رمضان في اليونان.. موائد جماعية في المصليات والمنازل

تراجع الاحتفالات بسبب الأزمة المالية وعودة الكثير من المهاجرين المسلمين إلى بلادهم

تفتقر اليونان وخاصة العاصمة أثينا إلى مساجد رسمية
TT

الأزمة المالية التي تعاني منها اليونان، أثرت بطريقة مباشرة على الاحتفال بشهر رمضان الكريم وإحيائه كالعادة، نظرا لتراجع أعداد المسلمين والعرب الذين كانوا يقيمون في اليونان وعودة الكثير منهم إلى وطنهم الأم أو السفر إلى دول أخرى بحثا عن حياة أفضل.

ويلاحظ المهاجر المسلم الذي يعيش في اليونان، خاصة العاصمة أثينا، أن الاحتفال بشهر رمضان في اليونان يختلف عن سائر الدول الأخرى، وخصوصا الأوروبية، حيث تفتقر اليونان، وخصوصا العاصمة أثينا إلى مساجد رسمية، ولذا كل شيء يدور في سرية أو في قلق وخفية وعدم إزعاج سكان المناطق التي توجد فيها الزوايا والمصليات، التي هي أقرب إلى الكراجات أو أماكن تحت الأرض غير آهلة لإقامة مشاعر الدين.

وتزايد هذا الخوف والقلق مع صعود اليمين المتطرف وتمثيله في البرلمان اليوناني تحت اسم حزب الفجر الذهبي والذي بدأ منذ عام تقريبا يطلق تهديدات تجاه المسلمين، والتظاهر أمام المصليات في بعض المناطق. وأنصار هذا الحزب يتوعدون ويهددون المصلين والمسلمين عموما، بعد أن كانوا يعتدون ويهاجمون الأجانب عموما، وخصوصا هؤلاء ذوي البشرة الداكنة، وقيامهم مؤخرا بالتظاهر والاحتجاج على قرار الحكومة بإنشاء مسجد، الشيء الذي تسبب فيما يبدو في تجميد القرار بصورة مبدئية.

ولكن على الصعيد الرسمي، ففي الفترة الأخيرة وقبل عامين تقريبا بات الأمر أفضل بعض الشيء، حيث يجد المسلمون المقيمون في اليونان خلال السنوات الأخيرة متنفسا في إقامة شعائر واحتفالات الشهر الكريم على مرأى ومسمع من المسؤولين اليونانيين دون مضايقات من الشرطة، ولكن لا يستطيع المؤذن مثلا الجهر بالصوت، أو يقوم الخطيب بتعلية صوته ويسمعه المارة.

كما ينبغي على المصلين دخول المصلى بهدوء، والتفرق بسرعة فور الخروج منه، وعدم عمل تجمعات أمام المصلى حتى لا يزعج السكان، الذين سوف يستغيثون بالشرطة على الفور، بالإشارة إلى أن شعب اليونان يدينون بالمسيحية ولا يعرفون شيئا عن الإسلام سوى ما يسمع من وسائل الإعلام، أو ما عانوا منه أيام الاحتلال التركي لليونان.

وأخيرا أقامت رابطة المسلمين في اليونان مأدبة إفطار في أحد أرقي فنادق أثينا، شارك فيها عدد كبير من كبار الشخصيات اليونانية والمسؤولين، كما شارك فيها عدد من السفراء العرب والمسلمين والأجانب، بجانب ممثلين عن الكنيسة اليونانية.

أيضا أقام المركز الثقافي المصري باليونان مائدة إفطار رمضانية، إحياء للشهر الكريم وتجسيدا لروح الوحدة الوطنية في الخارج، شارك فيها شخصيات من مختلف الأطياف والمجالات ورموز من أبناء الجالية المصرية.

ويأتي الإفطار الرمضاني ليكون فرصة لزيادة التعارف والتقارب بين أبناء الجالية المسلمة والأجانب المدعوين وأيضا للتعرف على العادات والتقاليد العربية خلال الشهر الفضيل. ويحاول أبناء الجالية بقدر ما لديهم من إمكانيات إحياء شهر الصيام بالتجمع حول موائد إفطار جماعية أو الإعداد للقاءات رمضانية بمشاركة مبعوثين من الأزهر الشريف.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال الدكتور هشام درويش، مدير المركز الثقافي المصري باليونان، إن الإفطار السنوي الذي يقيمه المركز هو فرصة لزيادة التعارف والتقارب بين أبناء الجالية المسلمة والأجانب المدعوين، وأيضا للتعرف على عادات وتقاليد المسلمين.

وقال الشيخ محمد محمود محمد إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» وهو مبعوث من وزارة الأوقاف المصرية خلال الإفطار الرمضاني في المركز الثقافي المصري باليونان: «هذا الإفطار يعد دعوة للإخوة الإنسانية على اختلاف في التدين، وعلى اختلاف في الأشكال والألوان، وهو يعد وسيلة للتعارف والتحاب بين الشعوب، وهذا اللقاء يعتبر امتدادا في الفكر والثقافة بيننا وبين الشعب اليوناني».

ويختلف شهر رمضان في السنوات الأخيرة في اليونان عن قبله من الأعوام، فيتم السماح حاليا لرابطة المسلمين في اليونان الصعود إلى جبل بيندلي، والتمكن من دخول مركز الأرصاد هناك لرؤية هلال رمضان، وذلك خلافا لما كان معتادا قبل ذلك، وهو اتباع دار الإفتاء في شمال البلاد التابعة لدار الإفتاء في تركيا، أو اتباع ما يتم الإعلان عنه من دور الإفتاء في الدول العربية والإسلامية، وهو ما كان يتسبب في اختلافات وانشقاقات.

من جهة أخرى، تتزاحم المحال التجارية التي تبيع مستلزمات رمضان في وسط العاصمة أثينا، من قبل الأسر المسلمة، وأيضا من قبل القائمين على الإعداد لموائد الإفطار التي عادة ما تكون في الزوايا والمصليات المتناثرة في أحياء العاصمة اليونانية أثينا، ولكن لوحظ خلال شهر رمضان الحالي، تناقص أعداد رواد هذه المصليات والزوايا إلى النصف تقريبا، كما تراجعت نسبة الإفطار الجماعي بين الأسر والعائلات نظرا للأزمة المالية وأيضا لمغادرة الكثير من العائلات المسلمة لليونان.

وما تبقى من أسر وعائلات مسلمة، يحاولون الإفطار الجماعي مع أسر أخرى صديقة، بحيث يجلس الكبار والصغار معا على مائدة واحدة، في حين يتمتع الأطفال بروحانية الشهر الكريم عندما يلتقون أطفالا مثلهم على مائدة الإفطار. وعلى الرغم من الأزمة المالية، فإن هناك مبعوثين من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف جاءوا إلى اليونان خلال شهر رمضان لمشاركة المسلمين في إحياء هذا الشهر الفضيل، ويلقون محاضرات دينية في أماكن التجمعات الإسلامية.