كارين بلاك سطعت في الزمن الصحيح وولت

رحيل نجمة الجيل القلق

بلاك مع دنيس هوبر وبيتر فوندا خلال تصوير «إيزي رايدر» و في الاطار كارين بلاك في شبابها
TT

في عينيها طرف من حَول، لكن ذلك لم يمنع الممثلة كارين بلاك، التي رحلت مساء يوم الخميس الثامن من هذا الشهر عن 74 سنة، من تبوّأ الصدارة بين وجوه السينما الشابّة في الستينات والسبعينات. أعلن زوجها المنتج ستيفن إيكلبري وفاتها على الـ«فيس بوك» شاكرا معجبيها الذين كانوا استجابوا لحملتها حين احتاجت لنحو 60 ألف دولار لإجراء عملية دقيقة لاقتطاع أجزاء مصابة بسرطان البنكرياس قبل عامين. ورغم نجاح العملية آنذاك، فإن السرطان عاد فتفشّى لاحقا وقضى على الممثلة التي خلفت وراءها نحو 190 عملا تلفزيونيا وسينمائيا.

وُلدت، باسم كارين زيغلر، في مدينة شيكاغو في الأول من يوليو (تموز) سنة 1939. أصول العائلة كانت نرويجية ألمانية تشيكية ووالدتها إلسي ماري كانت مؤلفة قصص أطفال أنجزت قدرا من الشهرة في الأربعينات. بدأت كارين حياتها الفنية سنة 1959 بالتمثيل في فيلم بعنوان The Prime Time. دورها الصغير ذاك لم يترك انطباعا (والفيلم بالكاد وجد حفنة من صالات العرض آنذاك) ما منعها من التقدّم في مضمار التمثيل بعدما كانت انتقلت إلى نيويورك لدراسته وامتهانه. في عام 1966 كررت المحاولة في فيلم صغير أنجزه فرنسيس فورد كوبولا قبل أن يصبح اسما لامعا هو «أنت صبي كبير الآن». منه دلفت كارين إلى مجموعة من المسلسلات التلفزيونية المتلاحقة طوال عامي 1967 و1968 قبل أن يحل عام 1969 بمفاجأة.

مع هيتشكوك وسواه في مطلع ذلك العام وجدت دورا في فيلم بوليسي من بطولة الراحل جيمس كوبرن عنوانه «اتفاق صعب» أو Hard Contract لكنها انطلقت منه مباشرة لفيلم مختلف مهّد للسينما الشبابية من بعده خطا جديدا عاكسا أجواء الفترة القلقة من الحياة الاجتماعية والسياسية المنعكسة على شاشات السينما الأميركية. الفيلم هو «إيزي رايدر» الذي أخرجه وقام بتمثيل دور الهيبي فيه دنيس هوبر ولجانبه كل من بيتر فوندا وجاك نيكولسون بينما لعبت كارين بلاك دورا ثانويا فيه إذ دار حول الشبّان الثلاثة وهم يجوبون أميركا على دراجات نارية مضطلعين بحياة متمرّدة، كالفيلم، على التقاليد.

إلى أن حل عام 1970 كان جاك نيكولسون قد أصبح نجما وهو وافق على اختيار المخرج بوب رافلسون لها لتشاركه بطولة «خمس مقطوعات سهلة» Five Easy Pieces، فيلم آخر حول حب الاستقلال والخروج من تبعية العائلة وتقاليدها. على أثره قرر نيكولسون إخراج أوّل أفلامه «قد قال» (Drive، He Said): دراما حول هكتور (نيكولسون) لاعب البيسبول المنشغل عن متطلبات صديقته أوليف (بلاك). في الفيلم ذاته بروس ديرن الذي كالمذكورين إلى الآن كان من جيل تلك السينما ذات التعليق الاجتماعي العاكس لقلق الجيل.

ثم هي في وسترن من إخراج المنسي لامونت جونسون أمام كل من كيرك دوغلاس وجوني كاش سنة 1971 ثم في فيلم آخر شبابي الاهتمام أخرجه المهاجر التشيكي إيفان باشر بعنوان «مولود ليربح» ثم مع كريس كريستوفرسون وجين هاكمن في العام التالي في «سيسكو بايك». في عام 1973 برهنت عن جدارتها في فيلم خارج ما سبق من أطر. الفيلم هو «المنظمة» (The Outfit) فيلم لمخرج جيد ومنسي آخر هو جون فلين أمام روبرت دوفال وجون دون بايكر. لتتبعه بدور رئيسي في فيلمين كبيرين في منتصف السبعينات هما «غاتسبي العظيم» و«مطار 1975».

كان عام 1976 عاما غزيرا بالنسبة لها مثّلت فيه ثلاثة أفلام جيّدة، فإلى جانب فيلم آخر من إيفان باشر هو «جريمة ورغبة»، اختارها ألفرد هيتشكوك لتشارك بروس ديرن بطولة آخر أفلامه «حبكة عائلية» وظهرت في دور رئيسي في فيلم جون شليسنجر الممتاز «يوم الجراد». «كابريكون وان»، الفيلم الذي تولّى إثارة احتمال أن تكون وكالة ناسا كذبت ولم تطلق صواريخها المحمّلة بالبشر إلى القمر، تلا ذلك سنة 1977.

والمخرج الجيد روبرت التمان الذي كان أسند إليها دورا رئيسيا في كوميديته السوداء «ناشفيل» سنة 1975 عاد إليها سنة 1982 ليعطيها دورا مميّزا في فيلمه الرائع «عد إلى الخمس والعشر سنتات، جيمي دين» Come Back to the Five and Dime Jimmy Dean، Jimmy Dean.

لكن كارين بلاك في الثمانينات لم تستطع أن تحتفظ بمكاسبها السابقة. هوليوود لم تنظر إليها كموهبة فاعلة بل كنجمة غربت عنها سنوات الشباب، كما غابت كذلك السينما الشبابية التي شاركت في تمثيلها وحمل محتوياتها إلى جمهور كان في شوق لمثل هذه الأعمال المختلفة. صحيح أن بلاك لم تعدم أدوارا هنا وهناك (بعضها أفلام رعب رديئة) إلا أن الصحيح أيضا هو أنها توجّهت إلى الأعمال التلفزيونية في مرحلتين: في الثمانينات ثم لاحقا في التسعينات بعد سلسلة من الأفلام الرخيصة مثل «ملاك الليل» و«رعب ساكن» و«حافة القتلة» و«أطفال الليل» و«خوف مغلق» وكثير منها توجّه إلى سوق الفيديو مباشرة.

رغم ذلك، فوجئت بلاك بأنها أصبحت أيقونة بالنسبة لهواة أفلام الرعب وإن كان ذلك أبعد من أن يجعلها مطمئنة لمستقبلها الفني ما دعاها للعودة إلى تلك الحلقات التلفزيونية بانتظار الدور الكبير الذي لم يأت.

ذات مرّة في «كان» عقب عرض «عد إلى الخمس والعشر...» قالت لي: «لا تعتقد أني أبالغ إذا قلت لك إنني سعيدة جدّا بهذا الدور ليس لأن الفيلم جيّد فقط، بل لأن مخرجه هو مستر التمن. كل أدواري من قبل تختلف عن هذا الفيلم».

و... كل أدوارها من بعد أيضا، علما بأن الحقبة التي لمعت فيها اختفت، للأسف، بكاملها. ومعجبوها الذين جمعوا ستين ألف دولار لمساعدتها البقاء على قيد الحياة سنة 2010 هم من ذلك الجيل الذي كان التمثيل في أفلام اجتماعية بشخصيات واقعية يعني لها الكثير.