معايدات السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي

يطحنهم الغلاء من كل جنب

TT

ليت «المتنبي» كان حاضرا هنا في الخرطوم صبيحة أول أيام عيد الفطر، ليعيد كتابة قصيدته «عيد بأي حال عدت يا عيد» من جديد. فالسخرية المريرة التي تحملها القصيدة لا تعد شيئا ذا بال إذا قيست بحال السودانيين في عيد هذا العام.

يطحنهم الغلاء الطاحن من كل جنب، وتهشم السيول والفيضانات البيوت، فحتى أطفال الأحياء الثرية يحسهم الناظر أقل فرحا من أعياد سابقة، أما أطفال الأحياء الفقيرة وتلك التي ضربها السيل، فحدث عن سعادتهم «بكل حرج».

بيد أن الفقر والحزن ليس وحده هو سيد الموقف، إذ أطل من الركام والخرائب «أمل»، شباب في عمر الورد ونشاط النحل، أحالوا العيد وأواخر الشهر الفضيل، لعمل طوعي من نوع جديد، واجهوا به الفشل الرسمي في مواجهة كارثة الأمطار الغزيرة والسيول التي اجتاحت أنحاء واسعة من البلاد، إنهم شباب «مبادرة نفير»، الذين تداعوا طوعا وأنجزوا عملا كبيرا في وقت وجيز، فكانوا نوارة العيد وفرحته التي أطلت بعد أن غابت شمس الأمل.

يحس المرء بمرارة عيد هذا العام لو نظر في وجوه أطفال «بلا منازل»، مثلما يحسها حين يتجول في مواقع التواصل الاجتماعي، التي شابت معايدات السودانيين لبعضهم فيها كثير من المرارة، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك، و«تويتر»، منتديات السودانيين إلى أماكن يبث فيها الناس شكاواهم دون خوف من رقيب أو حسيب.

فصحافية السروال الشهيرة لبنى أحمد حسين أطلت من منفاها في كندا معايدة بقولها: «عيد مبارك للناس المتأثرين بالسيول والأمطار ربنا يجبر بخاطركم»..! فيما كتبت فايقة يس في صفحتها «العيد الجا للناس ما جانا»، وهي إعادة إنتاج لأغنية للمغني الأشهر محمد الأمين، تقول: «العيد الجاب الناس لينا ما جابك».

بينما بدا عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب السودانيين راشد مصطفى بخيت، أكثر تشاؤما حين اكتفى بكتابة الحديث المنسوب للحسن البصري «كل عام ترذلون»، مجسدا بهذه الكلمات الثلاث قمة «السوداوية» التي تحيط بالناس هنا في الخرطوم.

أما الكاتب والناشط السياسي عبد الله رزق فاستعار أحد أدعية العيد السودانية، يقولون لبعضهم «الله يخدر ـ يخضر ـ ضراعك»، كناية عن توسيع الكسب، استعار الدعاء وأعاد إنتاجه ليخص الكاتبين: «ربنا يخدر كي بورداتكم»..! شباب «نفير»، والنفير تقليد طوعي في الريف السوداني يقوم على مساعدة أصحاب الحاجات بالعمل في مزارعهم، أو المشاركة في تشييد دورهم أو غيرها، وهي تقليد لربما سبق به السودانيون المنظمات الطوعية ومنظمات العمل المدني. وفور وقوع كارثة السيول والفيضانات التي وقعت الأسبوع الأخير من الشهر المبارك، تنادى شباب من مختلف الشرائح الاجتماعية والتخصصات المهنية والأعمار، ونظموا أنفسهم بسرعة قياسية في مبادرة أطلقوا عليها «نفير» مستهلين تراث النجدة السوداني، وكان أن قاموا بما فشلت الدولة بكل مؤسساتها، جمعوا الكساء والدواء والرواء للضحايا، لم يشغلهم عن ذلك صيام أو عيد.

ويعد كثيرون ولادة «مبادرة نفير»، ميلادا لأمل كاد السودانيون يفقدونه من سوء الحال الذي يعيشون.

ويجسد «جكسا لرصد الانتهاكات» هذا العجز الرسمي بنقله عن مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع، ووالي الخرطوم عبد الرحمن الخضر دعوتهم لتخصيص «ساعة دعاء بعض صلاة العيد»، وبسخرية مريرة يصفها بـ«بلغ السيل الزبى».

لكن رغم مرارة الإحباط، فإن التغريدات التي «تأمل» الكثير من شباب نفير، تحيل الفضاء الإسفيري لبوابة قد يتسلل منها ضوء من نفق المعاناة، يقول فاروق فريد: «صحي القومة ليك يا بلد.. شباب نفير أنتم عيد هذا العام».

وبقالب مملوء بالأمل ينقل عارف الصاوي عن التشكيلي أيمن حسين قوله وهو يصف لأحدهم موقع «مبادرة نفير»: «لما توصل حي العمارات شارع 37 تلقى شباب زي النمل والنحل والورد، حتعرف المكان، تلقى ناس زيك كدا وبشبهوك خش عليهم طوالي».

ليت الفيضان كان وحده، فقد سبقه بوقت طويل إلى مكامن السعادة عند الناس «غول الغلاء»، فحول الأسواق إلى نيران تحرق كل شيء: «الجيوب الفارغة، المدخرات، وزينة النساء». ولخص حال السوق والناس رئيس حزب الأمة الصادق المهدي في خطبة العيد قال: «صارت المعيشة نار الله الموقدة، ولأسعار زادت