«الثورة في الفن المكسيكي 1910 ـ 1940» تستضيفه الأكاديمية الملكية

معرض يوثق المكسيك سياسيا وفنيا خلال فترة مضطربة من تاريخها

الأعمال الفنية في تلك الفترة أبرزت مفاهيم الواقعية الاجتماعية التي سادت في ثلاثينات القرن الماضي
TT

الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينات من القرن الماضي (1936 - 1939) جذبت إليها من شتى بقاع الأرض مقاتلين حملوا السلاح إلى جانب الجمهوريين الذين دافعوا عن الحكومة المنتخبة ضد القوميين والمحافظين، بقيادة وحدات من الجيش تحت زعامة الجنرال فرانسيسكو فرانكو.

أما الثورة المكسيكية، التي اندلعت عام 1910 ضد الحكم الإسباني والرئيس خوزيه دي لا كروز الذي سيطر على البلاد بعد الانتخابات العامة التي كسبها عن طريق الاحتيال واستمرت حتى عام 1920، فقد جذبت إليها الفنانين التشكيلين والمصورين الفوتوغرافيين من شتى بقاع الأرض، خصوصا من بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.

هذه الحالة السياسية المكسيكية، أي عشر سنين من الثورة المسلحة والتغييرات الاجتماعية والاضطرابات المصاحبة لها على جميع الأصعدة، عكستها الحركة الفنية في هذا البلد في تلك الفترة. الإنتاج الفني المكسيكي والدولي الذي تناول الأوضاع المكسيكية في تلك الفترة والإنتاج الغزير خلال العقود الثلاثة بعد انتهاء الحرب الأهلية تم توثيقه في معرض تستضيفه حاليا الأكاديمية الملكية، تحت اسم «الثورة في الفن 1910 - 1940».

فعلى الصعيد المكسيكي، أفرزت الثورة حركة فنية تزعمها ثلاثة فنانين عظام ذاع صيتهم ليس محليا، وإنما عالميا، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية. ديغو ريفيرا (الذي اقترن اسمه أيضا بالفنانة الشهيرة زوجته فريدا كالو) وخوزيه كليمنتي أوروزكو وديفيد الفارو سيكويروز، شكلوا حالة فنية عكست الأوضاع الجديدة التي خلقتها الثورة المكسيكية. صوروا الواقع الاجتماعي من خلال مفاهيم آيديولوجية اشتراكية، لكن بطابع محلي خاص، كما قدموا الثقافة المكسيكية السائدة من منظور تقدمي، وهذا ما عكسه الشيوعي ديغو ريفيرا في جدارياته الشهيرة والأعمال الأخرى. أما خوزيه كليمنتي أوروزكو، فقد حاول في أعماله تقديم شموخ وإنسانية العمال الذين، كما يعتقد، تطحنهم الماكينة، رمز النظام الرأسمالي والمعاناة العمالية الملازمة لها.

الأعمال الفنية في تلك الفترة، كما يبين المعرض، أبرزت مفاهيم الواقعية الاشتراكية التي سادت في ثلاثينات القرن الماضي. لكن المعرض يتضمن أعمالا أخرى تعكس تلك الفترة المضطربة في التاريخ المكسيكي. من هؤلاء أيضا المصور الفوتوغرافي الصحافي روبرت كابا وجداية خوزيه شيفار مورادو وكذلك أعمال فريدا كالو زوجة ريفيرا، خصوصا رسومهم الشخصية التي قدمت من خلالها لونا جديدا من الفن تناول الاضطرابات الفردية من خلال تلك الرسوم، مبتعدا كل البعد عن أعمال زوجها ريفيرا الذي عكست أعماله «الاشتراكية الواقعية» التي سادت في تلك الفترة. لكن وللأسف لم يتضمن المعرض عددا كبيرا من أعمال كالو، على الرغم من أهمية أعمالها في تلك الفترة المضطربة من تاريخ المكسيك. وكان قد استضاف الـ«تيت مودرن» معرضا ضخما قبل عدة سنوات خصص جميعه لأعمال فريدا كالو.

المكسيك وأحداثه جذبت إليه عددا كبيرا من الفنانين العالميين والمثقفين الذين وجدوا ضالتهم في الحالة السياسية الدائرة في هذا البلد، والتغييرات المترتبة على ذلك. الأعمال المعروضة تبين مدى تجاوب هؤلاء مع الموروث الشعبي المتنوع والغني في المكسيك. بالنسبة لكثير من هؤلاء، فإن البلد له تاريخ غني جدا وطبيعة خلابة وتنوع عرقي للسكان. بالنسبة للمقبلين من الفنانين والمصورين، فإنه الحالة الثورية التي يعيشها شكل اكتشافا فنيا لهم.

المعرض رتب من قبل المنظمين بشكل سهّل على المشاهد الدخول في مقارنات فنية وتاريخية وسوسيولوجية، من خلال وضع أعمال الفنانين المكسيكيين إلى جانب أعمال أفراد من الفنانين الزائرين للمكسيك في تلك الفترة، ومن الذين تأثروا بالتجربة المكسيكية.

فترة الثلاثة عقود التي يغطيها المعرض، وهو الأول من نوعه الذي يقام في بريطانيا، تناول التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المكسيك. القائمون على المعرض لم يقدموا فقط أعمالا فنية عن تلك الفترة، وإنما قدموا وثائق تاريخية واجتماعية من خلالها. وكوسيلة للتعبير عن هذه التحولات لعب الفن دورا أساسيا في تقديم البلاد بصورته الجديدة. هوية المكسيك الجديدة أعطت أيضا زخما جديدا لبروز ما أصبح يسمى «بالفن الوطني»، الذي احتفل بالتاريخ العريق للبلد من خلال الاختلافات العرقية وحى الجغرافية، أي أنه قدم البلد بهويته الجديدة التي بدأت تتشكل بعيدا عن السيطرة الإسبانية الأوروبية، وبدأ يحتفل بتنوعه الثقافي والعرقي، وهذا ما عكسته ليس فقط أعمال الفنانين المكسيكيين وإنما أيضا الزائرين من زملائهم.

تبرز الأعمال بشكل واضح الخلافات بين فن التصوير والفن التشكيلي عندما يتناول الفنان أو المصور الفوتوغرافي الموضوع نفسه. ويقول المنظمون: «تلك الفترة من التاريخ الفني للمكسيك تبرز أهمية دور المكسيك في تطور الحركة الفنية العالمية في القرن العشرين، من خلال النشاطات غير العادية للفنانين والمصورين الفوتوغرافيين».

كما أنها تبين أنه حتى عند تناول الموضوع نفسه «فإن الفنانين والمصورين الفوتوغرافيين يرونه بعيون مختلفة ويقدمونه بأشكال متناقضة تماما».

بعد انتهاء الثورة المسلحة ودخول البلاد في فترة سلمية مع انتخاب الرئيس الفارو أوبريغون رجع بعض الفنانين أمثال ريفيرا، الذي كان يعيش في المنفى في باريس، وكان قرييبا من بابليو بيكاسو ومودلياني إلى بلده الأصلي.

رجوع ريفيرا جاء بعد أن تم تعيين الليبرالي المثقف جوزيه فازكونسيلوس وزيرا للتعليم. وبدأ هذا الأخير بعض الأعمال الراديكالية الفنية، مثل المدارس والمعارض المفتوحة لقناعته بالعملية الإبداعية، من خلال إشراك أكبر عدد من الناس، ومن أجل هذا فقد أقنع ريفيرا بالعودة إلى المكسيك ليكون مسؤولا عن هذه المشاريع الإبداعية. ويتناول المعرض تلك الفترة وما قدمه ريفيرا خلالها، سواء أعماله الشخصية وأعمال آخرين تم توثيقها بالصور في هذا المعرض.

المعرض لا يتضمن، وللأسف، كثيرا من جداريات ريفيرا، الذي غادر إلى إيطاليا ليتعلم فن الجداريات في الهواء الطلق. وبعد رجوعه من رحلته، بدأ مع زميله الفنان روبيرتو مونتينيغرو رسم جداريات ضخمة على جدران المباني العامة. كما قام خوزيه كليمنتي أوروزكو وديفيد الفارو سيكويروز بأعمال مشابهة ترى بعضها في المعرض. لكن الفن المكسيكي لم يقتصر على تلك الجداريات الضخمة التي تنتمي للمدرسة الواقعية الاجتماعية. رافينو تمايو وماريا ازكويدو من الفنانين الذين رفضوا هذا النوع من الفن، وعكست أعمالهما اللغة التصويرية العالمية في الفن بعيدا عن الجانب الآيديولوجي، الذي اتسمت به أعمال غيرهما، لكنهما بقيا في خضم خصوصية الحالة المكسيكية، لكن من منظار فني بحت.

المعرض مستمر حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل في الأكاديمية الملكية في بيكاديللي.

(رسم الدخول عشرة جنيهات إسترلينية، ومواعيد الدخول من الساعة العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء، باستثناء يوم الجمعة، حيث يبقى المعرض مفتوحا حتى العاشرة ليلا)