«بيناكي».. متحف خاص للفن الإسلامي في أثينا

معروضاته جمعها مهاجر يوناني عاش في مدينة الإسكندرية قبل 100 عام

مدخل المتحف وتبدو فيه دقة التفاصيل في عمارته («الشرق الأوسط»)
TT

يقع متحف «بيناكي» للفن الإسلامي في وسط العاصمة اليونانية أثينا، ويعتبر مقصدا للزوار من مختلف الجنسيات والديانات، ويعرض مقتنياته الأثرية في أربعة طوابق، ويعد من أهم متاحف اليونان الخاصة. تم تدشينه عام 2004 قبيل استضافة أثينا لدورة الألعاب الأوليمبية، وبدأت معروضاته بمجموعة تحف فنية جمعها أندونيس بيناكيس، وهو مهاجر يوناني عاش في مدينة الإسكندرية في مصر قبل مائة عام تقريبا.

يتم عرض التحف حسب أقدميتها التاريخية، وكلما ازداد صعود الزائر باتجاه الطوابق العليا ازدادت المعروضات جمالا، وازدادت تفاصيلها دقة وأناقة، ابتداء من التحف العائدة للعصر الأموي وانتهاء بالتحف العثمانية المختلفة.

ولعل الزائر القادم إلى هذا المتحف يلاحظ من الوهلة الأولى أن المصوغات الذهبية المعروضة تدل على ذوق فني رائع ودقة في الصنع، أما الرسوم المطرزة على قطع القماش المختلفة فتدل على احتكاك الشعوب المختلفة واختلاط بعضها ببعض في ظل الدولة الإسلامية، كما تدل على زيادة توجه المسلمين بطبقاتهم المختلفة في العصور العباسية وما بعدها نحو بعض الفنون والحرف، كذلك أدوات الجراحة المعروضة تبدو على قدر كبير من الاحتراف والدقة.

وقد تكون أكثر قطعة تجذب أنظار الزوار هي تلك الغرفة الرخامية العائدة إلى العصر المملوكي، وقد أخذت حيزا كبيرا من الطابق الثاني، وتبدو فيها التفصيلات الدقيقة والرسومات والزخارف والنقوش البديعة المرسومة بالألوان الطبيعية، وقد استغرق نقلها وإعادة تصميمها وقتا كبيرا جدا، لدقة الأحجار والرسومات.

وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع الدكتورة مينا مورايتو، مديرة المتحف، قالت: «هذا هو المتحف الوحيد في منطقة البلقان، ونحن فخورون بذلك، ولدينا قطع فريدة في العالم، والزوار القادمون للمتحف هنا يندمجون مع شعوب الشرق، فالمقتنيات هنا جاءت من مصر وسوريا والعراق وإيران وتركيا ومن معظم الدول التي شهدت الحضارة الإسلامية. الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها اليونان أثرت علينا وعلى متحف (بيناكي)، فلا تسمح لنا بعمل الأشياء اللازمة لصيانة المتحف، والآن نحاول عمل برامج جديدة لنجد بعض المساندات المالية حتى لا يغلق المتحف».

أما فوتيني غرامتيكو، وهي عالمة آثار، فقالت أيضا لـ«الشرق الأوسط»: «المتحف فتح أبوابة عام 2004 قبل الألعاب الأولمبية التي أقيمت في أثينا، وكانت الأعمال قد بدأت قبل ذلك بكثير ولكن بسبب العثور على آثار أسفل المبني فتعطل العمل لفترة زمنية، ومن وقتها وحتى الآن نستقبل الزوار من اليونانيين والأجانب لأننا بجوار معبد الأكروبوليوس وبالقرب من وسط أثينا، وهناك الكثير من الزوار الذين يأتون ليتعرفوا على الثقافة الإسلامية، كما أن هناك زوارا يأتون من الدول العربية ويقرأون ما هو مكتوب من مخطوطات.. وأنا لا أقرأ العربية، فأشعر بالسعادة لأنهم يفهمون ما هو مكتوب، وهنا مخطوطات قديمة من اللغة العربية والقرآن الكريم، ويوجد هنا بعض التحف المهمة جدا والفريدة، وهذا يرجع إلى مؤسس المتحف أندونيس بيناكيس الذي عاش قبل مائة عام في الإسكندرية بمصر مع الكثير من اليونانيين وقتها، وأحب الفن الإسلامي واشترى الكثير من المقتنيات ليحضرها إلى هنا».

كما يستطيع الزائر رؤية الآيات القرآنية مخطوطة على قطع من البردي ومنقوشة على قطع من الذهب الخالص ويظهر فيها الخط العربي القديم دون تنقيط أو تشكيل، وهذا قد يجعلنا نتعرف على ما كان يعانيه المسلمون الأوائل من مشقة لحفظ القرآن الكريم وتحسين طرق كتابته، حتى وصلت إلى صورتها الحالية.

ومن المعروضات التي تثير الانتباه أيضا الأدوات القتالية المعروضة، فهي تمثل تحفا فنية كأنما خلقت للفن لا للقتال، خصوصا الخناجر العثمانية التي تعمر بالنقوش والألوان والزخارف البديعة، لدرجة أن المتفرج قد يتعجب كيف كان حاملوها يركزون على القتال ومنازعة الخصوم ويلتفتون عن القطع الفنية الرائعة التي بأيدهم.

وقالت ألسافيت كارنوبولو، وهي مرشدة داخل المتحف، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «بصفة عامة يوجد اهتمام متزايد بالمقتنيات الإسلامية، وقد لاحظت في الفترة الأخيرة أن معظم الزوار يولون اهتماما خاصا بآثار عصر الدولة العثمانية، وجميع الأشياء الأخرى النادرة التي لا يرونها في المتاحف المختلفة، ويأتي إلى هنا زوار وسياح ومهتمون بالثقافة الإسلامية، كما نستقبل مجموعات من تلاميذ المدارس ونشرح لهم بطرق متنوعة وقصص مبسطة الفنون الإسلامية».

ومن القطع المهمة المعروضة داخل المتحف، الأسطرلاب (البوصلة) الذي يعرض في الطابق الثاني ويعود إلى القرن الرابع عشر، وهو للفلكي العربي ابن السراج، ويحمل اسمه ويعمل وفق قياسات على قدر كبير من الدقة، كما يحمل على الناحية الثانية ما يمكن أن نعتبره آلة حسابية لحساب الأرقام والأعداد.

والوجوه التي يلاحظها الزائر في الرسومات الموجودة في المتحف تبدو فيها عالمية الدولة الإسلامية، فمن الوجوه العربية إلى الصينية، ومن الملامح التركية إلى الملامح الفارسية، ولن يفوت المتأمل بالطبع ملاحظة اختلاف الأزياء والملابس تبعا لاختلاف الأعراق والأعمار.