اقتباس تلفزيوني عن فيلم هيتشكوك الرائع

السيدة التي لا تزال تختفي..

«السيدة تختفي» - النسخة التلفزيونية
TT

هناك مغامرة أخرى في قطار سريع أمتها محطة PBS في الخامس عشر من هذا الشهر عندما بثت حلقة جديدة من برنامجها الدرامي الناجح Masterpiece Mystery الذي يقوم على تقديم رواية بوليسية أو جنائية مشوقة عادة ما تكون مقتبسة من واحد من الكلاسيكيات الأدبية.

السلسلة التلفزيونية التي انطلقت في عام 1980 قدمت لهواة هذا النوع من الدراما مئات الأعمال إلى اليوم موزعة على نوعين من الإنتاجات: الأول هو كناية عن أعمال بوليسية منفصلة الحكايات من بينها، مثلا، Silk وFoyle›s War وMurder on the Orient Express. أما الثاني فلأعمال بوليسية تتبع بعضها بعضا في حلقات ومنها، على سبيل المثال سلسلة «التحري لويس» التي ابتدعها كولين دكستر ومجموعة من حكايات أغاثا كريستي التي أسندتها إلى بطلتها الحشورية مس ماربل وسلسلة مقتبسة من أعمال آرثر كونال دويل بطولة تحريه المفضل لدى الكثيرين شرلوك هولمز.

الحلقة الجديدة من هذا البرنامج تتبع النطاق الأول: فيلم تلفزيوني من ساعة ونصف مأخوذ عن رواية الكاتبة إيثل لينا وايت (1944 - 1876) التي صدرت تحت عنوان «العجلات تدور» سنة 1936 كواحدة من نحو عشرين رواية صدرت لها ما بين 1927 و1944 وطرحتها في سوق الأدب البوليسي بوصفها واحدة من أفضل كتاب هذا النوع في تلك الفترة.

في الواقع، لا تقل إيثل إجادة عن الكاتبة الأشهر منها أغاثا كريستي (1890 - 1976) التي تبوأت الصدارة منذ أن بدأت النشر على نحو محترف سنة 1910. لكن «العجلات تدور» تبقى واحدة من أفضل أعمال إيثل والمخرج ألفريد هيتشكوك قفز على فرصة تحويلها إلى فيلم بعد عامين فقط من نشرها مغيرا عنوانها إلى «السيدة تختفي».

* على حافة النسيان

* إنها حكاية امرأة جميلة وشابة اسمها إريس تنتظر، مثل مسافرين آخرين من بلدة أوروبية عائدة إلى لندن. خلال وجودها في أحد الفنادق تتعرف الفتاة على امرأة مسنة وودودة اسمها مس فروي. في صباح اليوم التالي تستقلان القطار الذي وصل في موعده المحدد، وهو ينطلق من المحطة كالمعتاد. على متن القطار، بعد استعراض بعض المواقف والشخصيات، تغط إيريس في نوم عميق. حين تستيقظ لا تجد مس فروي. أكثر من ذلك، ينفي الجميع وجود امرأة عجوز بمثل مواصفات مس فروي على متن القطار. ومع أن إريس تسأل أولئك الذين تبادلوا الحديث مع مس فروي وبحضورها، إلا أن هؤلاء ينفون حدوث ذلك. لا أحد يبدو راغبا في تصديق إريس أن سيدة كانت على متن هذا القطار وأنها الآن اختفت باستثناء متطوع شاب يقع في حب إريس خلال هذه الرحلة الغامضة. باقي الأحداث ستدور حول البحث عن مس فولي وأسباب رفض الشخصيات الاعتراف بوجودها وما وراء ذلك من مكيدة قربت هيتشكوك أكثر وأكثر من مرحلة من أعماله السينمائية التي تحدث فيها عن منظمات إرهابية وتخريبية (شغل ذلك الزمن) تتجسس أو تخطط لعمل ما.

الفيلم التلفزيوني الجديد (ثالث اقتباس مصور من الرواية بعد نسخة عالقة على حافة النسيان أخرجها أنطوني بايج من بطولة إليوت غولد وسيبيل شيبرد سنة 1979) يتبع الحكاية كما كتبت، لكن في حين أن فيلم هيتشكوك تؤسس جيدا للعلاقة بين إريس ومس فولي، يمر الفيلم التلفزيوني على هذا التأسيس سريعا ليمنح بطليه الشابين (إريس والشاب الذي ينبري لتصديقها) صدارة مزدوجة: هما لا يزالان يبحثان عن الحقيقة وفي الوقت ذاته يتعاملان مع نشأة قصة حب بينهما.

أخرج الفيلم الجديد ديارمويد لورنس (سبق له وأن قدم عملا تلفزيونيا سابقا بعنوان «ركوب جنوبي» South Riding) ولورنس ليس هيتشكوك وهذا يعني أن العبث الساخر لسيد التشويق يغيب - تلقائيا - بسبب اختلاف المنهج والأسلوب والنظرة إلى الأمور. واحد من عناصر هذه السخرية شخصيتين ثانويتين في رواية كما في فيلم هيتشكوك: هاويا لعبة كريكيت في طريقهما إلى لندن لحضور مباراة تضم لاعبين بريطانيين وآخرين من دول الكومنولث. هيتشكوك يضعهما في صورة كاريكاتورية وغايته الهزء من شخصيات لا تزال تعيش مفهوم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. هاتان الشخصيتان لا وجود لهما في العمل الجديد.

* تلك الحبكة الغريبة

* ربما من غير المنصف مقارنة أي عمل جديد بالأصل إذا ما كان الأصل من صنع سينمائي فريد، لذلك يكفي «السيدة تختفي» الحالي أنه لم يرد استنساخ عمل سابق. لكن هذا ما تحاشاه أيضا فيلم أنطوني بايج قبل أن يختفي بنفسه. المشكلة هي أن المقارنة تقع بشكل تقليدي حالما يتم تحقيق عمل ما سبق تحقيقه وبنجاح - من قبل. من الزاوية ذاتها، هذه المشكلة غير موجودة أصلا لمن لم يشاهد العمل الأصلي. المشاهد «الجديد» ليس مجبرا بالتالي على المقارنة ولا يستطيع ذلك في أي حال ما يمنح هذه النسخة التلفزيونية حضورها الذي تستحقه وتبرز أهمية الحبكة التي تنطلق منها.

والحقيقة أن هذه الحبكة هي أقوى عناصر هذا العمل. الكاتبة إيثل وايت وضعت فكرة بارعة: كيف يمكن لراكب قطار سريع سوف لن يتوقف عند أي محطة أن يختفي فجأة؟ السؤال يصبح أكثر غرابة حين تتحدث عن راكب هي امرأة عجوز تبدو من الظاهر بريئة ولا علاقة لها بما كان يتفاعل في النصف الثاني من الثلاثينات من بلورة مواقف سياسية بين الدول الأوروبية. صعود النازية من ناحية وأوضاع البلقان من ناحية أخرى. أي شيء، توعز الرواية ويؤكد هيتشكوك، كان يمكن له أن يقع - بما في ذلك اختفاء سيدة عجوز يريد البعض التخلص منها (وهيتشكوك يسبق صعود القطار بحادثة أخرى حين تتعرض العجوز لحادثة أخرى مدبرة لكنها تنجو منها بأعجوبة).

يتبع كل ذلك الغموض رفض الركاب الآخرين (بعضهم عن قصد) الاعتراف بأن السيدة العجوز كانت في القطار موحين أولا ثم مؤكدين بعد ذلك أن إريس تتخيل ربما نتيجة وهم أو ضربة على الرأس (تعرضت لذلك قبل ركوبها القطار).

على صعيد التمثيل، نجد في الإنتاج الجديد إقداما جادا على تأدية الأدوار الرئيسية تحديدا سالينا كادل في دور مس فروي، وتوبنس ميدلتون في دور إريس وتشارلز آيتكن في دور تشارلي، الشاب الذي يربح الفتاة والقضية معا.

هؤلاء يخلفون بالطبع ماي ويتي ومرغريت لوكوود ومايكل ردغراف في الأدوار الثلاث المذكورة في نسخة 1936. قبل ثماني سنوات وجدنا اقتباسا آخر (في واقعه عملية لطش، كون صانعي الاقتباس لم يذكروا المصدر) في هيكل فيلم أميركي عنوانه «خطة طيران» Flightplan أخرجه الألماني روبرت شونتكي من بطولة جودي فوستر.

حبكة هذا الفيلم هي أن أميركية عائدة من ألمانيا إلى بلدها اسمها كايل (فوستر) تركب الطائرة مع ابنها الصغير. تنام. تفيق. لا تجده. تنطلق باحثة عنه وركاب الطائرة لا يصدقون أنها كانت بصحبة أحد. في حين أن المؤامرة في «السيدة تختفي» ذات بعد سياسي، فإن تلك المرتسمة على شاشة «خطة طيران» ذات بعد شخصي (أمن الطائرة كما يؤديه بيتر سارسغارد رجل فاسد ينفذ خطة زوج المرأة لكي تبدو وقد فقدت عقلها). البعد القيم الوحيد، والذي أخفق الفيلم في توظيفه، هي أنها كانت مستعدة لإلصاق تهمة الخطف برجلين آخرين لمجرد أنهما عربيان.