العيد استقطب سياحا عربا من العراق وخارجه للاستقرار الأمني وجمال الطبيعة

سياح عرب وأكراد في مصيف سولاف التابع لمحافظة دهوك في كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
TT

كان ينظر للمنطقة الكردية التي كان يطلق عليها تسمية شمال العراق، ثم «منطقة الحكم الذاتي» قبل أن يتحول دستوريا إلى «إقليم كردستان العراق»، باعتباره بؤرة لإثارة المشاكل، وتعاملت الحكومات العراقية متعاقبة مع أكراد العراق باعتبارهم «عصاة» و«مشاكسين» بسبب إصرارهم على نيل حريتهم وحقوقهم المشروعة عبر ثورة استمرت لعشرات السنين حتى تحقق لهم ما أرادوا بعد أن قدموا الكثير من التضحيات.

لكن إقليم كردستان العراق اليوم هو قبلة السلام والتآخي، خاصة أن الأكراد معروف عنهم محبتهم للآخرين وطيبتهم وتسامحهم وانفتاحهم على الآخرين، وهذا ما جعل الإقليم الكردي في شمال العراق ينعم بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وأن يتحول إلى مركز للاستقطاب إقليميا، ويضاف إليه اليوم ميزة أخرى هي تحوله إلى مركز سياحي مهم في عموم المنطقة وهذا ما جعل جامعة الدول العربية تختار أربيل، عاصمة الإقليم كعاصمة للسياحة العربية للعام المقبل 2014.

فأن تتلقى لحظة دخولك إلى عاصمة إقليم كردستان دليلا سياحيا يعينك على معرفة مواقع السياحة والترفيه والحجز، وحتى مواقع المطاعم والفنادق التي ألزمتها حكومة الإقليم أن تبقي أبوابها مفتوحة على مدار اليوم لاستقبال السياح القادمين من شتى الأرجاء، فهذا دليل على أن شيئا ما يحدث في كردستان، وأن هناك تطورا يشهده الإقليم نحو الرقي والتقدم بما يجعله مهوى القلوب سياحيا.

ففي ظل الأحداث والتطورات المتلاحقة التي يشهدها عدد من الدول التي عرفت لعقود طويلة بأنها قبلة السياح، مثل لبنان وسوريا ومصر التي تنشغل معظمها اليوم بأحداث دامية أو أوضاع أمنية مضطربة، وانخفاض مستوى الإقبال السياحي عليها، أضحت كردستان اليوم بديلا جاهزا لاستقطاب السياح لعدة عوامل، أهمها استقرارها الأمني والسياسي، وجمال طبيعتها الخلابة، والأهم هو نهوضها السياحي، فأصبحت بذلك محط أنظار السياح العرب والعراقيين، بل وحتى الأجانب الذين باتوا يمددون إيفادات وفودهم وإقامتهم في الإقليم لكي ينعموا بالجمال الباهر للطبيعة الكردستانية.

عند دخول السائح إلى مدينة أربيل سيجد هناك من يستقبله بالترحاب، وكما يقول نادر روستي متحدث هيئة السياحة بكردستان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» اعتمدنا هذه السنة أسلوبا جديدا وحضاريا لاستقبال السياح، فقد أعددنا لهم دليلا إلكترونيا يمكن إنزاله على جهاز الموبايل واستخدامه من دون خطوط الإنترنت، يعينه على التعرف بأكثر من 600 موقع سياحي في عموم أنحاء كردستان، منها المواقع التاريخية والأثرية، ومواقع الفنادق والإقامة، والمصايف، والأسواق والمولات، وهذا الدليل هو نتاج عمل متواصل مع الخبراء لأكثر من ثمانية أشهر. وقد عممنا هذا الأسلوب على جميع محافظات الإقليم التي تدفقت إليها أفواج السياح منذ عدة أيام، حيث وصل الرقم الموثق لدينا خلال اليومين الماضيين إلى 105 آلاف سائح من مختلف مدن العراق إلى كردستان، بالإضافة طبعا إلى القادمين إليها من دول الجوار وبخاصة الشباب الإيراني الذين يجدون لهم متنفسا في محافظات الإقليم المجاورة لهم.

وتوقع روستي أن يصعد الرقم المسجل للعام الماضي الذي بلغ مليونين و217 ألف سائح، وقال «خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام وصل عدد السياح إلى مليون ومائتي ألفٌ سائح، ونحن مقبلون على عيدين وكذلك حلول فصل الصيف الذي تلتهب فيه مدن العراق، كما هناك الكثير من المهرجانات والمناسبات المهمة سيشهدها الإقليم منها، مهرجان التسوق وانتخاب ملكة جمال كردستان، وحفلات فنية وموسيقية كثيرة، إلى جانب الاستحضارات القائمة على قدم وساق للاحتفال بجعل مدينة أربيل عاصمة للسياحة العربية والتي ستجر معها الكثير من الفعاليات، كل هذه الأحداث تبشر بتجاوز عدد السياح إلى أكثر من العدد السابق، ونتوقع أن يصل إلى مليونين ونصف هذا العام».

واللافت خلال هذا العام هو فتح المطاعم بمدن كردستان أبوابها خلال أيام العيد، فقد كانت جميع المطاعم ومحلات بيع الوجبات السريعة اعتادت منذ عقود طويلة على الإغلاق أيام العيد لاحتفال أصحابها بالمناسبة، ما كان يحرج السياح القادمين الذين لم يكونوا يجدون المطاعم والمقاهي الشعبية، ولكن حكومة الإقليم ألزمت هذه السنة أصحاب المطاعم والمقاهي التي منحت إجازات الترخيص بفتح أبوابها خلال شهر رمضان الذي من المعتاد أن تغلق فيه جميع المطاعم والمقاهي ويمنع خلاله الإفطار العلني تماما، وألزمتهم بأن يفتحوا مطاعمهم خلال الأيام الثلاثة للعيد مقابل ذلك الترخيص، ولذلك يقول نادر روستي «قمت بجولة يوم أمس وأول من أمس للتأكد من التزام أصحاب المطاعم والمقاهي بأوامر الحكومة، ووجدت أن 85% من المطاعم والمقاهي كانت مفتوحة فعلا، والحمد لله تغلبنا على هذه المشكلة الكبيرة التي كانت تواجه السياح، حيث إن السائح عادة عندما يأتي إلى هنا لا يجلب معه أدوات الطبخ لتحضير الطعام، وكان لا بد أن نحل هذه المشكلة وقد اهتدينا إلى ذلك الحل المعقول هذه السنة وسنتبعها بالسنوات القادمة».

وحول الفعاليات الترفيهية قال متحدث هيئة السياحة «هناك الكثير من البرامج، منها حفلات موسيقية في المتنزهات والفنادق الكبيرة، وأهم تلك الفعاليات هو مهرجان التسوق الذي سينطلق عقب عطلة العيد مباشرة بهدف إبقاء السياح في كردستان، وسيشهد المهرجان فعاليات ترفيهية كثيرة كما في العام السابق منها، انتخاب ملكة جمال كردستان لهذا العام، وحفلات موسيقية ومسابقات أخرى». وختم تصريحه بالقول: «لقد أرسلنا ممثلينا بهيئة السياحة إلى جميع نقاط التفتيش عند مداخل المدن لاستقبال القادمين من السياح وإبداء التسهيلات اللازمة لهم وتجهيزهم بالدليل السياحي الإلكتروني والمطبوع من أجل تسهيل إقامتهم بمدن كردستان».