عاشق للتراث يحول مزرعته قرية تراثية أحسائية

مكان يزاوج بين الشعر والتراث ويحتفي بالشعراء ويسهر على ترانيمهم

أحد الأركان التراثية
TT

عشق التراث كان الحافز الأكبر للسعودي حسن باقر الحسين، الذي حول مزرعته في الأحساء إلى قرية تراثية باتت حاليا من أبرز المعالم التي تعبر عن صورة الأحساء القديمة، وتجتذب في أماسي شهر رمضان الشعراء والأدباء والفنانين والباحثين عن التراث القديم.

تقع المزرعة، التي تحولت إلى قرية تراثية، في واحد من الطرق الزراعية التي تنتشر في الأحساء، وتولى صاحبها الحسين دفع النفقات العالية لتحويل المزرعة إلى شكل من أشكال البيوت التقليدية بما تتضمنه من طريقة العمارة بالحجر، واستخدام أدوات البناء القديمة، كما رتب محتويات المكان بأنواع الديكورات والأثاث القديم، وملأ الأرجاء بالمقتنيات الأثرية التي كانت معروفة في البيت الأحسائي سابقا.

عرف المكان سابقا باسم «مقهى السيد» يجمع الناس، بين النخيل، ويشتهر بتقديم الشاي والشعر وجبة للزوار، وسط غابة من النخيل بالقرب من (عين الخدود) أشهر عيون الأحساء منذ القدم والتي ما زالت تغذي نخيل الأحساء بمياهها المتدفقة.

كما يضم المقهى متحفا صغيرا يحتوي على أكثر من 3500 قطعة أثرية من دلال القهوة العربية وأشهرها الرسلان والقرشية، والعدنية، بالإضافة إلى بنادق الصيد القديمة، وقوس قديم يستخدم لنتف القطن، وهاتف قديم يطلق عليه «أبو هندل» وكثير من القطع الأثرية الأخرى المستخدمة في الماضي. وتم تسمية أركان المقهى على أسماء أشهر الشعراء بالأحساء مثل الشاعر ابن فايز المتوفى سنة 1322هـ والشاعر سليم العبد الحي والشاعر المعاصر جاسم الصحيح.

الحسين، الذي كان من خريجي جامعة الملك فيصل، حيث درس في تخصص إدارة المشاريع مما جعله يتعلق كثيرا بالتراث بأنواعه عاقدا العزم على أن يضع بصمة له في حياته تجعله يحس بالإنجاز وتقديم خدمة لموطنه الأحساء، حيث ركز جهده على الأشغال اليدوية وزخارف البيوت القديمة والفن الحجري العريق وبقايا الصناعات الحرفية الشهيرة، ورسم على أرض الواقع قرية شعبية باتت مقصدا لعدد كبير من الزوار.

يقول الحسين: «الولع بالماضي كان من أبرز المؤثرات في حياتي فمنذ الطفولة كان الماضي يشدني إلى أقاصيه وتجذبني الحضارة القديمة بكل ما فيها، وكانت لدي عزيمة أن أصنع ما يجسد التراث الأحسائي».

هذا البيت التراثي صنفته الهيئة العليا للسياحة والآثار بأحد مواقع الجذب السياحية في الأحساء. وباتت قرية الأحساء التراثية تمثل معلما من معالم ماضي الأحساء العريق وساعد وجودها في الهفوف، حيث مسقط رأس صاحبها ومؤسسها لتكون نافذة مطلة على قلب تاريخها العريق باحة ماضيها الضارب في عمق التاريخ.

وتقع القرية في مدينة الهفوف من الجهة الشرقية، حيث تتوسط المزارع والنخيل الشامخة. ورغم أن مساحتها لا تتجاوز 600 متر إلا أنها كافية لسرد حكايات طويلة من الماضي الجميل، حيث تتنوع معالمهما ولا تشعر أيا من زائريها بقصر مساحتها.

وبنى الحسين هذه القرية مستخدما الحجر الجيري والتبن والطين والذي يتميز بلونه الأخضر رجوعا إلى طبيعة أرض الأحساء، وجذوع النخيل والبواري والجندل والباسجيل مطرزا جنباتها بالنقشات الأحسائية الجميلة مصورا بذلك أجمل لوحة أحسائية، وبدأ في إنشائها منذ عام 1418هـ بدعم من هيئة السياحة والآثار.

وتضم القرية بين جنباتها أقساما عدة، ومنها المقهى الشعبي في بنائه ومحتواه الذي يذكر الزائر بواقع المقاهي القديمة. كما يضم البيت متحفا يجمع كثيرا من المقتنيات الأثرية والتحف القديمة لعصور مختلفة. وهناك المطبخ والمطعم الشعبي الذي يمكنه تجهيز المأكولات الشعبية من المندي والمجبوس والمفلق، بالإضافة إلى المشويات. ويضم المكان المساكن الريفية وهي عبارة عن نزل ريفية تضم بين جنباتها النخيل والماء وهي في طور الإنشاء حاليا.

وجذب المكان كثيرا من المهتمين وتم تصوير كثير من الأفلام القصيرة التي تتعلق بالعمق التراثي والتاريخي.

ويعتقد الحسين أن هذا المشروع يحقق كثيرا من أحلامه في حفظ التراث المحلي، وقد تلقى دعما من مسؤولي السياحة في المحافظة، ويؤكد أنه عازم على تطوير هذه القرية وتوسيعها لتتعزز مكانتها بين المشاريع السياحية التراثية ولتتسع لعدد أكبر من الزائرين في آن واحد معبرا عن فخره بالثقة التي ينالها من الزائرين والإشادة بما أنجره.