دلفي.. مقصد أثري فريد يجمع بين التاريخ والأصالة

تعتبر المدينة مهد الشعر والموسيقى

TT

تعد مدينة دلفي اليونانية من أهم المنتجعات الأثرية والمراكز الثقافية في أوروبا، فهي مدينه الآلهة والتاريخ في الحضارة اليونانية القديمة، وتقام فيها الندوات واللقاءات التي تناقش قضايا الآثار والفنون والحضارة. وتقع مدينة دلفي على ارتفاع 750 مترا فوق سطح المياه الصافية لخليج كورنثياس على بعد مسافة تزيد على 250 كيلومترا شمال غربي العاصمة أثينا.

أعتقد اليونانيون القدماء أن دلفي هي مركز سطح الأرض، وفي هذه المدينة المقدسة أقيم معبد أبولو في القرن الثامن قبل الميلاد، ثم سقطت في يد الرومان وتلاشت أهميتها ودورها الديني مع انتشار المسيحية، حتى تم إغلاق معابدها القديمة بشكل دائم، ثم أعيد افتتاحها بمرسوم من الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير.

وتقع في هذه المدينة العريقة قمة أبولو وسط جبال دلفي وأعلاها، وأبولو هو الإله القديم لدى اليونانيين، وتعتبر هذه المنطقة واحدة من أجمل مناطق العالم، وبدأ اكتشافها بعد التنقيب من فريق فرنسي في المنطقة عام 1882. يتخللها وادي دلفي وهو من أجمل الأودية في أوروبا، فيه ملايين الأشجار الخضراء طوال العام وتتناثر فوق الجبال، بطريقة منظمة، ويتصاعد اللون الأخضر ويصنع لوحة بديعة من الجمال.

أما طرازها المعماري فهو من النوع اليوناني النادر الفريد، فتشاهد المنازل تبدو على قمم الجبال وكأنها في موكب مقدس من مواكب الآلهة، وتقول الأساطير القديمة إن مدينه دلفي أنشأها الإله أبولو ليتعبد فيها الناس، وإنه أمر الكهنة بأن يقيموا الشعائر في دلفي ليمنحوا الناس سلام النفس وطمأنينة القلب، ووفقا للأساطير أيضا فإن زيوس أطلق نسرين اثنين من الشرق والغرب وعندما التقيا رمى زيوس بحجر مقدس ليحدد نقطة المنتصف في الأرض فكانت دلفي.

كما تشهد دلفي باستمرار ندوات كثيرة من ليالي الفن الجميل، بين الشعر والموسيقى بالإضافة إلى سهرات موسيقية غنائية.. ولقاءات حول مستقبل الفنون، وأمام معبد الإله أبولو يتلاقى جبلان عملاقان يقسمهما واد يطلق عليه اسم «وادي الأماني»، حيث كانت تقدم القرابين وتقام الشعائر الدينية، ومسرح كبير كانت تقام فيه احتفالات دلفي ويتسع لنحو خمسة آلاف شخص وبالقرب منه الملعب الذي انطلقت منه أول ألعاب أولمبية سجلها التاريخ.

وتتميز منطقة دلفي بطرقها الرملية والحجرية الممتدة وشمسها الساطعة وطبيعتها الساحرة، فالسير على الأقدام هناك رياضة ممتعة، وهي غنية جدا بالمواقع الأثرية والأنصاب التاريخية التي تظهر معالم التاريخ اليوناني القديم، كما تتميز بورود جميلة ومناظر طبيعية فريدة، تثير إعجاب الزوار، كما أنها فريدة بمناخها المشمس أكثر من أي مكان آخر في أوروبا، بالإضافة إلى أن أهلها شعب مضياف وصديق.

ويستطيع الزائر الوصول إلى دلفي بسهولة، فإما عن طريق الجو عبر مطار الفثيريوس فينزيلوس الدولي جنوب شرقي أثينا ومن ثم إلى هناك بالحافلات والسيارات، أو عن طريق البحر عبر ميناء كورنثياس، أما التنقل داخل دلفي ومحيطها، فيستطيع الشخص الحصول على مواصلات سهلة وسريعة للتنقل هناك، فبجانب الحافلات الداخلية، هناك سيارات الأجرة المنتشرة التاكسي، بالإضافة إلى سهولة الحصول على سيارات بالإيجار وبأسعار معقولة.

ومن الأماكن المعروفة في دلفي أراخوفا، وهي بلدة صغيرة تقع على جانب الجبل بالقرب مناطق أثار دلفي، منازلها جذابة على المنحدرات الشمالية لجبل بارناسوس، يعيش فيها 3300 مواطن، تبعد 157 كيلومترا من أثينا، و8 كيلومترات من دلفي وقريبة من عدة شواطئ جميلة.

وأيضا بلدة غالاكسيدي والتي تقع في الجزء الغربي لخليج كريساين، ويقطنها 1400 مواطن فقط، وهي مدينة ملاحية تحمل تراث منذ 4000 سنة، وكانت حصنا للمدافعين أثناء حرب تحرير اليونان عام 1821. وعبر التاريخ نذكر حاول الكثير من المحتلين استعمارها أمثال فرانكس، كاتلانس، فرسان رودوس والقراصنة الأتراك، ولكن المدينة قاومت وحاليا هي إحدى المصايف اليونانية الأكثر جذبا للسياح، وعرفت في القرن التاسع عشر بازدهارها في مجال الشحن، حيث كانت تبحر إليها الكثير من السفن وكانت قوة ملاحية كبرى، واليوم فهي مثال للعطلة سواء في الصيف أو الشتاء وتتمتع بهندسة معمارية تقليدية محفوظة ووسائل كثيرة لراحة الزوار.

بالإضافة إلى منطقة كورنثياس، وهي قريبة جدا من دلفي وهناك يستطيع الزائر مشاهدة كنائس ومعابد قديمة من نوع فريد، مقابر أثرية ترجع للعصر الكلاسيكي، ويستطيع زيارة المتحف الملاحي، متحف فن الفلكلور، كنيسة القديسة باراسكفي بساعتها الشمسية، الدير البيزنطي، منازل باحثين تاريخيين معروفين، كما تحتوي المنطقة على خزان كبير للحجارة يعود للقرن الخامس عشر، ويوجد بها شواطئ سياحية رائعة تم تجديدها حديثا.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قالت مارية مارياتو وهي من سكان هذه المدينة الأثرية إن مدينة دلفي والقرى المحيطة بها يأتي إليها الزوار من جميع أنحاء العالم وليس في فصول أو أوقات محددة بل على مدار العام، وبالإضافة إلى الآثار المتميزة فيها فهي تشتهر بسلسلة محلات للملابس الجاهزة، والسجاد التقليدي والأحذية الجلدية المتميزة ويستطيع الزائر الحصول على مستوى عال من الخدمة، وأسعار رخيصة ومعقولة مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى من نفس المستوى.

وأضافت مارياتو أن الزائر يمكنه اختيار طريقة إقامته في مدينة دلفي بسهولة، فهناك فنادق متنوعة، فيوجد الفخمة منها ذات الخمس نجوم والمتوسطة والعادية، ولمن لا يفضل السكن في الفنادق فهناك يوجد الكثير من الفيللات والشقق والاستوديوهات، بالإضافة إلى الشقق المفروشة والحجرات الفردية في المنازل العادية والتي يستطيع الزائر أن يحصل عليها بسهولة فور وصوله إلى دلفي، أو عبر السماسرة المنتشرين بالقرب من المناطق الأثرية.

ودلفي تعرف أيضا باسم ديلوفي وتتبع مقاطعة وسط اليونان، ويبلغ عدد سكانها 3511 نسمة وفقا لآخر تعداد، ومساحتها 315 كيلومترا مربعا، ومتوسط درجة الحرارة هناك 27 درجة مئوية واتجاه الرياح فيها شمالية شرقية بسرعة صفر كم في الساعة، فيما تصل فيها نسبة الرطوبة إلى 39%.