رمضان يتألق في الثقافة الشعبية و«لسان العرب»

دلالات لغوية وثقافية احتفظت له بطابع خاص عن بقية الأشهر

فوانيس رمضان
TT

مثلما تتعدد أوجهه الإيمانية، أيضا تتعدد أوجهه الثقافية؛ فلا ينفرد شهر رمضان الكريم بكونه شهر الصيام فحسب، وإنما أصبح له مجموعة من السمات والمقومات الفنية والثقافية ذات الدلالات اللغوية والشعبية التي تميزه في تراثنا العربي.

فعلى المستوى اللغوي، يزخر رمضان في «لسان العرب» بمجموعة من العناصر الفلكلورية الثرية، سواء من حيث التعبيرات التي تحمل طابعا شعبيا، أو الألفاظ التي تتصل بالحياة المادية الشعبية وطقس الصيام والهلال، أو بعض الإشارات إلى الحِرَف التي تتسم بطابع شعبي، وكذلك بعض وصفات الطب الشعبي لبعض الحالات المرضية التي تجد مشقة في الصيام.

يقول الزميل الباحث هشام عبد العزيز رئيس أطلس المأثورات الشعبية في مصر: «أول ما يفاجئك عند تصفح مادة (رمض) في (لسان العرب) الاسم القديم لرمضان، الذي يبدو أنه من بقايا اللغة العربية القديمة، حيث وجد العرب قبيل الإسلام حاجة إلى تغييره لا ندرى سببها. والاسم القديم هو (ناتق)، وليس من معنى محدد عندنا لهذا الاسم، إلا أن (اللسان) يحدثنا عن مادة (نتق)، فيقول: (وأنتق: عمل مظلة من الشمس)، إلا أن ابن سيده، ومن خلال (لسان العرب)، يخبرنا أن (ناتق) ليس اسم رمضان، بل هو اسم من أسماء رمضان، وهو ما يدعم أن رمضان كان أحد الأسماء أو الصفات التي تحمل طابعا مناخيا، واستقرت الصفة مكان الاسم، واستُعملت مكانه».

وعن ملامح رمضان الفلكلورية المتعلقة بفكرة الزمن، يلفت هشام إلى ما اصطلح على تسميته في «لسان العرب» باسم «الفلتة»، وهي آخر ليلة من الشهر عامة.. وخُصت بآخر ليلة من شهر جمادى الآخرة قبل دخول شهر رجب المحرم. ومن المعروف أن شهر رجب من الأشهر الحرم التي يمتنع فيها العرب عن القتال، ولا يستطيع الموتور (صاحب الثأر) أن يأخذ ثأره إذا دخل شهر من الأشهر الحرم الأربعة.. من هنا جاءت «الفلتة»، وهي الليلة الأخيرة التي يسعى فيها الموتور إلى الإسراع بأخذ ثأره قبل دخول شهر رجب المحرم.. وعادة ما كانت تحدث في هذه الليلة غارات كثيرة بين القبائل في الجزيرة العربية، أما من يستطيع النجاة بنفسه من الثأر في تلك الليلة، فقد أفلت، ويبدو أن هذا هو السبب في تسمية هذه الليلة بـ«الفلتة».

وفيما يختص بالأطعمة، ذكر صاحب «لسان العرب» أطعمة أخرى ارتبطت برمضان من حيث الدلالة اللغوية، وإن لم ترتبط به دينيا، ومن ذلك ما ذكره اللسان في مادة «رمض»، حينما يتحدث عن تعبير «أرمضت الشاة»، ومعناها: «أن تسلخها إذا ذبحتها، وتبقر بطنها، وتخرج حشوتها، ثم تطرحها على النار المحرقة، حتى إذا أنضجت لحمها يقشر عنها جلدها الذي يسلخ عنها وقد استوى لحمها». ويخبرنا «اللسان» أن المكان الذي تُطهى فيه الشاة بهذه الطريقة اسمه «مرمض»، واللحم الذي يطهى بهذه الطريقة اسمه «مرموض».

ويوضح مدير أطلس المأثورات الشعبية أنه توجد غير الأطعمة ووصفاتها عناصر كثيرة فلكلورية من الحياة المادية الشعبية، نجدها متناثرة في «لسان العرب» عامة، وداخل المواد اللغوية الخاصة بعناصر رمضان على وجه الخصوص، من ذلك ما يذكره «لسان العرب» عما سماه ابن الأعرابي «الحوط»، وهو «خيط مفتول من لونين أحمر وأسود يقال له البريم، تشده المرأة على وسطها لئلا تصيبها العين»، أي أن «الحوط» أو «البريم» كان يُستخدم بما يقوم مقام الحجاب في المجتمعات العربية الآن، ويبدو أن ثمة علاقة قوية بين «الحوط» في «لسان العرب» و«التحويطة» التي توضع الآن في بعض المجتمعات الشعبية للوقاية من الحسد، وفي بعض هذه المجتمعات يسمى الحجاب تحويطة أيضا.

وبالنسبة للهلال كرمز وشكل مادي، يقول هشام إنه من العناصر المتعلقة بالحياة المادية الشعبية العربية التي وردت في «لسان العرب» في مواد لغوية تتصل برمضان، ويُشار إلى حديدة الرحل باسم «الهلال»، وتُصنع من حديد أو خشب، وتجمع على «أهِلّة». وتطلق تسمية الهلال على مسميات كثيرة جدا في المجتمع العربي القديم، كما يخبرنا «لسان العرب»، وهذا دليل واضح على اهتمام العربي في الصحراء المظلمة بضوء القمر وحركة النجوم، ومن هذه الأشياء التي تسمى بـ«الهلال» الحديدة التي يعرقب بها الصيد والرحى أو نصف الرحى أو طرف الرحى إذا انكسر.. ومن مرادفات «الهلال» في «لسان العرب» كذلك: «الحية، أو هو الذكر من الحيات، أو هو الحية إذا سُلِخت»، و«الهلال» أيضا يُطلق على الحجارة المرصوف بعضها إلى بعض.

وعلى الرغم من تعدد معاني «الهلال»، فإن أهم المعاني التي تمت بصلة للحياة المادية الشعبية فيما يخص معنى كلمة «هلال».. «طقس استطلاع رؤية هلال رمضان».