«شرم ينبع» وحكاية مخبز أقيم في منطقة جرداء

احتضن المكان لقاء الملك عبد العزيز وفاروق ملك مصر قبل 70 عاما

بقايا آثار الفرن.. ويبدو في الصورة أحد سكان ينبع البحر (تصوير: ثامر الفرج)
TT

قبل 70 عاما التقى الراحل الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة العربية السعودية والملك فاروق ملك مصر، في منطقة كان يطلق عليها في تلك الحقبة «شرم رضوى» الذي يبعد عن قلب المدينة بنحو 15 كيلومترا.

ويقع شرم رضوى المعروف حاليا بـ«شرم ينبع» ضمن النطاق العمراني للمدينة في الوقت الراهن، وهو لسان بحري يطل على البحر الأحمر، فكان نقطة الالتقاء التاريخي بين العاهلين السعودي والمصري، وكانت منطقة شرم رضوى جرداء لا زرع فيها ولا ماء، يشرف عليها جبل رضوى، وهو تل شاهق، لذا نسب اللسان البحري إلى الجبل وأخذ مسمى «شرم رضوى».

قبل الزيارة المقررة للملك فاروق، عكفت الحكومة السعودية على تجهيز الموقع بما يتناسب واستقبال ضيف البلاد ومرافقيه من الوزراء والعسكريين والحاشية، وعلى الرغم أن التاريخ وسكان المدينة من كبار السن لم يرصدوا عدد الواصلين إلى الموقع من الجانبين، إلا أنهم أجمعوا على أن العدد تجاوز الألف شخص بخلاف الجنود والضباط، فيما تم تهيئة المنطقة الجرداء بالخيام والسرادق التي جهزت بغرف النوم والمرافق، إضافة إلى أعداد العاملين على تلك الخيام والسرادق من فنيين ومهندسي اتصالات لاسلكية وغيرهم.

ومن ضمن ما تم تجهيزه في ذلك المكان، «مخبز» لإنتاج الخبز والحلويات بأنواعها، وهو ما دفع القائمين على الزيارة الملكية لاتخاذ قرار بإنشاء مخبز يوفر كميات دون الاستعانة أو الاعتماد على مخابز ينبع، نظرا لصغر حجم المدينة وضعف إنتاجها من الخبز.

ووفقا لروايات متداولة، فإن الفرن الذي أنشئ في ذلك الموقع، استطاع إنتاج ما بين 2000 و2500 رغيف، وأن أربعة أشخاص من ذوي الخبرة في صناعة الخبز عملوا طيلة فترة إقامة الملك عبد العزيز وضيفه الملك فاروق في «شرم ينبع»، وهي كميات لا يمكن أن تنتجها المخابز الموجودة في ينبع في تلك الفترة.

يقول الباحث والمؤرخ عبد الكريم الخطيب لـ«الشرق الأوسط» إنه قبل قدوم الملك فاروق إلى السعودية، أمر الملك عبد العزيز بتجهيز المكان بما يتلاءم والضيف القادم للبلاد، ومن ذلك أنه وجه وزير ماليته - آنذاك - الشيخ عبد الله السليمان بإنشاء مخبز متكامل، يقوم على توفير ما يحتاج إليه الضيف ومرافقوه من خبز، وأنه على الفور اتفق وزير المالية عبد الله السليمان مع الشيخ محمد بن لادن على بناء الفرن الذي تم تحديده بجوار السرادق، وتمت عملية تشييده بمواصفات عالية كي يكون جاهزا لإنتاج الخبز وبعض أنواع الحلوى.

فيما وقفت «الشرق الأوسط» على الموقع التاريخي الذي جمع الملك عبد العزيز والملك فاروق، بعد رحلة مضنية من البحث والتحري، بمساعدة أحد المهتمين بالآثار، خصوصا أن المكان كان سببا في تجمع الأمة العربية في منظومة واحدة، حيث نبعت فيه فكرة إنشاء «الجامعة العربية»، إضافة إلى توثيق العلاقات بين البلدين، وما رصدته عدسة الزميل لبقايا آثار «فرن» في منطقة تحيط بها المباني من كل اتجاه.

وتعمل لجنة التنمية السياحية في محافظة ينبع على تأهيل الموقع وإعادة بناء المخبز بما يتوافق ليكون معلما سياحا يساعد على استقطاب السياح السعوديين والقادمين من خارج المملكة.

وفي هذا الصدد قال يوسف الوهيدي، أمين عام لجنة التنمية السياحية في محافظة ينبع، إن المحافظة تولي اهتماما بكل المواقع السياحية والأثرية، ومن ذلك المخبز والموقع الذي جمع مؤسس المملكة المغفور له الملك عبد العزيز، والملك فاروق، إذا يعتبر هذا الموقع من الإمكان السياحية والآثارية التي تهتم بها المحافظة.

وأردف الوهيدي، إن الهيئة العامة للسياحة والآثار، تقوم بدور هام في إعادة بناء الفرن بشكل يتناسب لاستقبال مرتادي ينبع من خارج المحافظة والمهتمين بالسياحة وزيارة المواقع الأثرية، لافتا أن الموقع سيحظى بإنشاء معرض متكامل يحكي تاريخ اللقاء التاريخي، وسيكون المعرض مدعوما بعدد من الصور والآثار المتبقية من تلك الزيارة. وأضاف أمين عام لجنة التنمية السياحية في ينبع، أن هناك ثلاثة مخططات منظورة للبث فيها حول شكل ومكان إنشاء المرافق المساندة بجوار المخبز، والتي ستكون داعما لتدفق الزائرين من داخل المحافظة ومن خارجها، متوقعا أن يكون الموقع جاهزا بعد الترميم وتوفير كل المستلزمات مع مطلع العام الجديد 2014، وسيكون متاحا للعموم مشاهدة ومعايشة اللحظات التاريخية لذلك اللقاء.

وبحسب مهتمين في الشأن السياحي، أنه في حال الانتهاء من ترميم المخبز وتوفير المرافق الداعمة من صور ومقتنيات، سيسهم ذلك في رفع أعداد السياح للمحافظة، خاصة أولئك الباحثين عن الآثار التاريخية المرتبطة بأشخاص لهم ثقلهم السياسي في المنطقة العربية وعلى مستوى العالم.

ويرى عبد العزيز العوفي، إعلامي من محافظة ينبع، أن المحافظة تبنت بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار جملة من الخطط للحفاظ على الآثار التاريخية في المحافظة، ومنها إعادة ترميم المخبز الذي يحمل كثيرا من الإشارات التاريخية المرتبطة بعمق العلاقات السعودية المصرية، التي شدد عليها المغفور له الملك عبد العزيز.

وقال العوفي، إن الروايات وما تردد على سكان ينبع، إن تلك الزيارة كان لها أثر كبير في وضع كثير من النقاط ومنها الاتفاق على إنشاء وتكوين الجامعة العربية، بخلاف تعميق أواصر العلاقات الاجتماعية والسياسية بين البلدين، لذلك يعتبر سكان ينبع أن هذا الموقع وما تبقى من آثار للمخبز له خصوصية يجب المحافظة عليها، وتعريف الجيل الحالي بما كان في هذه البقعة من ينبع.

وفي هذا الصدد يروي أحمد محمد، أحد سكان مدينة ينبع، أن الموقع الذي جمع الملك عبد العزيز والملك فاروق «رحمهما الله» من المواقع المطلة مباشرة على البحر، لافتا إلى أن كثيرا من زوار المحافظة يتساءلون عن ذلك الموقع التاريخي الذي جمع الزعيمين، وأن قلائل من سكان المحافظة من يعرف تحديدا مكان مضارب المخيم الملكي و«المخبز» الذي جهز لهذه المناسبة.