موائد الرحمن في مصر تتجمل تحت عباءة الظروف

ميادين الاعتصام حولتها إلى منتدى سياسي

ساهم الوضع السياسي المضطرب في البلاد في اختصار موائد الرحمن، حيث تحولت ميادين الاعتصامات والاحتجاجات السياسية في القاهرة ومعظم المحافظات إلى طاولات للإفطار الجماعي
TT

تجملت موائد الرحمن في العاصمة المصرية القاهرة والأقاليم تحت عباءة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وبات لافتا تقلص أعدادها وأيضا تقلص صنوف الأكل والشراب التي كانت تقدم ببذخ على طاولاتها في الأعوام السابقة. فقد كانت تصنف الكثير من هذه الموائد خاصة التي يقيمها رجال الأعمال ومشاهير الفنانين على أنها موائد خمس نجوم، فالطعام الذي يقدم بها فاخر، وكذلك من يقومون بالخدمة فيها، إضافة إلى مساحاتها الرحبة المتسعة، وجوها الرمضاني العامر بالسماحة والإيمان.

وحاليا على استحياء قلما تجد «مائدة رحمن» تصادفك على ناصية شارع أو ميدان، أو بجوار مجموعة من البنايات. وهي الأماكن التي كانت عامرة بهذه الموائد، حيث كان الكثير من المصريين يعتبرونها مباراة في فعل الخير، لإطعام الفقراء والمساكين وذوي الحاجة وعابري السبيل خلال شهر رمضان تكثر موائد الرحمن في شوارع القاهرة ويتبارى بالمساهمة فيها الكثير من المصريين بهدف الحصول على ثواب إفطار الصائمين.

وساهم الوضع السياسي المضطرب في البلاد إلى اختصار موائد الرحمن، حيث تحولت ميادين الاعتصامات والاحتجاجات السياسية في القاهرة ومعظم المحافظات إلى طاولات للإفطار الجماعي، أو «موائد رحمن جماعية»، يتلاقى حولها فرقاء السياسة من كل الأطياف والفصائل بالمجتمع بما يشبه المنتدى السياسي.. ويعد محيط مسجد «رابعة العدوية» بضاحية مدينة نصر و«ميدان النهضة» أمام جامعة القاهرة بالجيزة، من أبرز مائدتي رحمن لإفطار أنصار جماعة الإخوان المسلمين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي، في مقابل ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية الرئاسي بالنسبة للثوار والقوى المدنية المعارضة لجماعة الإخوان. الأمر نفسه يتكرر في ميداني سيدي جابر، ومسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، حيث أصبح الأول مكان إفطار المعارضة والثاني للموالين لـ«الإخوان».

وتلجأ الكثير من الأسر الفقيرة إلى موائد الرحمن، للحصول على وجبات جاهزة يستكملون بها إفطارهم في البيوت. ولوحظ في موائد هذا العام اعتمادها بشكل أساسي على الرجال والصبية الصغار سواء في عملية الإشراف أو توزيع الطعام. بينما قل تواجد المرأة في معظم الموائد.

الشيخ «عرفة»، عامل بمسجد الكواكبي بحي المهندسين بالجيزة يفسر ذلك بقوله: «في الأعوام السابقة، كنا نطبخ ونعد موائد الرحمن في المسجد، بما فيها المشروبات الشعبية كالتمر هندي والعرقسوس والسوبيا والعناب، وكانت الحلوى فقط تأتينا جاهزة من المحال، ولهذا كان تواجد المرأة مطلوبا وبكثافة».

يتابع الحاج عرفة، وهو ينظر لساعته لمعرفة ما تبقى على موعد الإفطار: «هذا العام ضاقت موائد الرحمن بالمسجد، وأصبحنا نعتمد على الوجبات الجاهزة التي يتبرع بها الأغنياء وأهل الخير كصدقة في الشهر الكريم. كما أن هناك بعض الأسر وربات البيوت تقوم بإعداد هذه الوجبات بنفسها، كما تحرص الأسر على أن تتضمن هذه الوجبات ما لذ وطاب من الطعام، ثم تقوم بإرسالها إلى المساجد القريبة وموائد الرحمن الموجودة بالمنطقة التي تسكن فيها».

سها رضوان، موظفة بأحد البنوك، واحدة من الحريصات على المشاركة في موائد الرحمن سنويا وإعدادها بنفسها في البيت.. تقول: «منذ نحو 6 سنوات وأنا أحرص على هذه العادة السنوية، وقد ورثتها عن والدتي رحمة الله عليها. وأذكر وأنا صغيرة أن والدي كان يساعدها ويشجعها على ذلك.. وكنت أنا وأخواتي الصغار نساعدها، ونحن سعداء بأن هذه الوجبات البسيطة ستطعم رجلا فقيرا أو امرأة أو حتى عابر سبيل».

تفعل سها ذلك برضا وبمشاعر رمضانية فياضة تصل أحيانا إلى حد الشعور بـ«روحانية دافئة»، على حد قولها، وتؤكد أنها تغتنم يومي إجازتها الأسبوعية، حتى يكون لديها متسع من الوقت لإعداد الطعام بشكل متنوع وشهي.

تضيف سها: أنا وأختي الكبرى وأخي الأوسط، كل أسرنا الثلاث نتناوب تقديم وجبات الإفطار لموائد الرحمن على مدار أيام الأسبوع. أنا يومان وأختي كذلك وأخي ثلاثة أيام. وكلنا نتعاون في هذا، حتى الأولاد الكبار والصغار. ونأكل من الطعام نفسه الذي نرسله لموائد الرحمن، ونحرص على إعداد كل الأطعمة، وكذلك الحلوى كالكنافة والقطايف والبسبوسة والمشروبات الرمضانية، لأنها من معالم ومفردات الشهر الكريم، وهي محببة من الجميع.

ويقول الحاج سعيد، وهو مسؤول عن «مائدة رحمن صغيرة» بحي ميت عقبة الشعبي بالجيزة: إنها تسع لنحو 20 شخصا، لكن أحيانا تستضيف المائدة أكثر من ذلك بحسب الظروف، والخير فيها كتير، كل أهالي الحي بيساهموا، إما بوجبات جاهزة أو مصنوعة في البيت، أو بأموال، ويرفع يديه للسماء وهو يتمتم «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت».

ويبتسم الحاج سعيد وهو يقول: «أنا أحرص كل يوم على صنع طبق سلاطة خضراء بلدي طازج، أصنعه بنفسي في إناء كبير ثم أوزعه في أطباق صغيرة على المائدة.. بساعد بعض الشباب.. وأشعر بالسعادة حين يهتف أحد الضيوف: السلطة تمام يا حاج سعيد.. تسلم إيدك».