ديميس روسوس أيقظ في جمهوره حنين الشباب فغنى وأمتع الحضور في «إهدنيات»

وصف حبه للبنان بمرض لا يستطيع الشفاء منه

حفلة ديميس روسوس في مهرجانات إهدنيات الدولية
TT

«مساء الخير، اسمي ديميس روسوس، ولدت في الإسكندرية عام 1946، أجول في العالم منذ 45 عاما، وأعتقد أنني مريض بحبي لهذه الأماكن في لبنان، أحد أجمل البلدان في العالم، وخصوصا منطقة الشمال، فأعود إليها دون أي تردد.. أنتم شعب رائع منتصر دائما، وأتمنى على أهلي في اليونان الاقتداء بكم». بهذه الكلمات استهل المغني اليوناني الأصل حفلته الغنائية التي أحياها ضمن مهرجانات «إهدنيات» الدولية. وقد تفاجأ الجمهور بإطلالة روسوس، إذ بدا لهم وللوهلة الأولى، قد تقدم في السن نحيلا ومتعبا من جراء إصابته بشلل نصفي أجبره على الغناء جلوسا، على كرسي خشبي، طيلة السهرة. ولكن الفنان سرعان ما انسجم في غناء أشهر رومانسياته معلنا بداية السهرة على طريقته.

بشعره الأبيض المعقوص وبقميص مزركش (أبيض وأزرق ليلي) واضعا على كتفيه سترة صوفية معقودة من الأمام أطل ديميس روسوس على جمهوره جالسا على كرسي وسط المسرح، منشدا أغنيته الشهيرة «Rain &tears». كان يشد بيديه في طلعاته الغنائية أحيانا ولا يتوانى عن هز قدمه اليسرى بقوة (كونها الجهة غير المشلولة) وعن التصفيق أو التلويح بيده من الجهة نفسها، أحيانا أخرى، تعبيرا عن انسجامه بالموسيقى الهائمة بين أشجار غابة إهدن تارة وفي فسحة سمائها المضاءة بنجوم متلألئة تارة أخرى والتي بدت أقرب إلى المسرح من تمديدات الإنارة المسلطة عليه.

كل شيء كان مستعدا لاستقبال ضيف «إهدنيات» بدءا من السكون المخيم على الحضور الكثيف (جميع المقاعد كانت محجوزة) في انتظار إطلالته، وصولا إلى جمال الطقس واعتداله والمناظر الطبيعة المحيطة بالمكان الذي ما لبث أن تحول إلى كتلة بشرية تنبض بالفرح وقد ارتسمت على وجوه أصحابها ابتسامة عريضة مع انطلاق الحفلة في الساعة التاسعة وخمسين دقيقة، أي بتأخير ما يقارب الساعة.

سرعان ما نسي الناس هذا التأخير عندما شاهدوا روسوس يغني ويرقص على كرسيه، فتفاعلوا معه وقوفا، غالبية الوقت يصفقون له مأخوذين بحضوره الحماسي رغم إعاقته.

ومن ثم انتقل روسوس إلى غناء «Ever &ever» و«We shall dance» و«Velvet morning»، داعيا الحضور بالفرنسية لمرافقته بالغناء وملوحا لهم مرات عدة ومرددا بالعربية «حبيب قلبي.. يلا»، وذاكرا بعض الأحيان كلمة «أرز لبنان» في كلمات أغنية ما «كون بلدة إهدن ملاصقة للأرز»، ولاجئا أحيانا أخرى إلى نوتات موسيقية من ابتكاره (تيرا تام تام وتشيكي تشيكي تام) عندما تخونه ذاكرته وينسى كلمات تلك الأغاني. بعد ذلك توقف المغني العالمي ولثوان قليلة عن الغناء سائلا عن رئيسة المهرجان ومنظمته ريما فرنجية (زوجة النائب سليمان فرنجية) قائلا لها: «لقد طلبت مني أن أغني (Triki triki mon amour) وبما أنها ليست ضمن برنامجي الغنائي ولم أتمرن عليها مع فرقتي فإنني سأقدمها لك (أكابيلا)، يعني غناء منفردا. وما إن بدأ في إنشادها وحده على الميكروفون دون موسيقى حتى وقف الحضور يرددها معه ويصفق له حماسا.

وكان لافتا اهتمامه بالجمهور فكان يسأله بين الحين والآخر إذا كان ممتنا وسعيدا قائلا له طالبا منه بذلك إظهار حماسه وسعادته عاليا وبصوت مرتفع.

وبعد انتهائه من أداء أغنية «Oh mammy mammy blue» طلب ممن يحب الرقص على موسيقى «زوربا» اليونانية التقدم من المسرح لمرافقته على أنغام أغنية «My friend the wind»، معلقا بالعربية: «أيوه عالواحدة ونص».

وسجل على هامش المهرجان حضور كثيف من أهل الإعلام والفن فيما جلست رئيسة المهرجان ريما فرنجية وسط الحضور في المقاعد الخلفية فاسحة المجال أمام محبي المغني اليوناني العالمي والشخصيات الرسمية والمدعوين في الجلوس على الأمامية منها. ووزعت خلال الحفلة شموع بلاستيكية تعمل على البطارية أضاءها الجمهور وهو واقف يلوح بها يمينا ويسارا على إيقاع الأغاني التي أداها روسوس، مما شكل لوحة جميلة تألفت من مجموعة حضور لافت 3000 شخص أظهروا حماسة كبيرة وفرحة باستعادة زمن الفن الجميل. أيقظ روسوس الحنين إلى الشباب وإلى لحظات رومانسية استرجعها كما هي من خلال أنغام وأغان لطالما رددها أو رقص على أنغامها في حكاياته مع الحب. المتزوجون من جيل تجاوز الأربعينات والخمسينات غنوا مع ديميس روسوس ممسكين بأيادي بعضهم البعض وكذلك الأمر بالنسبة للعشاق من أعمار مختلفة وعلى مقاعد أخرى وقفت بعض النساء وحيدات مدمعات ترددن الأغنيات حرفيا وهن مبتسمات بنفس الوقت لأنها تمثل لهن مواقف ومحطات عزيزة على قلبهن، فيما اصطحب بعض الشباب أهاليهم ليمتعوا النفس بأجواء موسيقية أعادت إلى أذهانهم شريطا مصورا قصيرا عن أيام الصبا لعبت تلك الأغاني فيها يوما ما دورا كبيرا.

ورغم أن المغني العالمي رافقته فرقة عزف حية مؤلفة من مغنية كورال وثلاثة عازفين على الغيتار والدرامز والأرغن فإنه تمت الاستعانة أحيانا كثيرة بموسيقى أو صوت المغني على طريقة الـ«بلاي باك» عندما كانت تخونه ذاكرته في ترداد كلمات أغنية ما.

ضمت وصلته الغنائية نحو 13 أغنية وكان يصرخ بين الواحدة والأخرى منها بصوت جهوري «I love you» (أحبكم) أو عبارة «كيف تفعلون لتكونوا رائعين هكذا؟» مما كان يشعل أجواء الحماس بين الحضور أكثر فأكثر، ولا سيما أثناء أدائه أغنية «Good bye my love goodbye» و«Sirtaki» و«Lovely lady».

وختم ديميس روسوس حفلته متوجها إلى الجمهور بالقول: «إليكم الآن المفاجأة»، منشدا أغنيته «Far away» ذات الإيقاع السريع فتفاعل معه الجمهور غناء ورقصا بعدها ودع المغني اليوناني محبيه شاكرا لهم حضورهم لينتقل وبخطوات ثقيلة إلى الكواليس مستعينا بشخصين لذلك.

وهكذا انتهت واحدة من أجمل ليالي مهرجانات لبنان بغمضة عين كما وصفها كثيرون، تاركين مقاعدهم، وهم يرددون عبارة «رزق الله على تلك الأيام»، والبعض الآخر انتقد الوقت القصير الذي استغرقته الحفلة (ساعة واحدة)، إذ كان الجمهور يمني النفس بمجموعة أكبر من أغاني روسوس، في حين أكملت شريحة لا يستهان بها منهم ترداد أغانيه متوقعة أن تكون هذه الحفلة لربما الأخيرة له نظرا لحالته الصحية المتردية.