كان يجذبني صوت «المسحراتي» وعباراته الروحانية

هدى شعراوي

TT

بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، أهنئ قرّاء الجريدة، وهذا الشهر الفضيل هو شهر القرآن الكريم وشهر الإيمان والتسامح والبركة، ولذلك أقضي أيام الشهر، حيث لي تقاليدي الشخصية التي لا أتخلى عنها منذ شبابي في الشهر الفضيل؛ فبعد آذان المغرب وبدء الإفطار أشرب عصير العرقسوس والتمر هندي البارد.. كلما شربته أتذكر عبارة البائع وهو ينادي عليه في سوق الحميدية بشكل غنائي: «يا سمرة يا تمر هندي يا أطيب مشروب عندي»، وأتناول بعض التمرات، ومن ثم وجبة الإفطار وأشرب كوب قهوة بعد الإفطار، ومن ثم أصلي، وبعد الصلاة أجلس مع أحفادي من ابنتي وهم أربعة؛ أحمد وعلي وزهرة ونور، حيث يزورونني في منزلي، وتكون أسعد اللحظات عندما يجلسون معي في شهر رمضان، وسعادتي بهم هذا العام كانت أكبر مع نجاح حفيدي الأكبر، أحمد حريري، في شهادة البكالوريا، ومن خلال جريدتكم أقدم له التهنئة أيضا بنجاحه وتفوقه, وبعد انتهاء جلستي مع أحفادي وذهابهم مع والدتهم لمنزلهم أتفرغ لقراءة القرآن الكريم ومن ثم لصلاة التراويح.

ذكريات الطفولة في رمضان لا تبتعد عن مخيلتي؛ يأتي شهر الخير وأستذكرها.. ولدت في حي الشاغور الدمشقي العريق وما زلت أحنّ لطفولتي هناك وذكرياتي مع عادات رمضان في الحي.. كان يجذبني بشكل خاص صوت طبلة المسحراتي وعباراته الروحانية.. نعم، كنت صغيرة، ولكنني عندما يأتي المسحراتي لحارتنا كنت أخرج من باب المنزل لأسمع عباراته الرائعة التي كان يرددها وهو يقرع على طبلته، ومنها: يا صايم وحّد الدايم, وعلى سحورك إجا النبي يزورك, وحّدوه, وغيرها, وكانت والدتي تلحق بي خلف الباب الخارجي لتدخلني للمنزل لتناول السحور, وما زلت أتذكر عادة رمضانية جميلة في حارتنا، وهي «السكبة»، حيث كانت والدتي تسكب في صحن من الأكلة الرمضانية التي أعدتها بشكل يومي لنا، وترسل سكبات منها للجيران معي ومع إخوتي، وفي المقابل كان الجيران يفعلون الشيء نفسه، فكنت ترى مائدة الإفطار تضم أكثر من 20 صنفا من الطعام على الرغم من أن والدتي لم تطبخ سوى صنف واحد، وهذا هو أيضا منظر مائدة إفطار جيراننا. إنها عادة جميلة افتقدتها بعد أن انتقلت لمنزلي الجديد، وهي أساسا اختفت من كل حارات دمشق مع تطور العصر وظهور الخيام الرمضانية والوجبات الجاهزة وغير ذلك, ولكنني ما زلت أحب في رمضان تناول وجبات على الإفطار والسحور لا يمكنني التخلي عنها، وهي أكلات دمشقية شعبية، ومنها بشكل خاص التسقية بالزيت، وأحب تناول الفتوش بشكل يومي في شهر رمضان.

في الأيام الحالية، أقضي أوقاتا مختلفة في المساء، فأنا عاشقة للقطط وفي منزلي تسع قطط أربيها وأعطف عليها وأقدم لها الطعام والعناية. وأحب أن أكون بين الناس أتشوق دوما لأحاديثهم، يطيب لنا الحديث في شهر رمضان والتحدث في الماضي والحاضر، ونشاهد الأعمال الدرامية معا، وما زال الناس إذا شاهدوني في الأماكن العامة ينادوني باسم «أم زكي»، وهو الاسم الذي ارتبط بي وبهم حين جسدت دور الداية البلدية في المسلسل الشامي «باب الحارة»، طيلة السنوات الماضية الأخيرة.

* ممثلة سورية