محمد رستم يعيد الاعتبار إلى النحت المعماري ويحاول دخول موسوعة غينيس

يبتدع من الصخور لوحات ناطقة

القالب الحديث – القديم للعمارة القديمة
TT

في اختبار جدي لموهبته وقدرته على تجسيدها في عالم النحت والأبعاد الثلاثية، وبتصميمه على خوض التحدي الفني، نجح النحات محمد رستم خلال 4 أشهر بنحت الموناليزا بدقة متناهية رغم تفاصيلها الدقيقة. وهي بطبيعة الحال من اللوحات الأشهر والأكثر دقة في العالم والتي عجز الكثير من الفنانين عن رسمها، خصوصا بالنسبة لنظرة عينيها وابتسامتها التي حيرت نقاد الفن. تحد يعتبر الأول من نوعه في لبنان لناحية إظهار صورة الموناليزا على شكل تمثال آملا في أن يحظى باهتمام متذوقي الفن الجميل.

ويقول نحات التاريخ كما يسميه الكثير ممن عرفوا لوحاته في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أحرص على نحت واجهات العمارة القديمة بقالب يخلط بين القديم والحديث، لأنه حينما يبدأ الحجر يتكلم، أرى صورة حياتي من وجهة مختلفة».

وبالعودة إلى التمثال الذي وضع في متناول الجمهور منذ أشهر فيبلغ طوله 120سم وعرضه 55سم، فيما يصل وزنه إلى 600 من دون القاعدة التي نحت عليها. النحت العمراني الذي أعاد إليه رستم الاعتبار كفن، هو نحت ارتكزت عليه حضارات وشعوب، لا تزال تضاريسها حاضرة. وثمة رغبة من البعض اليوم، في تقليد هذه العمائر المنحوتة والمزركشة بالإزميل. وهناك من يسعون ليجعلوا منازلهم منحوتة الواجهات على الطريقة البيزنطية أو الآشورية أو الإسلامية، نظرا لجمالية فن لا يزال رونقه متوهجا رغم مرور آلاف السنين.

فالنحت الذي يأمل صاحبه أن يحظى باهتمام متذوقي الفن الجميل تحول لدى رستم إلى حوار جدلي في منظومته النحتية، وهمه الأوحد، هو أن يحول صخوره إلى منحوتات تخاطبك تناقشك، تنتقدك، حتى تظن أن الزمن تبدل.

إبداعات إزميل رستم لم تتوقف عند لوحة الموناليزا، ولأن النحت يحرره من قيود الواقع، فهو أراد إدخال الحضارات إلى عالم العمارة عبر اللوحات والتيجان الإسلامية والقناطر الآشورية والأعمدة البيزنطية، فتخرج العمارة متآلفة بحقبة زمنية لا تشبه مثيلاتها.

أثناء تجولك بين منحوتات النحات السوري يستوقفك آخر نتاجه وهو عبارة عن ليرة كبيرة تمثل الليرتين اللبنانية والسورية كوجهين لعملة واحدة عملاقة، والتي برأيه هي أول وأكبر ليرة حجرية منحوتة بأدق التفاصيل والنقوش في العالم آملا في أن يدخل بها كتاب غينيس وقد تم وضعها في أحد الشوارع الرئيسية لمدينة صور. وعن ذلك يشرح: «أمضيت ثلاثة أشهر في نحتها، حاولت الإيحاء بالأخوية، إننا وجهان لعملة واحدة، مهما تبدلت الأسماء، فنحن بلد واحد، وشعب وحضارة واحدة، وأديان واحدة».

أما المسبحة التي قدمها رستم إلى بلدية صور (جنوب لبنان) فقد وضعت على الكورنيش الجنوبي للمدينة لتكون معلما من معالمها الجميلة فهي مصنوعة من الحجر الصخري الطبيعي، ويبلغ وزنها نحو 5 أطنان وطولها 12 مترا وتتألف من 33 حبة، طول الواحدة منها 45 سم وعرضها 33 سم. وشواهدها الاثنان تبلغ سماكة الواحد منها 12 سم بقطر 30 سم، أما طول المئذنة التي تتألف من ثلاثة فروع يبلغ كل فرع منها 125 سم مربوط بسلسلة من الحبيبات الصغيرة الحجم تتوسطه الأرزة اللبنانية وعلى جانبيها الهلال والصليب اللذين يرمزان إلى العيش المشترك.

الفكرة التي راودت محمد أتت بينما كان يعمل على نحت صخرة بداخلها هذين الرمزين الدينيين وأراد ترجمة ما رآه تقديرا للبنان الذي يمثل العيش المشترك بين مسلميه ومسيحييه، ثم قام بتحويلها إلى فكرة ثقافية وطنية.

بدوره ثمن رئيس اتحاد بلديات قضاء صور عبد المحسن الحسيني خطوة رستم، واصفا إياها بالمبادرة الجميلة مؤكدا أنها أصبحت معلما فنيا فريدا في حديقة البلدية.

بمطرقته وإزميله يخرج رستم من الصخر تحفة، لا تشبه مثيلاتها، إذ أعاد التاريخ عبر أحجار صامتة، نحتها على المنازل بطريقة شيقة وأسلوب فني، تذهب معه في رحلة عكس الزمن، فيحط بك الرحال تارة في ركن الحضارة البيزنطية، وطورا في حضارة الأندلس، فيما تأخذك التيجان الإسلامية إلى عصور حقبة أخرى، تلملم عبرها أشلاء الحضارات لتعود وتقف أمام عبقرية رستم الذي شاء أن يحول موهبته إلى أداة في خدمة التاريخ.

والنحات رستم، فنان بالفطرة، تأثر بفن النحت في الحجر منذ الصغر، فجسد في عمله التماثيل التي تروي سير نساء، إضافة إلى النحت على المباني، في ظاهرة تدل على حيوية تجربته.

في رصيد رستم العشرات من اللوحات الصخرية متعددة القياسات، والمحفورة على مداخل وحدائق القصور والفلل والمباني. وردا على سؤال يجيب: «أنا أنحت على جدران المنازل من منطلق ثقافي حضاري، لإعادة الروح لحضارات العرب، ومستعد للنحت من وحي أي حضارة، إن طلب مني ذلك».

واليوم يملك رستم مجموعة من الأفكار المستقبلية والتي يحرص على ترجمتها وتطويرها: «سأعمل على نحت قلعة من حجر البازلت الأسود، ولدي تصور لكي أنقش الشعر والحروف على الحجر، ومخطط لنحت أكبر لوحة شطرنج في العالم، وآمل أن أعطى ترخيصا لترميم أهرامات مصر».

رستم نحات خارج عن المألوف، أعاد الاعتبار إلى النحت الذي ارتبط «بالمعْمار» منذ أقدم العصور، مؤكدا أن ما يقوم به هو بمثابة رفع الأنقاض عن فن في طور الاندثار: «فحينما لا تملك مكانا لتمارس موهبتك، ابتدع أنت المكان، وهذا ما فعلته، بحثت كثيرا عن فسحة لعرض موهبتي، فلم أجد، قررت حينها نقلها إلى العمارة لتكون ناطقة باسم التاريخ» وفق تعبيره.