الأجسام الطائرة المجهولة في «المنطقة 51» في نيفادا كانت طائرات تجسس

سريتها غذته هوليوود بسلسلة من الأفلام عن وجود كائنات فضائية

طائرات تجسس من طراز يو-2 كان يجري اختبارها في هذه القاعدة السرية للغاية (أ.ب)
TT

قبل يومين خابت آمال أصحاب نظرية المؤامرة والخيال التي غذتها هوليوود بسلسلة من الأفلام عن وجود كائنات فضائية، أو ما أصبح يعرف بسم أجسام طائرة مجهولة (يو إف أو) بعد الكشف عن أن «المنطقة 51» في صحراء نيفادا في الولايات المتحدة الأميركية لم تكن سوى موقع اختبار لطائرات تجسس خلال الحرب الباردة.

أفلام هوليوود لم تغذ فقط الهوس الأميركي برصد ظواهر خيالية من هذا النوع، أي رؤية هذه الأجسام الطائرة في سماء الولايات المتحدة، وإنما خلقت ظاهرة عالمية، وأصبحت هذه الأجسام يشاهدها الناس في مناطق مختلفة من العالم، أو كما يخيل لهم.

الأجسام الطائرة التي كانت تظهر في سماء الصحراء وتسببت في نسج روايات عن قطاع أطلق عليه اسم «المنطقة 51» ليست في الواقع سوى طائرات تجسس من طراز يو - 2 كان يجري اختبارها في هذه القاعدة السرية للغاية.

ظاهرة الصحون الطائرة لم يعترف بها رسميا، لكنها ظهرت في الكثير من الروايات والأفلام وكتب الكرتون المصورة وعقول من يؤمنون بنظرية المؤامرة، الذين يعتقدون بأن الولايات المتحدة تحتفظ سرا بحطام الصحون الطائرة. فيلم «رجال في الزي الأسود» أحد الأفلام الذي تناول هذا الموضوع. الفيلم مبني على هذا الاعتقاد بأن «الرجال في الزي الأسود» يتواجدون في المكان الذي تجري فيه الولايات المتحدة تجاربها على حطام الصحون الطائرة، وفي هذا المكان يقوم هؤلاء الرجال بحماية الأرض من الأجسام الغريبة التي تغزوها.

وكشفت هذه المعلومات في تقرير رسمي عن تاريخ برنامج «يو - 2» بين 1954 و1974 حرره مؤرخان في السي آي إيه ورفعت السرية عنه مؤخرا. ولم يرد في هذا التقرير الذي يقع في 400 صفحة أي ذكر لحادثة روزويل التي جرى الحديث خلالها عن تحطم طبق طائر في نيومكسيكو في 1947 ثم إخفائه وفحصه في «المنطقة 51».

في المقابل تعتبر هذه المنطقة التي تمتد نحو عشرين كيلومترا في الصحراء والواقعة شمال غربي لاس فيغاس على أنها نقطة انطلاق الطائرة التي قادها غاري باورز الطيار الذي أسقطت طائرته فوق الاتحاد السوفياتي في 1960.

وكان مسؤول في السي آي إيه يدعى ريتشارد بيسل اكتشف بينما كان يحلق بطائرة صغيرة من طراز بيتشكرافت في أبريل (نيسان) 1955 ما بدا له أنه مهبط للطائرة يقع على بحيرة مالحة تحمل اسم غروم ليك.

وتقع قطعة الأرض هذه شمال غربي منطقة تجارب تملكها مفوضية الطاقة الذرية الأميركية كما يبدو من خارطة للمنطقة نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية أيضا. لكن هذه ليست المرة الأولى التي تعترف فيها وكالة الاستخبارات بوجود «المنطقة 51».

ففي وثيقة رفعت السرية عنها ووضعت على الإنترنت في أكتوبر (تشرين الأول) 2012. تتحدث مذكرة تعود إلى 1967 حررها مدير السي آي إيه حينذاك ريتشارد هيلمز عن إطلاق ثلاث طائرات تجسسية من «المنطقة 51» إلى اليابان لتنفيذ مهمات فوق فيتنام. وقالت السي آي إيه في هذا التقرير إن «المنطقة 51»، اختيرت في 1955 لتستخدم مهبطا لاختبار طائرات يو - 2.

ومع بدء التجارب والتدريبات على الطائرة التي تحلق على ارتفاع أكبر بكثير من الطائرات التجارية في يوليو (تموز) 1955، تزايد الحديث عن «ظهور أشياء طائرة غير معروفة»، كما قال معدو التقرير. وأضافوا أن الطائرات التجارية كانت تحلق على ارتفاع ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف قدم. أما طائرات «يو - 2» فكانت تحلق على ارتفاع يزيد على عشرين ألف متر. وتابعوا أن «المعلومات عن ظهور هذه الأشياء الطائرة كانت تأتي بشكل عام في المساء من طيارين يقودون طائرات تجارية عادية في رحلات متوجهة من الشرق إلى الغرب».

وكانت الشمس تنعكس على جناحي طائرة اليو - 2 في ذلك الوقت «مما يبدو لطيار الطائرة التجارية التي كانت تحلق في مستوى أدنى وبفارق 12 ألف متر، وكأنه جسم ملتهب». والأمر ينطبق على الطائرة المتوقفة على الأرض.

وقالوا «في تلك الفترة لم يكن أحد يتصور أن طائرة يمكن أن تحلق على ارتفاع عشرين ألف متر لذلك لم يكن أحد يتصور أن شيئا ما كهذا يمكن أن يكون بهذا الارتفاع في السماء». وأكدت السي آي إيه أن سرية الموقع لم تكن مرتبطة بكائنات قادمة من المريخ بل بإخفاء طائرة تجسس جديدة عن السوفيات. وكانت طائرة الاستطلاع يو - 2 صممت للاستطلاع فوق الأراضي السوفياتية والصين وكوبا خلال الحرب الباردة، على ارتفاع عال ولا يمكن تحديدها على الرادارات وأبقي تطويرها سريا. وكان «القطاع 51» مصدر إلهام لروايات وأفلام للخيال العلمي حول الأطباق الطائرة.

المنطقة اكتشفها أحد العاملين خلال رحلة بطائرة لوكهيد خلال اختباره لها. وشاهد المنطقة وقرر أن المنطقة مناسبة جدا لاختبار الطائرات السرية التي يجري تطويرها. «الرئيس إيزنهاور أيضا أعطى موافقته على إضافة القطاء الأرضي المهمل لبرامج الطيران الأميركي» كما جاء في الوثائق التي أفرج عنها. الوثائق تبين بدقة مساحة المنطقة التي أضيفت إلى موقع اختبارات الطائرات في صحراء نيفادا. وتحيط بالمنطقة الجبال وتحدها المنطقة المخصصة للاختبارات النووية. المنطقة 51 كانت وما زالت محرمة على عامة الناس دخولها.

وبسبب الطابع السري جدا لبرنامج «يو - 2» لم يكن محققو سلاح الجو المكلفون التحقيقات في حوادث الأطباق الطائرة «قادرين على الرد على من يوجهون رسائل لهم بشأن السبب الحقيقي لهذه الظواهر، كما قال المؤرخان». وفي «المنطقة 51» بحد ذاتها كانت الإجراءات الأمنية التي تفرضها السي آي إيه صارمة جدا لحماية السرية المفروضة على برنامج يو - 2. والأمر نفسه طبق على الطائرات الخفية في قاعدة نيليس القريبة.

وقال معدا التقرير إنه «لتجنب لفت أي انتباه»، كان العاملون في مجموعة لوكهيد التي قامت بإنتاج الطائرة يتوجهون إلى مصنعهم في بوربانك في ولاية كاليفورنيا صباح الاثنين ثم ينقلون إلى «المنطقة 51»، وتتم إعادتهم إلى بيوتهم مساء الجمعة.

جيفري ريتشيلسون من جامعة جورج واشنطن كان قد تفحص الوثائق التي تخص المنطقة عام 2002 إلا أنه لم يكن مسموحا له التكلم عن المنطقة. وتقدم بطلبات عدة في عام 2005 من أجل إكمال بحثه بخصوص أرشيف الجامعة حول المراقبة الجوية.