديدة لتونس العاصمة ومقاهيها الحديثة التي تفضلها الأجيال الجديدة».

ويشهد شارع الحبيب بورقيبة الشارع الرئيس للعاصمة حركية لافتة كامل ليالي شهر رمضان. حيث تخرج العائلات للتنزه وللتسوق، خاصة في النصف الثاني من شهر الصيام. وتشهد مقاهي هذا الشارع ازدحاما كبيرا حتى ساعة متأخرة. كما تستقطب المقاهي الموجودة خاصة في أحياء «النصر» و«المنار» «والمنازه» وعلى ضفاف «بحيرة تونس» العائلات وأعدادا كبيرة من الشباب من الجنسين. ويقدم بعض هذه المقاهي عروضا فنية وترفيهية تتواصل إلى حدود الفجر. أحمد (26 سنة - طالب) كان يجلس في مقهى بـ«حي النصر» مع أصدقائه، قال لـ«الشرق الأوسط»: «الجو مريح هنا.. ولكن المشكلة الكبرى في هذه المحلات هو الارتفاع الشديد جدا في الأسعار، خاصة بالنسبة للشباب وللطلاب».

عدد المقاهي في تونس ما فتئ يرتفع، وخاصة في الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة.. وهناك يسارع البعض بالتوجه إلى المقاهي مباشرة بعد أذان المغرب للفوز بطاولة للعب الورق وتدخين «الشيشة» (النارجيلة) على امتداد الليل، وإلى وقت قصير قبل السحور. ليواصل بعض الشباب بعد ذلك سهرهم في البيت خلف أجهزة الكومبيوتر حتى ساعات الصباح والضحى أحيانا، ثم قضاء النهار بأسره وهم نيام، ولا يستيقظ بعضهم إلا دقائق قبل أذان صلاة المغرب.