العرضة السعودية في الجنوب تقاليد متوارثة على مدى أربعة قرون

كانت طريقة لحشد المقاتلين في الحروب

تعتمد العرضة الجنوبية على نوعين من الطبول «زير وزلف» وتكون نسبتها واحد إلى اثنين فكل طبلة «زلفة» يقابلها اثنان من طبول «الزير»
TT

تعود العرضة تاريخيا إلى مئات السنين، لكن على وجه التحديد والدقة لا تعرف بدايتها، إلا أن أقدم نص شعري موثق لها يعود إلى القرن العاشر الهجري بحسب الباحث في التراث الشعبي قينان الزهراني، والعرضة التي تعد الموروث الشعبي الأبرز في المنطقة الجنوبية يعود تاريخها إلى أبعد من ذلك بقرون بحسب الزهراني.

وارتبط الرقص في العرضة بالسلاح لأنها الرقصة الوحيدة التي كانت القبائل والقرى تحشد فيها مقاتليها للدفاع أو للهجوم على الآخرين في فترة ما قبل توحيد المملكة، واستمر الرقص بالأسلحة، خصوصا السلاح الأبيض مثل السيوف والجنابي جمع جنبيه، كما استمر الشعر الذي يقال ويردد أثناء الرقص على نوعين «الفخر والمديح»، ويندر أن تقال في العرضة أشعار غزلية بسبب إرثها القديم.

يقول الزهراني من المؤكد إن العرضة كرقصة شعبية واسعة الانتشار في جنوب غرب السعودية وكأحد ألوان التراث تعود إلى ما قبل القرن العاشر الهجري بكثير، ولكن الباحثين في التراث الشعبي يستدلون بالنصوص الشعرية التي صاحبت هذا النوع من الرقص الشعبي والشخصيات التي قالت هذه الأشعار.

وبحسب الزهراني فإن النص الأقدم للعرضة الجنوبية هو للشاعر سعيد بن رقوش الزهراني شيخ قبيلة زهران الذي قال قصيدة وورد اسمه في الرد على هذه القصيدة، ويوضح الباحث في التراث الشعبي أن حفيد الشاعر «سعيد بن رقوش» ولد في عام 1080هـ، ويقول النص الشعري:

«حكم لراعي القرن سيدي حيدرة ما يدري إن الحكم عندي في البلد حلفت لاهب في مسيكة مجزرة مجزرة يعلم بها الجد الولد» وكان الرد:

«يا عم سعيد يا كلامك ما أكبره لا تأمن الدنيا ترى الدنيا بعد إن ما تعديت الردم فأنا مره واسقيك من حثو كما حثو البرد» وتعتمد العرضة الجنوبية على قصائد شعرية مكونة من «بدع، ورد»، والبدع هي القصيدة التي يبدأ الشاعر بها ويكون حرا في قافيتها، بينما الرد يلتزم فيه الشاعر بالقافية التي وردت في القصيدة الأولى.

وهنا يشير الباحث قينان الزهراني إلى أن شعر العرضة الجنوبية في بداياته كان أبياتا شعرية مقفاة كما يتضح من النص الشعري الذي يوثق لتاريخ العرضة، إلا أنه وقبل أكثر من قرنين من الزمان تحول شعراء العرضة عن القصائد المقفاة إلى ما يعرف بـ«شعر الشقر»، وهذا النوع من الشعر يعتمد على «كلمة ذات معنيين أو تحتمل معنيين في نهاية كل لازمة شعرية».

يقول الزهراني إن أقدم نص شعري من نصوص «شعر الشقر» يقول:

«يا عرابي قرب الوعيد *** وأورد الغبات نهلها» «ودنا لأرحامنا بعيد *** عل بعثر تعرف أهلها» ويبين الباحث في التراث الشعبي الجنوبي أن شعر العرضة من نوع الشعر السهل الممتنع، فمن السهل بدع قصيدة عرضة، لكنها إذا كانت غير مناسبة للحدث أو ركيكة لن تنسى أبدا، وستصبح وصمة عار لمن تجرأ وقالها.

تعتمد العرضة الجنوبية على نوعين من الطبول «زير وزلف» وتكون نسبتها 1 إلى 2، فكل طبلة «زلفة» يقابلها اثنان من طبول «الزير»، ويدور الراقصون في صفين متوازيين حول الطبول في حركة دائرية عكس عقارب الساعة وفي محيط دائرة نصف قطرها عدة أمتار، وتستخدم فيه الجمل الشعرية والقصائد الطويلة، وهذا هو الشكل الراهن لرقصة العرضة التي تقام في الأفراح والاحتفالات والمناسبات العامة، ويبين الزهراني أن العرضة بشكلها الراهن أصبحت تقام لعدة ساعات وفي الليل غالبا، وهو خلاف تاريخها، حيث كانت تقام لفترة ساعة تقريبا وفي النهار.

ويوضح الزهراني أن العرضة في بداياتها كان لها عدة أشكال، أولها «عرضة الحرب» التي كانت القبائل من خلالها تحشد المقاتلين، وكان هذا النوع من العرضة قبل توحيد المملكة، وهذا النوع له إيقاع خاص وطريقة خاصة لقرع الطبول، ولا يرقص في هذه العرضة إلا أبناء القبيلة أو القرية التي تستعد للقتال.

والنوع الثاني عرضة مغادرة القرية، وهذه الرقصة تكون بشكل مستقيم ينتظم فيها الراقصون في صفين، ويسيرون إلى الأمام وتنتهي بعد الخروج من القرية بنصف كيلومتر تقريبا، وتقال فيها القصائد والجمل الشعرية القصيرة.

والنوع الثالث عرضة دخول القرية، وهي تكون لضيوف القرية أو لعودة أبناء القرية من حرب أو مناسبة خارج القرية، وفي هذه العرضة يدخل الراقصون في صفين متوازيين وبشكل مستقيم حتى وسط القرية، وتقال فيها قصائد قصيرة للسلام على أهل القرية أو للإخبار عن مهمتهم التي كانوا فيها ويرقصون بشكل دائري لفترة بسيطة ثم يتفرقون.

يقول الزهراني إن العرضة كانت تقام في النهار وتحديدا بعد العصر، وتستمر لفترة بسيطة أقل من ساعة، يقول فيها الشاعر قصيد «بدع ورد» والشعر الذي يقال فيها شعر حماسي كما كانت العادة أن يرد الشاعر على قصيدته، ويضيف: لم تكن العرضة تقام في الليل كما في الفترة الراهنة، لأن الليل كان مخصصا لنوع من الرقص يقام في المناسبات السعيدة كالأفراح والأعياد يسمى «اللعب» ويعتمد على إيقاعات مختلفة، والشعر الذي يقال فيها يكون شعرا غزليا.

ويعقب اللعب الذي يقام لعدة ساعات رقصات أخرى كختام للمناسبة، وكنوع من الراحة للمشاركين في اللعب، مثل «المسحباني والهرموج والمهشوش»، وهي تعتمد أيضا على الأشعار الغزلية لكن من الجمل الشعرية القصيرة.