في المدن السورية يشترون فرحة العيد رغم الموت والمآسي

ارتفاع أسعار حلويات العيد 100%

أطفال يحتفلون بعيد الفطر في منطقة دوما بدمشق (رويترز)
TT

بضحكة ساخرة ممزوجة بالمرارة قالت سوزان لبائع الشوكولاته بعد سماعها أن سعر كيلو الشوكولاته متوسطة الجودة بألفي ليرة: «سأعود لاحقا بعد أن أسجل عدد الأشخاص المتوقع أن ينوون زيارتنا في العيد لأشتري بعددهم حبات من الشوكولاته، فربما زارنا عشرة أشخاص فقط».

ما قالته سوزان (46 عاما) رغم سخريته يراود كثيرا من السوريين وهم على أبواب العيد، فحتى من يملك المال للإنفاق يشعر أن من الهدر الإنفاق على الضيافة والحلويات والتي ارتفعت أسعارها بنسبة تتجاوز 100%، إلا أن هناك من يعتبر شراءها ولو بكميات قليلة جدا ضرورة كونها إحدى وسائل التعبير عن «البهجة المفتقدة في سوريا منذ أكثر من عامين» كما يقول الحاج أبو محمد، صاحب محل حلويات عربية. ويتابع: «الناس تشتري كي تفرح الأولاد وتعوضهم عن الأجواء المكربة التي نغرق فيها والحمد لله هذا العيد تشجعت الناس وخرجت إلى الأسواق، صحيح أنهم لا يشترون كما السابق لكن على الأقل يحاولون أن يفرحوا أطفالهم».

وعن مبيعاته يقول: «لم نعد نصنع الحلويات ذات الجودة العالية كونها مكلفة جدا بعد غلاء السمنة والطحين والسكر، نصنع حلويات بجودة أقل ومع ذلك تراجع عدد القادرين على شرائها، فمن كان يشتري في العيد من عشرة إلى عشرين كيلو بقلاوة، اليوم يكتفي بخمسة كيلو ومن كان يشتري خمسة يشتري كيلوين أما من كان يشتري كيلو فقد نسي طعم حلويات العيد».

ويبلع سعر كيلو البقلاوة جودة وسط بسمن نباتي 3500 ليرة، وكان منذ عام لا يتجاوز الألف ليرة، أم الحلويات المصنوعة بسمن حيواني أو عربي فلا يقل سعر الكيلو عن 4500 ليرة، علما أن الدولار يعادل 210 ليرات، وتعد هذه الأسعار باهظة جدا بالنسبة للسوريين في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.

ويتابع الحاج أبو محمد قائلا: «إن مصرف سوريا المركزي تدخل لخفض سعر الدولار خلال أيام العيد بهدف تخفيض أسعار السلع، ففي جلسة بيع علنية شارك فيها 13 شركة ومكتب صرافة، أعلن المركزي بيع شريحة من العملات الأجنبية كافية لتغطية الطلب على هذا القطاع في السوق حتى عيد الفطر نهاية الأسبوع الحالي بسعر 173.27 ليرة للدولار الأميركي على أن تباع للمواطنين بسعر 175 ليرة سورية. مع توقعات أن فترة العيد ستشهد انخفاضا للدولار لما دون الـ200 ليرة سورية، بسبب الحاجة للسيولة بالليرة السورية لمصاريف العيد، وهو ما سيدفع كثيرا من الأسر لبيع بعض مدخراتها من الدولار. إلا أن المحلل المالي والنقدي عابد فضلية قال: «إن الدولار ولو انخفض سعر صرفه إلى ليرة سورية واحدة، فلن يكون ذا تأثير حاسم في خفض أسعار السلع في الأسواق السورية، لأن الأسعار ارتبطت بالدولار صعودا ولم يربطها التجار والموزعون والباعة به انخفاضا مع الأخذ بعين الاعتبار أن السوق فالتة من عقال المنطق، وما من قانون أو إجراءات تحكمها». كلام المحلل المالي جاء في مقابلة مع صحيفة «الثورة» الرسمية نشر يوم الاثنين، حيث تساءل عن الخطة الحكومية لضبط الأسواق في حال نجحت مختلف السلطات في خفض سعر صرف الدولار إلى 100 ليرة سورية كما سبق لأصحاب الشأن من الرسميين أن صرحوا. ورأى أن «واقع الحال، يفرض الابتعاد عن سياسة أخطاء الحرائق في معالجة ارتفاعات سعر الصرف، وضرورة الاعتماد على سياسة محدودة واضحة في تخفيض سعر الصرف، من خلال تنشيط دورة الإنتاج وزيادة الكتلة السلعية في الأسواق بما يخلق منافسة حقيقية تجبر المنتجين أنفسهم والتجار على خفض الأسعار، مع التركيز على المواطنة والجودة في هذه السلع المنتجة حتى لا يكون السعر المنافس قشورا تخفي تحتها الجودة المتدنية والمواصفة الرديئة».‏ رغم ما ينطوي عليه كلام المحلل المالي فإن تنشيط دورة الإنتاج منوط بالوضع السياسي والأمني في البلاد، والذي ما زال يتدهور يوما بعد آخر دون تلمح أي ضوء في نهاية النفق، وربما فقدان الأمل بحصول انفراج حقيقي جعل العيد هذا هو الأفضل بين الأعياد السابقة التي مرت على البلاد خلال العامين الماضيين، من حيث إقبال الناس على الأسواق في العشر الأخيرة من رمضان، لكن الأسوأ من حيث القدرة الشرائية، وأيضا هو الأسوأ من حيث توفر البضائع والسلع، لأن الموت والمآسي لا تزال تلاحق خطوات السوريين كيفما اتجهوا. إلا أن ذلك دفعهم للتمسك بالحياة ومحاولة عيشها رغم كل الظروف والأسى والحزن «إنه منطق العيش في ظل الحرب» يقول رضوان.س: «كنت أظن أن الثورة ستنتصر بعد أشهر ثم بعد سنة ثم سنتين ومع دخول السنة الثالثة اقتنعت أننا دخلنا في حرب لا نعرف متى ستنتهي وعلينا متابعة الحياة مع هذه الظروف». وعن العيد قال رضوان إنه في أول عام من الثورة امتنعت عائلته عن إرسال الأطفال إلى الملاهي: «حزنا على شهداء سقطوا في الحي، في العام الثاني اتفقت مع رفاق الحي أن نجلب مراجيح للأطفال كي لا يحرموا من فرحة العيد، وهذا العام سنجلب عددا أكبر من المراجيح والألعاب.. لا أحد يعلم كيف ومتى وأين يموت».

ازدهار سياحي في إقليم كردستان العراق والأرقام تتفوق على دول المنطقة