نصف الأميركيات في الأربعينات لا يردن أطفالا لتكاليف الوضع والتربية

الأزمة الاقتصادية وجين وراثي يجعلان الأمهات أكثر «غلظة»

TT

في استطلاع نشر مؤخرا، قالت نصف الأميركيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 40 و48 سنة، ولم يلدن، إنهن فعلن ذلك طواعية. وقال ثلث الأميركيين، رجالا ونساء، إن الأطفال «يزيدون المكانة الاجتماعية»، ولم تقل أي أغلبية، وسط النساء، أو وسط الرجال، إن الأطفال ركن أساسي في العائلة وفي المجتمع.

في الوقت نفسه، وربما لهذا، وصلت نسبة الولادة وسط الأميركيات إلى أقل درجة منذ بداية تسجيل هذه المعلومات قبل مائة سنة تقريبا.

لكن، رغم ذلك، وربما بسبب ذلك، فإن تكاليف الحمل، والوضع، والتربية، ترتفع. وعن هذا، قالت مجلة «تايم» الأميركية، في تقرير طويل: «رغم أن الثقافة الأميركية تربط الزوجة بالأطفال، ورغم استمرار انخفاض نسبة الولادة، فإن كل النقاش عن العلاقة بين الأنوثة والأمومة صار يتلخص في كلمة واحدة: (التربية)، أي تكاليف تربية الأطفال، ماليا، وجسمانيا، وعقليا».

وقالت شيريل ساندبيرغ، مديرة شركة عملاقة في الإنترنت، ومؤلفة كتاب «لين إن الميل نحو الداخل، أي نحو الأسرة، وسط النساء العاملات خارج منازلهن» إن «الأم المثالية» تقدر على أن تجمع بين العمل خارج البيت والعمل داخله. وقدمت ساندبيرغ نفسها مثالا لذلك. لكن، انتقدها كثير من النساء (والرجال). وقالوا إنها ما كانت تقدر على أن تكون هذه «الأم المثالية» لولا راتب عشرة ملايين دولار الذي تتقاضاه كل سنة.

وهكذا، انقسم الأميركيون بين «الإنجاب الاقتصادي» (الذي يركز على التكاليف) و«الإنجاب الإنساني» (الذي يركز على الطبيعية، والعاطفة، والعائلة).

وقالت أوبرا وينفري، مقدمة برامج تلفزيونية، وأغنى امرأة سوداء، وأشهر امرأة لم تنجب: «هذا هو الذي يجب أن يكون». وعندما انتقدها عدد كبير من الناس، تراجعت، وقالت: «البنات اللائي أقدم لهن مساعدات مالية هن بناتي». وقالت كوندوليزا رايس، أول وزيرة خارجية سوداء: «أنا متدينة، وأؤمن أن كل شي يسير حسب ترتيب ليست لي يد فيه». وقالت دولي بارتون، المغنية الجنوبية البيضاء: «أغانيّ هن بناتي. سيساعدنني عندما يكبر سني».

ورغم ميول الأميركيات، كما أوضح الاستطلاع السابق، نحو عدم الإنجاب (أو إنجاب واحد أو واحدة)، لم يستسلم المؤيدون للإنجاب (والإنجاب الكثير). مثل كتاب «وات اكسبيكت هوين نوت اكسبيكت» (ماذا تتوقعين إذا لم تحملي). ويتلخص الكتاب في اتهامين رئيسين ضد الأميركيات اللائي لا يردن أطفالا:

أولا: «أنانيات»: لأنهن يضعن مصالحهن فوق مصالح عائلاتهن.

ثانيا: «مدمرات»: لأنهن يؤذين الاقتصاد الأميركي الذي يعتمد على الاستهلاك. واستهلاك حاجيات الأمومة جزء مهم في دفع عجلة الإنتاج الاقتصادي في أميركا.

ويلاحظ أن الكتاب، نفسه، عالج الموضوع من زاوية اقتصادية، لا زاوية إنسانية، أو طبيعية، أو عائلية.. وربما هذا ليس غريبا، لأن مؤلف الكتاب، جوناثان لاست، من محرري مجلة «ويكلي ستاندارد»، المحافظة التي ترفع عاليا علم الرأسمالية دون حدود.

غير أن أستاذة جامعية ليبرالية كتبت في صحيفة «نيويورك تايمز»، الليبرالية أيضا، أن المشكلة هي انقياد الأميركيات للرأسمالية، ونظرتهن إلى كل موضوع نظرة اقتصادية بحتة. وكتبت، تحت عنوان: «من فضلكن.. مزيدا من الأطفال»: «يدل الانسحاب من ولادة وتربية الأطفال على أن الحياة الحديثة صارت عبئا.. وعلى التفكك والتفسخ، وعلى التركيز على الحاضر على حساب المستقبل».

في الماضي، كان الإنجاب عادة، ومسؤولية؛ عائلية واجتماعية.. لكن، مع انتصار الفردية والحرية دون حدود، صار الإنجاب قرارا شخصيا تتخذه كل امرأة بمفردها تقريبا.

ولأن هذا القرار الفردي، في هذا المجتمع الرأسمالي، يتأثر بالمال، صار ضرورة إقناع الأميركيات بإمكانية الجمع بين العمل والإنجاب.. بين المال والعائلة.. بين الفردية والإنسانية. وهذا ما يتحدث عنه كتاب «إلى الداخل: تقدرين على أن تنجبي دون أن تفقدي فرديتك»، وكما هو واضح من اسم الكتاب، الهدف هو إقناع الأميركيات بأن الإنجاب لن يجعلهن يفقدن «السعادة الفردية».

والغريب، كما قال الكتاب، أن نفور الأميركيات من الإنجاب يأتي في وقت تطور المجتمعات الحديثة تطورات خيالية في هذا المجال.. خاصة بسبب ظاهرتين جديدتين:

أولا: زيادة تكنولوجيا الإنجاب (مثل: أطفال الأنابيب، تجميد الأجنة، التلقيح خارج الرحم).

ثانيا: زيادة الأمهات (أمهات متطوعات، أمهات مؤجرات، أمهات غير متزوجات، وأمهات لا يردن أطفالهن).

رغم ذلك، فإن الإنجاب يستمر في الانخفاض. هذا بالإضافة إلى عامل طبيعي دائم، وهو أن الرجل يقدر على أن ينجب حتى يصل عمره إلى سبعين أو ثمانين سنة (لسبعين سنة تقريبا)، بينما تقدر المرأة على أن تنجب فقط بين 15 و45 عاما (لثلاثين سنة فقط).

وهكذا، يستمر الانخفاض في نسبة الإنجاب وسط الأميركيات. أضف إلى ذلك، ظاهرة جديدة أخرى، وهي المثلية، بنوعيها:

مثلية وسط الرجال: قل عدد الذين يتزوجون نساء، ولينجبوا منهن.

مثلية وسط النساء: قل عدد اللائي يتزوجن رجالا، ولينجبن منهم.

في الجانب الآخر، لا يمكن إنكار رغبات نصف الأميركيات اللائي في الأربعينات من أعمارهن: «لا للأطفال!».

مثل المثليين والمثليات، ومثل ربما كل الأقليات في التاريخ الأميركي، لم يستسلمن، ولهن ثلاثة أهداف: أولا: القبول. ثانيا: زيادة العدد. ثالثا: زيادة التأييد.

إلى ذلك، أظهرت دراسة أميركية أن هناك تأثيرا للأزمات الاقتصادية وأحد الجينات الوراثية على الأسلوب الذي تنتهجه الأمهات في تربية أبنائهن.

وأكد معدو الدراسة أن بداية الأزمة المالية والبنكية في الولايات المتحدة جعلت بعض الأمهات أكثر صياحا في وجه أبنائهن بل ودفعتهن لضربهم في بعض الأحيان.

غير أن الباحثين أكدوا في الوقت ذاته أن هذا التأثير لم يظهر سوى عند الأمهات اللاتي لديهن فصيلة بعينها من الجينات يجعل الأمهات أكثر حساسية تجاه البيئة المحيطة بهن، حسبما أوضح باحثون أميركيون في دراستهم التي نشرت نتائجها الاثنين في مجلة «بروسيدنجز» التابعة للأكاديمية الأميركية للعلوم.

وأشار الباحثون إلى أن نسبة الأمهات ذوات الأخلاق الفظة ارتفعت من نحو 31% إلى نحو 43% عندما ازدادت الأحوال الاقتصادية سوءا في الولايات المتحدة بدءا من عام 2007، في حين ظلت هذه النسبة عند 31% لدى الأمهات اللاتي لا يحملن هذا الجين.

وقال الباحثون إنهم كانوا يعتقدون حتى قبل إجراء الدراسة أن الضيق الاقتصادي هو الذي يتسبب في إرهاق الأسر وانتهاجها أسلوب تربية سيئا، «ولكن نتائج الدراسة أظهرت أن الركود الاقتصادي يمكن أن تكون له آثار سلبية في المجتمع الواسع بصرف النظر عن الظروف التي تواجهها بعض الأسر»، حسبما أوضح عالم الاجتماع الأميركي دوهون لي من جامعة نيويورك.

واستند الباحثون في دراستهم إلى تحليل عدة دراسات سابقة منها دراسة سابقة بعيدة المدى عن الأسر الهشة وسلامة أطفالها التي شملت 4898 طفلا ولدوا بين عامي 1998 و2000 في مدن أميركية كبيرة وتم سؤال أمهاتهم على مدى تسعة أعوام كاملة.

ثم قاس الباحثون مدى قسوة الأمهات مع أبنائهن من خلال 10 جوانب؛ منها صياحهن تجاه أطفالهن، وتهديداتهن لهم، وسبهن وضربهن إياهم.

ثم أخذت عينة حمض نووي من لعاب 2612 أُمّا عندما بلغ أطفالهن سن تسع سنوات وقارن الباحثون هذه البيانات مع البيانات الاقتصادية التي سادت في هذه الفترة مثل البيانات المتعلقة بنسبة البطالة.