تونس: قصة «جرة».. تجمع العائلات في رمضان

عمرها أكثر من 50 سنة وصنعها حرفيون مهرة

جرة نابل.. موقع مميز وألوان زاهية
TT

مرت الآن أكثر من خمسين سنة بالتمام والكمال على «الجرة» العجيبة التي تتوسط مدينة نابل التونسية الواقعة على بعد 60 كيلومترا شمال شرقي تونس. فالجرة أصبحت بعد سنوات قليلة بمثابة العلامة الفارقة والمميزة للمدينة وهي عنوان المدينة ومحور تحركات الناس هناك فهي التي بفضلها يقع تحديد المواقع وكذلك المواعيد. هذه الجرة لها الآن نصف قرن من العمر وهي لا تزال في عنفوان شبابها ولا تزال تطرح نفس السؤال على المارة. فالكثير من الزائرين والسياح يتساءلون بحرارة ويريدون إجابة ملحة هل أن الجرة كانت سابقة للشجرة التي تحتويها أم أن فكرة الجرة كانت لاحقة وجاءت لتحيط الشجرة وتضفي عليها الكثير من الجمال الذي يبلغ السحر لمن يزور المدينة لأول مرة فتقع عيناه على الجرة؟

وخلال أيام رمضان غالبا ما تضرب المواعيد بالقرب من الجرة كما أن الكثير من العائلات تجتمع حولها خلال الليالي الصيفية الحارة وتقضي هناك الساعات الطوال. وتعرف مدينة نابل بصناعة الفخار لذلك ليس عجيبا أن تتوسط تلك الجرة أحد هم شوارع المدينة. وتتحلق تلك العائلات وتأتي بالماء والأكل والفواكه والمكسرات وتقضي الساعات بعيدا عن الحرارة وفي ظل الهواء البارد القادم إليها من البحر.

ويرجع تاريخ احتلال الجرة العجيبة لأحد الشوارع المهمة في مدينة نابل إلى أواخر سنة 1962 وكانت مرتبطة بفكرة طرحها أحد مهندسي الأشغال العامة بالمدينة في ذاك الوقت وطلب إن كان ممكنا إحداث شارع طويل يربط بين أحد أجزاء المدينة والبحر القريب من وسط نابل.

والصدفة وحدها هي التي كانت وراء هذه الجرة فقد نمت في الطريق المؤدي إلى البحر شجرة جميلة المنظر وأبى مهندس الأشغال اقتلاعها من طريقه وحاول إنقاذها ففكر في تمييزها عن بقية الأشجار بوضعها في جرة كبيرة من الفخار وهي إحدى ميزات مدينة نابل. ولعل هذه الرواية تجيب عن السؤال المحير من جاء أولا إلى المكان الشجرة أم الجرة؟ وتكفل الحرفيون المهرة بالمدينة وكطريقة للتعريف بصناعة الفخار في نابل بتنفيذ فكرة المشروع إلى أن أصبحت جرة نابل أشهر من المدينة نفسها، فإلى جانبها التقطت آلاف الصور البعض احتضنها والبعض الآخر ابتسم وآخرون تجمعوا حولها وهي لا تبالي بمن حولها. وإلى حد الآن لا تزال الجرة حامية لشجرتها في صمود كبير منذ نصف قرن.

وفي هذا السياق، قال نبيل المرزوقي أحد سكان مدينة نابل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يكاد يتصور مدينة نابل دون الجرة والشجرة المميزة للمدينة. وأضاف في كلام يجمع بين الجد والهزل قائلا إذا شاخت الجرة أو أصيبت الشجرة بالوهن فإننا سنطالب السلطات المحلية بتعويضها بنفس الشجرة وبجرة أخرى حتى لا تفقد المدينة إحدى ميزاتها الفنية والتاريخية.

وللاحتفال بعيد ميلادها الخمسين أعاد الخطاط التونسي نور الدين خليل تزويقها وإحياء ألوانها المميزة تماما مثل الألوان التي ولدت بها سنة 1962 وحافظ على نفس الرموز والأشكال. ولا تزال الجرة تحمل الألوان التي تشتهر بها منطقة نابل وهي البرتقالي وذلك مرتبط بإنتاج الولاية - المحافظة - لمعظم منتجات تونس من الحوامض (البرتقال بالخصوص)، واللون الأصفر كرمز للشواطئ الرملية السياحية التي تعرف بها المدينة بالإضافة إلى اللون الأزرق الذي يرمز لزرقة البحر وهي مدينة تقع على البحر.