بيت أنطون تشيكوف الريفي مزار أدبي شاهد على تاريخ أكثر من قرن

أنتج فيه معظم أعماله الأدبية الشهيرة من بينها «العم فانيا» و«النورس»

يعكس العمل الدؤوب لمجموعة من الأفراد كرسوا وقتهم لإنقاذ البيت المتحف بسبب إهمال السلطة السوفياتية للمكان
TT

في دولة كبيرة مثل روسيا المعاصرة يبدو اكتشاف كنز ثقافي متواضع لدى كثير من الروس أمرا مفاجئا. ومثال على هذا المتحف الملحق بالبيت الريفي السابق للكاتب الشهير أنطون تشيكوف والذي أنشئ فقط في عام 1954. إنه ليس مميزا بشكل كبير عن مدينة تشيكوف القريبة التي أصبحت مزيجا متردي من الشقق السوفياتية التي تدهورت أوضاعها بعد سقوط النظام السوفياتي في بداية تسعينات القرن الماضي.

لكن بمجرد أن يجتاز الزائر خطوط السكك الحديدية التي أتت بأسرة تشيكوف من قبل إلى هنا من موسكو، على بعد مسافة 50 ميلا تقريبا جهة الشمال، وباتجاه الطريق إلى ماليخوفو، يظهر المشهد الريفي.

يعكس المتحف العمل الدؤوب لمجموعة من الأفراد كرسوا وقتهم لإنقاذ البيت المتحف بسبب إهمال السلطة السوفياتية للمكان. اليوم، لم يعد المتحف مجرد مزار لأحد أعظم الكتاب في العالم، وإنما أيضا شاهد على تاريخ أكثر من قرن.

اشترى تشيكوف المباني في عام 1892 عندما كان في سن الثانية والثلاثين، وكان بالفعل كاتبا ناجحا، بعد رؤية إعلان عنها في إحدى الصحف. أما اليوم تصطف عشرات اللوحات الإعلانية على طريق سريع خارج موسكو، تعرض قطع أراض وبيوت ريفية روسية في نسخة القرن الحادي والعشرين من جنة ريفية روسية.

أبدى الكاتب وأسرته الكبيرة – والداه وشقيقته وأشقاؤه الثلاثة – إعجابا فوريا بالمكان، بحسب كسينيا تشايكوفسكايا، كبيرة أمناء مجموعة تحف تشيكوف هنا: «لم يبدُ أي عنصر ضئيلا بدرجة متناهية بحيث يستحيل الاحتفاظ به، نظارة الأنف الخاصة بالكاتب على مكتبه وياقات القميص في خزانة الملابس، ومتعلقات أخرى تملأ خزانات خشبية وخزانات معدنية في مكتب تشايكوفسكايا المكتظ، الذي كان في السابق غرفة نوم لأم تشيكوف».

خلال السبعة أعوام التي قضاها تشيكوف في ماليخوفو، قبل أن تجبره صحته الضعيفة على الانتقال إلى منتجع يالطا. توفي الكاتب جراء إصابته بالسل في عام 1904 في ألمانيا، بعد بلوغ سن 44 عاما. على الرغم من وفاته مبكرا إلى انه تمكن من نشر 42 عملا أدبيا، من بينها «العم فانيا» و«النورس»، وقصص قصيرة، مثل «جناح 6». ملحق صغير تابع للبيت يحمل اسم «تشايكا» أو النورس، أي اسم العمل المسرحي الذي كتبه.

في المكان لوح معدني يحمل عبارات لتشيكوف نفسه لتقديم الهيكل الخشبي المؤلف من ثلاث غرف نوم – أقيم بالأساس لضيوف، لكن بمرور الوقت، أصبح مكانا يعتزل فيه الكاتب بعيدا عن هرج ومرج الأسرة – مثل «المنزل الصغير»، حيث ألف المسرحية التي تحمل الاسم نفسه، والتي ربما تكون أحب الأعمال إلى قلب قرائه.

في أحد الأيام عندما أغلق المتحف تمكنت تشايكوفسكايا خلال 90 دقيقة من تنظيم جولة استطلاع لاثنين من الزائرين لتحكي لهما تاريخ البيت الريفي. وذكرت أن أفراد أسرة تشيكوف كانوا يتسلون ويزرعون ويرسمون ويؤلفون قطعا موسيقية – هكذا كانت أوقات التسلية في تلك الفترة لأجيال من الروس ممن كانوا قادرين تحمل أعباء الحياة. كان ألكسندر، شقيق الكاتب المسرحي، مصورا فوتوغرافيا ماهرا، وعند زيارتك المكان تشاهد صور ضيوف وأفراد الأسرة على جدران المنزل الخشبي الرئيسي، جنبا إلى جنب مع أعمال لفنانين روس مشهورين وزائرين أمثال الرسامين إيساك ليفيتان وفاسيلي بولينوف.

وإلى جانب الكتابة والمشاركة في حسن الضيافة في البيت الريفي، عمل تشيكوف أيضا كطبيب، حيث كان يقوم بإعداد أدوية خاصة به. وبحسب تشايكوفسكايا، كان دائما مستعدا لعلاج أفقر المرضى. وأضافت أن المبدأ الموجه لتشيكوف في هذا، كان هو «الإسراع إلى عمل الخير»، وهو قول مأثور لفردريك هاس، كبير الأطباء بمستشفيات سجن موسكو في القرن التاسع عشر.

ربما شعر الكاتب بأنه ملزم بتقديم الخدمة ليس فقط بسبب تدريبه الطبي، ولكن أيضا لأن والده، بافيل، بدأ حياته بمعاناة الإنسان الأجير، وفقط نال حريته عندما بلغ سن السادسة عشرة.

خصصت تشايكوفسكايا (66 سنة)، 42 عاما من حياتها العملية للبيت الريفي في ماليخوفو. ولاحظت كيف تجدد البيت بعد أن لحق بها الدمار التام عندما أصبحت جزءا من مزرعة جماعية سوفياتية، أو «كولخوز» في عشرينات القرن العشرين. وأضافت في حسرة: «بعد الكولخوز، لم يعد هناك سوى قاذورات».

عاشت ماريا تشيكوفا، شقيقة الكاتب، حتى التسعين من عمرها، وفي عام 1940 مع اقتراب الحرب، حاولت إعطاء ملحق تشايكا الصغير صفة المتاحف الرسمية، بحسب تشايكوفسكايا. وتجدد الجهد الحقيقي لتجديد البيت بعد الحرب العالمية الثانية، عندما انتقل يوري أفديف، فنان عاد من الحرب شبه ضرير، إلى هنا. وعمل أفديف مع تشيكوفا وأحد أقارب تشيكوف خلال خمسينات القرن العشرين في إعادة إنشاء المنزل الرئيس، الذي كان مهجورا، بحسب تشايكوفسكايا.

* خدمة «نيويورك تايمز»