خيمة «المثقفين» الرمضانية في دبي يحضرها الشيخ محمد بن راشد ويتبادل الآراء مع الشعراء النبطيين

أهداها الشيخ محمد بن راشد إلى مؤسسة الصدى ورسخها الشاعر سيف المري منذ عشرين عاما وأصبحت جزءا من التقاليد الرمضانية

خيمة المثقفين في دبي
TT

خيمة رمضانية لا تشبه الخيام الأخرى، فهي ليست مزركشة بالفوانيس والشموع والفولكلور العربي، لكنها تعبق برائحة الثقافة والبخور والطيبات. يصّر المسؤولون عن إدامتها وصيانتها أن يحتفظوا بشكلها القديم مثل (بيت الشعر) الذي يحمل كل بساطة الإنسان البدوي الأصيل، لذا فهي ليست على غرار شكل الخيمة المصرية أو الشامية، بل مستمدة من التراث الإماراتي. هناك إذن دلالات ورموز كثيرة لهذه الخيمة، مع دلال القهوة ونار الحطب المشتعلة، فقد تحولت إلى رمز للضيافة والغنى والأصالة.

أهدى الشيخ محمد بن راشد هذه الخيمة إلى مؤسسة الصدى التي تصدر عددا من المجلات لاستقبال ضيوفها من الشعراء في شهر رمضان المبارك، وتحمل معنى رمزيا كبيرا، وتعني خيمة الجد؛ خيمة الأب؛ خيمة كريم القوم. ولعل موقع خيمة المثقفين المناسب، الكائن على شارع الشيخ زايد يجذب إليها زوارها المتميزون، وسط مجمّع الصحف والمجلات: «البيان»، «غولف نيوز»، «أرى»، «الصدى»، «بنت الخليج»، «شهرزاد»، «دبي الثقافية»، «شباب عشرين»، ما يضفي عليها نكهة ثقافية خاصة.

يقول الشاعر سيف المري لـ«الشرق الأوسط»: «إضافة إلى اسمها خيمة المثقفين»، تحمل أسماء أخرى مثل «خيمة اللغز» و«خيمة الشعر»، الاسم الأول يعود إلى اللغز الشعري الذي اعتاد الشيخ محمد بن راشد لكونه شاعرا، أن يطرحه على الشعراء للتواصل مع الشعر. فكان الشعراء يتقاطرون على هذه الخيمة لتسليم الردود الشعرية على قصيدته اللغز. وقد وصلت الردود في حينها إلى 12 ألف ردّ، وهو رقم قياسي، يستحق أن يدخل موسوعة غينيس حيث تم نشر تلك الردود طيلة ستة أشهر.

يكاد الرواد لا يتغيرون لأنهم اعتادوا على تلك الأجواء التي يبرز فيها الشاعر سيف المري، والمدير العام لمؤسسة الصدى، برعايته الأبوية، أن يكون حجر الزاوية في تلك الجلسات. ومن الطبيعي أن يكون الشعر النبطي، وهو جوهر الشعر في الإمارات، النابع من بيئتها الأصيلة، مادة دسمة للنقاش ومطارحة الأبيات عندما يتواجد بعض النخبة من رواد هذا الشعر. كما يضيف الشاعر محمد بن مسعود: «هناك المطارحات في الشعر النبطي حيث يأتي إلينا إخوة شعراء من السعودية والكويت وعُمان وليبيا ومصر سيناء والجزائر والسودان، وتجري نقاشات فردية وجماعية وحلّ اللغز. وذلك ما يثير الشعراء ويشحذ ذاكرتهم. إضافة إلى تعارفهم. بعضهم يبعث قصائده والبعض الآخر يؤكد حضوره. ويرافق الشعراء بعض الرواة والرسامين والفنانين. ومع إلقاء كل قصيدة تولد قصة». فيما يؤكد الشاعر سيف السعدي قوله: «من الأشياء الطريفة التي وقعت أن ضيفا من البلدان المجاورة تفاجأ بحضور الشيخ محمد بن راشد من دون مرافق إلى الخيمة، وبدأ يكرر السؤال بدهشة غير مصدّق: هل هذا هو الشيخ محمد بن راشد حقا؟».

لقد أضفت زياراته المتعددة إلى هذه الخيمة مسحة من التواضع والشاعرية، فأصبح جوهرها التأمل والحكمة، حيث يسأل عن أحوال الشعر والشعراء، ويتبادل معهم الآراء. وأحيانا يلقي الشعراء قصائدهم أو بعض أبياتهم في حضرته. وقد خاطب الشيخ محمد بن راشد الشاعر جمال بن حويرب المهيري، في قصيدة مطلعها:

يكفي القريض وأهله ما حصلوا من رفعة وتحية وثناء كل المجالس قد أتتك تقربا وأتيت أنت لمجلس الشعراء يتردد على هذه الخيمة نخبة من المثقفين: شعراء وكتّاب وباحثون يتواصلون تحت سقفها طوال ليالي رمضان حيث يحلو التسامر بالأحاديث الودية وتذوّق أطباق السحور الإماراتية من كل الأنواع الشهيّة: من المجبوس، البرياني، العيش الأبيض مع المرق، الثريد، القوزي مع الخبز، الهريس، الخبيص، العصيدة، والكرص المدقوق، والخمير، والجباب، وخنفرش، اللقيمات، والخبز المحلي، والمعكرونة مع اللحم، والغزال المشوي، وغيرها من الأطباق، ثم تُختتم بتناول الحلوى واحتساء فناجين القهوة العربية وكؤوس الشاي والليمون. الشعراء سيف المري وسيف السعدي ومحمد بن مسعود هم جوهر هذه الخيمة، إضافة إلى ضيوفها المعتادين: الكاتب معن البياري، والمترجم باسل أبو حمدة، والكاتب نواف يونس، والشاعر محمد غبريس، وغيرهم.

وتبقى جلسات الخيمة حتى ساعة متأخرة من السحور، تتركز النقاشات على الأوضاع الراهنة التي لا يمكن للمسلسلات الرمضانية أن تبعدها عن الأذهان مثل ما يجري في مصر وسوريا والعراق. ولا يعني ذلك، أن خيمة المثقفين تنسى التعليقات على المسلسلات الرمضانية التي تعّج بها القنوات التلفزيونية التي لها أصداؤها بين جدران الخيمة أيضا. ولكن ما يميّز تلك النقاشات، هو العمق في طرح الآراء حولها.

لذلك فخيمة «المثقفين» تختلف في جوهرها عن الخيام الرمضانية الأخرى المنتشرة في دبي، التي تحولت إلى حاضنة للأسر الخليجية، وخاصة تلك المتألقة بأضواء أهل الفن والإعلام، فيمكن القول إنها خيمة رمضانية تنتمي إلى الزمن القديم، أو الزمن الجميل، حيث الأدب والشعر والفكر أساس الأحاديث وجوهرها، بل هي التي تحمل أعمدة هذه الخيمة عاليا، وتجعل روادها من النخبة، التي تفضل المجيء إلى هنا بدلا من الذهاب إلى الخيام الرمضانية الأخرى، لا لشيء إلا لأنها تجد فيها ضالتها الثقافية في تبادل الآراء والبحث وتداول الشعر والتسامر.