المصريون يستعيدون طقس العيد بـ«الكعك» والمهرجانات الشعبية

خرجوا للشواطئ والمتنزهات العامة رغم نيران السياسة

حلوى العيد «سيدة الموقف»
TT

«عيد بأية حال عدت يا عيد».. استعاد آلاف المصريين أمس هذا البيت الشعري الشهير لأبي الطيب المتنبي، وخرجوا إلى الحدائق والشواطئ والمتنزهات العامة والنوادي للاحتفال بأول أيام عيد الفطر المبارك.

ورغم الاضطرابات السياسية وأحداث العنف التي تجتاح البلاد منذ فترة، بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين والحكومة والجيش، إلا أن المصريين أصروا على معايشة فرحة العيد، واستعادة طقوسها المبهجة، فانطلقوا عقب تأدية صلاة العيد إلى ساحات الاحتفال.. وشهت معظم المدن والمحافظات إقبالا مكثفا على مظاهر الاحتفال.. ففي القاهرة ازدان ميدان التحرير أيقونة الثورة بكرنفالات العيد، وامتلأ شاطئ النيل وحديقة الحيوان بالجيزة بمئات المواطنين، مصطحبين أسرهم لقضاء طقس العيد. وفي الإسكندرية ومعظم محافظات الدلتا كانت المهرجانات الشعبية والدراجات والألعاب النارية التي خرج بها الشباب والأطفال سمة أول أيام العيد. وانتشرت الدراجات بالشوارع الرئيسة والجانبية للمدن مستغلة السلاسة المرورية للساعات الأولى من صباح العيد؛ وقبل ساعات الذروة المرتبطة بمواعيد السينمات التي تعرض أفلام العيد.

وفي أحضان الطبيعة والمناطق الأثرية خرج الآلاف من المواطنين والأسر للحدائق بمحافظات الصعيد للاحتفال بالعيد وتناول المأكولات الشعبية. وقال الدكتور صلاح عبد المجيد محافظ قنا إنه تم تجهيز كورنيش النيل لاستقبال الزائرين من أبناء قنا والمحافظات الأخرى مشددا على تكثيف الوجود الأمني واستعداد شرطة المسطحات المائية لقضاء المواطنين عيدا سعيدا.

ورغم أن نيران السياسة قلبت موازين الأمور في البلاد، وتردي الأوضاع الاقتصادية على مدى أكثر من عامين، في أعقاب ثورة 25 يناير، إلا أنه هذا العام بدأت طقوس صناعة الكعك تعود لأغلب الأسر المصرية خاصة في الريف والأحياء الشعبية التي تحرص على صناعة كعك العيد في البيت أو بحسب ما يسمونه «كعك بيتي»، لأنهم يرونه أفضل صحيا وأوفر ماديا، كما يمثل فرحة خاصة بالنسبة للكبار والصغار.

وتتفنن المصريات كل عام في صنع الكعك بطريقة أحسن من العام السابق ويعتبرن ذلك من أهم طقوس شهر رمضان الحميمة، كما تعتبر المهارة في صناعة الكعك وطريقة تسويته علامة تميز، تتفاخر بها النسوة في مجالسهن، كما تعتبر إشارة إلى ما تتمتع به المرأة من روح طيبة.

ومع دخول الثلث الأخير من شهر الصيام، تبدأ الأسر والبيوت في التهيؤ والاستعداد لاستقبال فرحة عيد الفطر، ويقترن هذا التهيؤ لدى الأطفال والصغار بشراء ملابس جديدة، وأيضا بالمشاركة في عمل أو صناعة الكعك مع الأمهات والجدات.

تقول نهى زياد، وهي ربة منزل خمسينية، تهوى المعرفة والقراءة، واعتادت على صنع كعك العيد في البيت: هذه السنة إحنا فرحانين، البلد حطت رجليها على الطريق الصحيح، ربنا خلصنا من حكم «الإخوان».. لذلك سأصنع الكعك هذه العام بروح جميلة.. الكعك يحب اللمة مثل العيد ومائدة الإفطار.

تتابع نهى: أجلس أنا ومجموعة من جيراني على الطبلية، نجهز الحشوة من الجوز واللوز والفستق والملبن والمكسرات، ونكور أقراص العجين، وكل واحدة تصنع الشكل الملائم لها في صينية خاصة، لكن أجمل شيء في عمل الكعك، هو الونسة، وشقاوة الصغار ولعبهم بالعجين والدقيق، اللي يعمل حصان واللي تعمل عروسة، واللي يعمل نجمة، وأشكال على شكل هلال وقلوب، وفي النهاية، يحلو السمر والكل يريد أن يأكل مما صنعته يداه.

العم عبد القادر حسنين، صاحب مخبز بلدي، بحي الكيت كانت الشعبي على نيل الجيزة يؤكد أن: الست التي تجيد صناعة الكعك، تجيد صناعة المستقبل.. لافتا إلا أن عملية صناعة الكعك تحتاج لرهافة شديدة ودقة في الموازين والمكونات، وأيضا تحتاج لصبر ونفس هادي.. وحين أداعبه: «هذا موسمك يا عم عبد القادر.. عايز تنعش الفرن، وكل دقائق صواني كعك داخلة وأخرى خارجة».

يأخذ نفسا طويلا من نرجيلته الخاصة ويقول: «صدقني المسألة ليست هكذا.. البلدي يؤكل. أما الجاهز، فما أدراك بالمكونات التي يصنع منها.. نعم هناك أسر لا تريد أن تتعب أو تتحجج بتوفير الوقت والجهد، وربما لعدم معرفة أفرادها طريقة الصنع، لذلك تفضل شراء الكعك الجاهز من المحلات. يضيف العم عبد القادر: بشكل عام، الكعك حلوى أساسية تقدم للضيوف والزوار، في أيام العيد، لقد اعتادت الأسر على ذلك، بصرف النظر عما إذا كان مصنوعا في البيت أو تم شراؤه من المحال».

وعن أسعار الكعك هذا العام يقول العم عبد القادر: لم ترتفع الأسعار عن العام الماضي، بل انخفضت بنسبة بسيطة، خصوصا أسعار الكعك السادة غير المحشو، أيضا البسكويت والبيتي فور والغريبة، فقد انخفضت بنسبة تتراوح ما بين 5 و10 في المائة.. ساهم في ذلك الانخفاض الطفيف في أسعار الدقيق والسمن وهذا يشجع على الشراء.

وفي مراكز التسوق وغيرها من المحال تعددت صور وأشكال عرض الكعك، فهو في «أسبتة» مزينة بطريقة جذابة، وفي علبة مفضضة، من الكرتون، وأحيانا من رقائق الخشب.

أحمد بركات، حلواني شهير بحي المهندسين، يؤكد أنه أن موسم بيع الكعك يبدأ في أيام العشرة الأواخر من رمضان، ورغم أنه متوافر طوال العام إلا أن عيد الفطر يعد موسمه الخاص، حيث يزداد الإقبال على شراء الكعك بصورة كبيرة، لأنه موسم كما يقولون. ويتصدر الكعك بأنواعه عملية الشراء يليه البسكويت ثم الغريبة والبيتي فور. ويرى بركات أن أسعار الكعك الجاهز أقل من تكلفة صنعه في البيت.

وعلى مدار عصور كثيرة تتفنن المصريات في صنع كعك العيد بأشكال وطعوم مختلفة، وهو يتكون من: دقيق وسمن ولبن وخميرة ومكسرات أو ملبن أو عجوة (تمر مجفف) يتم خلطها بمقادير محسوبة.

ويقال إن الفراعنة هم أول من عرفوه، حيث كان الخبازون في البلاط الفرعوني يحسنون صنعه بأشكال مختلفة، مثل: اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير، وكانوا يصنعونه بالعسل الأبيض. ووصلت أشكاله إلى 100 شكل نقشت بأشكال متعددة على مقبرة الوزير خميرع في الأسرة الثامنة عشرة بطيبة، وكان يسمى بالقرص.

ومن باب التفاؤل والتشاؤم دخل الكعك في نسيج العادات والأعراف المصرية، فالبعض يتشاءم إذا لم يصنعوا الكعك في أحد الأعوام ويعتبرون أن هذا نذير شؤم وأن أحد أفراد الأسرة ستوافيه المنية خلال العام. أيضا في هذا السياق لا يصح من مات لها عزيز أن تقوم بصنع الكعك في العام الأول على الوفاة، وينطبق هذا على الجيران كذلك، حيث لا يصح لهم أن يصنعوا الكعك للعيد أو لعروس إلا إذا استأذنوا جيرانهم أصحاب حالة الوفاة. وذلك على عكس كعك العروس والذي يعد من مظاهر الفرح المهمة لدى العروس وأسرتها، كما أنه من دواعي التباهي أمام المهنئين بالعرس.