نهايات وحلول لمسلسلات شغلت المشاهدين خلال رمضان

يسرا ورفيق علي أحمد في «نكدب لو قلنا مانحبّش»
TT

ملاحظة أشار مدير واحدة من أكبر شركات الإنتاج العربية أخيرا، عندما قال في معرض نقاش حول مسلسلات شهر رمضان: «هناك مسلسل من مسلسلات هذا الشهر مأخوذ عن فيلم سينمائي، وأول ما علمت بذلك أدركت أن المسلسل لا يمكن إلا أن يكون محشوا وبطيئا، لأن الكتابة للسينما غير الكتابة للتلفزيون».

كلام صحيح لأن سيناريو الفيلم مكتوب على نحو يؤمن للفيلم قصة عليها أن تقع في ساعة ونصف أو ساعتين. حين تنقله إلى التلفزيون فإن عليك أن تمط العمل لنحو ثلاثين ساعة أو أقل قليلا (على اعتبار أن الحلقات تصل إلى نحو أربعين دقيقة للمسلسل الطويل). لكن هناك حقيقة أكثر شمولا في هذا الصدد: معظم المسلسلات التي تم تقديمها في هذا الشهر وفي كل شهر رمضان في السنوات الماضية تمت كتابتها خصيصا للشاشة الصغيرة.. لماذا هي إذن ممطوطة؟

شيء ما يجب أن يحدث في فن الكتابة للدراميات التلفزيونية. شيء مثل أن يقتنع الكتاب والمخرجون أنه من الباعث على الضجر أن ينطلق الفيلم ليشيد صرحه في الحلقة الأولى ثم ليستمر في توريد ما بناه في تلك الحلقة في باقي الحلقات من دون إضافات فعلية. نعم، الكثير من الحلقات اللاحقة لديها أحداث جديدة، لكن وجود حدث لا يعني بالضرورة تطويرا للدراما المعروضة، بل هو يبقى في إطار إضافة بحيث يتراءى المسلسل الواحد كما لو تم تصميمه مثل أعمدة الكهرباء منتصبة على مسافات محددة.

مع مشاهدة نهايات «العراف» و«نكدب لو قلنا ما نحبش» و«سنعود بعد قليل» و«نيران صديقة» وسواها، يقف المتابع أمام حقيقة أن الكثير مما مر في الحلقات السابقة كان يمكن له أن يسرد في بضع ساعات مع ميزة أنه سيكون عملا أكثر نجاحا لأن المشكلة ليست في الأفكار ولا في الحبكات، بل في حيرة الكتاب في كيف يسردون الفكرة والحبكة طوال شهر كامل. بالتالي ألا يمكن مثلا تحويل المسلسلات الشهرية إلى مسلسلات أسبوعية؟

للجواب على هذا السؤال، لا بد من الانتقال إلى ملاحظة أخرى: هل نحن بحاجة إلى 99 مسلسلا (إحصاء حقيقي)؟ هل هذا هو الطريق الصحيح للمنافسة؟ هل الوجود يكفي؟ هل الغاية هي التضحية بالكم الكبير من المشاهدين لقاء مجموعة محدودة منهم والقبول بأن تتمتع قلة من هذه البرامج بالقدر الأكبر من المشاهدين بينما تقبع الأخرى في خانة الأعمال الفاشلة؟

لو تم تطبيق فكرة وجود عشر مسلسلات أسبوعية، تليها عشر أخرى في كل أسبوع لاحق لكان لدينا أربعين مسلسلا كافيا ووافيا لأن ينجز الواحد منها نجاحا أعلى على صعيد الإقبال. والأكثر من ذلك سنجد أن الحلقات ستكتب بفيض من الأحداث المساقة جيدا وعن كثب والموقوتة في إيقاع جيد.

لم أسع حين شاهدت واحدة من حلقات «حاميها حراميها» لكتابة اسم المخرج ولم أصبر لمشاهدة حلقة ثانية. لم أشعر بأني فقدت شيئا من قبل ولا أني سأفقد شيئا فيما بعد سوى ذلك القدر الكبير من الافتعال والتهريج الذي صاحب تلك الحلقة. حلقة واحدة، بل خمس دقائق منها، كانت كافية لكي يكون المرء رأيه فيما يراه والاستمرار في المشاهدة لم تكن على أمل أن يكتشف خطأ تقديره، بل حتى تكون الصورة كاملة حين كتابة المراجعة.

كل المسلسلات وصلت إلى نهاياتها منذ بضع حلقات ورسميا يوم أمس آخر أيام رمضان، ولو أن عددا منها سيستمر ليومين أو ثلاثة. في الحلقة الثامنة والعشرين من «نكدب لو قلنا ما بنحبش» نجد أن الحديث عن «المانيو» و«الوليمة» و«العشاء» و«الغداء» لا يكاد يتوقف حتى يبدأ من جديد. هناك على الأقل ثلاثة مشاهد طعام. صحيح أن الأحداث تقع في مطعم تملكه يسرا، لكن المشاهد الأخرى تقع في البيوت. أضر بثلاثة بثلاثين حلقة تجد أن الطعام لم يفارق المسلسل مطلقا علما بأنه يدور عما هو أهم من الطعام.

وفي حين يقدم «خلف الله» نور الشريف في دور ولي صالح تتم على يديه المعجزات، نجد دريد لحام في «سنعود بعد قليل» ينتظر معجزة ما إذ دخل الكنيسة وأخذ يصلي مع المصلين. المسلسل في معظم حلقاته تمتع بتعدد شخصياته ووجود خطوط قصصية خاصة لكل شخصية. نفذ من الفراغ لكن حتى هو لم ينفذ من قدر من التكرار. وما يحدث في نهايات «العراف» كان يمكن أن يقع في الحلقة الخامسة عشرة وينتهي. أما «خلف الله» فنموذج لتمثيل يريد أن يتجاوز المستوى المتاح إنتاجيا وإخراجيا لكنه لا يستطيع النتوء عنهما أكثر من الحد الأدنى. نور الشريف يحتاج إلى إخراج أفضل وفي الأساس إلى كتابة أفضل عشر مرات من تلك التي يومها هذا البرنامج بكل ما في المستودع من كلمات وعبارات جاهزة ومواقف أرشيفية.

العينات لا تتوقف لكن تجربة مشاهدة نحو 40 ساعة من ساعات البث المسلسلاتي في هذا الشهر انتهت والحمد لله. ومن دون مؤسسة إحصائية ومستقلة متخصصة (كما الحال في بلاد العالم) لن نعرف نسبة مشاهدي كل برنامج على حدة. بالطبع هناك مسلسلات تنجح في محطة معينة داخل بلد واحد وتفشل في عروضها الجامعة، لكن تلك التي فشلت في كل المحطات لملمت نفسها ورحلت من الذاكرة حتى من قبل أن تتوقف عن البث.