مال هوليوود في الصين لكن ميولها في اليابان

فيلمان أميركيان مع أبطال من إمبراطورية الشمس

تاشيرو مفيوني كما بدا في «جحيم في الباسيفيك»
TT

فيلمان جديدان يتناولان ضمن ما يتناولانه شخصيات يابانية. الأول «باسيفيك ريم»، الذي لا يكتفي بتقديم بطلة يابانية تشارك الأميركي مهمة إنقاذ العالم من الوحوش العملاقة التي خرجت من المحيط لتقضي على البشر (تقوم بها رينكو كيكوشي)، بل يستوحي تلك الوحوش من الأساطير اليابانية المعروفة بـ«كايجو»، التي تدور حول مخلوقات من قبل التاريخ تسكن المحيط وتخرج حين تتعرض بيئاتها العميقة للمتغيرات البيئية والإشعاعات النووية.

الثاني هو «ذا وولفرين»، وهو يستعير من تاريخ قيام الولايات المتحدة بإلقاء القنبلة النووية على ناغازاكي خلال الحرب، ليبني مدخلا لوصول بطله «ذا وولفرين» (هيو جاكمن) إلى اليابان، حيث تقع معظم الأحداث. في إطارها شخصيات يابانية كثيرة على جانبي القانون.

على الرغم من أن الاستخدامين هما في نطاق الترفيه والتنميط الإيجابي للشخصيات، فإنهما ينتميان لموجة حديثة تزداد بوضوح عاما بعد عام. في الستينات مثلا، لم تزد عدد الأفلام الأميركية التي دارت جزئيا أو كليا في اليابان أو مع شخصيات يابانية عن عشرة، لكن من مطلع القرن الحالي وإلى الآن هناك نحو 50 فيلما من هذا النوع، بينها «حرب العالمين» و«الساموراي الأخير» و«سفينة حربية» و«حياة باي» و«أبطال» و«ساعة الزحام 3» و«مفقود في الترجمة».

في المقابل، فإن عدد الإنتاجات الأميركية المصورة في الصين قليل جدا، آخرها «حياة تاي تشي» الذي قام ببطولته وإخراجه كيانو ريفز.

طبعا هناك سبب رئيس لذلك، وهو صعوبة الإجراءات الإدارية والرقابية والمالية التي تواجه كل من يود التصوير في تلك البلاد. القبضة القوية للحكومة الصينية في نظام سبق لمجلة «تايم ماغازين» أن وصفته بـ«الرأسمالية الصفراء»، حيث يتيح ذلك النظام لنفسه ممارسة اقتصادية مزدوجة؛ هو لا يزال شيوعيا، لكن طموحاته رأسمالية صرفة.

تجسيدا لذلك، فإن قيام الحكومة بالسماح لرواد السينما الصينيين بمشاهدة أفلام الأكشن والمطاردات والترفيه الشامل المقبلة من «فبارك» هوليوود، وهي ذاتها الأفلام التي كانت الحكومات الصينية المتعاقبة تصفها بـ«الرجعية» و«الاستعمارية» و«البرجوازية»، يخدمها على أكثر من صعيد.

من ناحية، يتم تخفيف القيد عما يُتاح للصينيين مشاهدته من أفلام ترفيهية، ومن أخرى تزداد قبضته على الإنتاجات الهوليوودية التي تحقق في الصين إيرادات أكثر مما تحققه في أي دولة أخرى مجاورة.

* ذروتان

* من يراقب أفلاما منتجة من الثلاثينات، بما فيها مسلسلات تشويقية كانت تُنتج للعرض قبل الفيلم الرئيس بمعدل حلقة واحدة كل أسبوع، يجد أن تمثيل الصيني في هوليوود كان يقبع في منزلة سلبية. إنه الخادم الخائن، الشرير الخفي، تاجر الأفيون الخبيث، وفي أفضل الحالات الساذج الذي يهرع لخدمة الرجل الأبيض ولو أنه يفضل أن لا يتعاطى معه على الإطلاق. بكلمة هو فومانشو؛ تلك الشخصية التي ابتكرتها مخيلة كاتب أميركي اسمه ساكس رومر، والتي تسللت إلى عشرات الأفلام التشويقية والمرعبة من الثلاثينات حتى الستينات (حين انتقلت من هوليوود لتتبناها السينما البريطانية في سلسلة أخرى). شخصية تنوي إلحاق الدمار بالعالم حبا في السيطرة عليه. وهو لا يتحدث لغة السياسيين، كما من المفترض به أن يفعل، بل ينحو إلى لغة الصدام والمؤامرة والتدمير.

في المقابل، الياباني شكل لدى الأميركي، الهوليوودي قبل سواه، مسألة أكثر إثارة للاهتمام، وأكثر دفعا للتفكير والإمعان.

أساسا، دخل الولايات المتحدة واليابان حربا ضروسا بينهما برا وبحرا وجوا، تمخضت عن ذروتين: الهجوم الياباني على بيرل هاربور في السابع من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1941 (وهو الهجوم الذي نتج عنه إصابة 18 سفينة بينها ثلاث مدمرات وثلاث سفن حربية، ونحو 2335 إصابة بين العسكريين) وقيام الولايات المتحدة بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما وناغازاكي كرد رادع، وذلك في السادس والتاسع من أغسطس (آب) سنة 1945.

وحول هاتين الذروتين، خرجت كثير من الأفلام التي إما التزمت بالوقائع أو تناولت حكايات خيالية مستمدة من الظروف الواقعية ذاتها. فحول الهجوم على بيرل هاربور قام رتشارد فلايشر وتوشيو ماسودا وكينجي فوكاساكو بعمل الفيلم الحربي الضخم «تورا.. تورا.. تورا» سنة 1970، الذي سرد كثيرا من ملفات الهجوم على بيرل هاربور. كذلك قام مايكل باي، سنة 2001 بتحقيق «بيرل هاربور» حول الواقعة ذاتها. أما الهجوم على هيروشيما، فتداولته أفلام مختلفة، من بينها الفيلم التسجيلي «ضوء أبيض/ مطر أسود: دمار هيروشيما وناغازاكي» (2007) والفيلم الياباني «أطفال هيروشيما» (1952)، وأكثر من 500 فيلم آخر (بين التسجيلي والروائي) تحدثت عن الموضوع تحديدا أو عن تبعاته أو اشتقت منه أحداثها.

* شعور بالتفوق

* لكن الفعل النووي لم يحدث في كثير من النفوس بأميركا، سوى الشعور بالذنب ممتزجا بشعور بالاحترام للمقاتل الياباني الذي كان أكثر فتكا، بالنسبة للأميركيين، من القوات النازية خلال مشاركة الولايات المتحدة بحرب تحرير أوروبا من ألمانيا.

على أن الشعور الإيجابي حيال اليابانيين والاعتراف بذكاء ومقدرتهم على العمل الجاد والمخلص، بدأ في الحقبة ذاتها التي أخذت هوليوود فيها تنظر إلى الصينيين كأشرار مبيتين لا يمكن الركون إليهم. تشارلي تشان، هي الشخصية المقابلة لفومانشو لدرجة التضاد. ليس يابانيا صافيا بل جاء من هونولولو، حسب ما خطه الكاتب الذي ابتدع الشخصية إيرل در بيغرز، لكنه اعتبر، لدرجة معاداته للصورة النمطية للصينيين، كما لو كان من الجهة المقابلة جغرافيا وثقافيا لها.

صحيح أن ديفيد لين أمعن في تصوير قسوتهم على المعتقلين العسكريين في «الجسر على نهر كواي» (1957)، وأن هوليوود حاكت كثيرا من قصص الحرب التي دارت حول انتصار الجندي الأميركي على الياباني، إلا أن كل ذلك كان في عداد تجسيد واقع من ناحية، وتبعا لتوجه الأفلام الحربية لجمهور أميركي يود الشعور بالتفوق من ناحية أخرى، وكلاهما لا يلغي أن كثيرا من الأفلام، التي تم إنتاجها في هوليوود، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تحاول مسح الدموع عن عين المأساة التي وقعت في هيروشيما وناغازاكي. أحد أفضل الأمثلة «سايونارا» (لجوشوا لوغان مع مارلون براندو في البطولة 1957)، الذي يظهر رابطة حب قوية بين عسكري أميركي وامرأة يابانية قدر لها أن تهزم الإدارة وعنصرية السلطة، حسب رواية جيمس أ. ميتشنر.

أحد أهم أفلام الستينات في هذا الصدد، إن لم يكن أهمها فعلا «جحيم في الباسيفيك» (1968)، حيث وازى المخرج البريطاني جون بورمان في ذلك الفيلم الأميركي بين الأميركي والياباني في قصة تدور حول طيار أميركي (لي مارفن) حط اضطرارا فوق جزيرة صغيرة خالية من السكان، ليكتشف وجود جندي ياباني واحد خلفته الظروف فوقها (تاشيرو مفيوني). كل ما يحدث بينهما من عداء هو نوع من الكر والفر، الذي يكتشفان بعده أنهما ضحيتان متساويتان.

* إدوار إيجابية

* الوجهة الجديدة لهوليوود في تعاملها مع اليابانيين مشهودة في سلسلة من الأفلام الحديثة. لجانب «باسيفيك ريم» و«ذا وولفرين»، فجزء كبير مما وفره فيلم «سفينة حربية» (Battleship) في العام الماضي، قام على خلفية تلك العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان. وجانب من هذا الاستخدام يقوم على تفعيلة معهودة في هوليوود؛ تقديم شخصيات تقف متضادة في مطلع الأمر ثم متابعة ذوبانها كل في الآخر في تعاضد مثالي، مع تبادل احترام كل طرف للطرف الثاني ولقطات من تجسيد هذا الاحترام، إما بحماس مشترك أو بمصافحة حارة أو عناق.

قبله قام الممثل والمخرج النير كلينت إيستوود بإلقاء تحية على البذل والفداء اليابانيين، من خلال فيلمه «رسائل من إيوو جيما» (2006)، بينما قام جون واين، من خلال شركته «ريبابلك بيكتشروز»، على إنجاز فيلم معادٍ لليابانيين في أحداث تقع فوق جزيرة إيوو جيما نفسها عنوانه «رمال إيوو جيما» (ألان دوان – 1949). آنذاك، وكما سبق، كانت هوليوود تمر بمرحلة اعتبرت فيها أن عليها أن تكيل للدولة التي حاربتها ولو لإشباع نهم الجمهور إلى عدو من عنصر آخر.

هذا الاختلاف في وجهات النظر، وفي القراءة التاريخية، لم يمنع هوليوود من تقديم الياباني في أدوار إيجابية ملقية عليه أضواء بطولية واضحة. بعد «جحيم في الباسيفيك» وجدنا تاشيرو مفيوني يعود فارس ساموراي في فيلم الويسترن «الشمس الحمراء» لترنس يونغ (أمام تشارلز برونسون وأرسولا أندرس) وألان ديلون. يحمل سيفه الساموراي ويستخدمه بمهارة تسرق الأنظار من النجمين الأميركي والفرنسي، على حد سواء.

وتوم كروز حمل الساموراي رمز القوة الأهم للياباني، فاستعاد ثقته بنفسه بعد أن كان خسرها خلال حياته الأميركية.