أربيل تستعد لدخول لائحة التراث الإنساني

عاصمة السياحة العربية لعام 2014 تتطلع للمستقبل بحلة تاريخية

مركز مدينة أربيل القديم بعد تجديد واجهات السوق والمحلات التراثية («الشرق الأوسط»)
TT

الزائر لمدينة أربيل يشعر بحدوث بتغييرات إعمارية لافتة للنظر، وكأن هذه المدينة بدأت توا تنفض غبار الحرب عن نفسها، فهي تسابق الزمن من أجل التحديث والتجديد، وهناك حركة متسارعة جدا لتحويلها إلى مدينة راقية تليق بكونها عاصمة إقليم كردستان من جهة، وجعلها عاصمة للسياحة العربية عام 2014. وأهم مشاريع الإعمار الداخلية التي تجري على قدم وساق ودون توقف بمعظم أنحاء المدينة، هو مشروع تجديد سوق القيصرية القديم الذي يعود تاريخه حسب بعض المصادر إلى عهد السلطان الأيوبي مظفر الدين كوكبري صاحب أربل، وهناك من يعيد بناءه إلى ما قبل 300 سنة. ولكن الأرجح لدى مؤرخي أربيل، أن السوق كان موجودا أثناء حكم الكوكبري، بدليل أن هناك إشارات وردت ببعض الكتب التاريخية تتحدث عن ولائم كان يقيمها السلطان مظفر الدين بمناسبة حلول المولد النبوي الشريف كل عام أسفل القلعة، وكان يمد بساطا طويلا لضيوف المهرجان السنوي، حيث تعود فكرة الاحتفال بمناسبة المولد النبوي لهذا السلطان المظفر حاكم أربيل.

أربيل، المدينة التي كانت حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي مجرد قرية كبيرة بسبب سياسات النظام السابق التي كانت تحرم على الأكراد البناء والتوسع والعمران، تحولت اليوم إلى واحدة من أكثر المدن العراقية تطورا وتقدما وجمالا، إذ انتشرت فيها الأحياء السكنية الراقية، وارتفعت في فضائها الفنادق الحديثة، وبعد أن كان فندق أربيل إنترناشونال وحده يستقبل كبار الضيوف، إلى جانب فندق يقع عند أطراف أربيل (خانزاد)، يوجد اليوم فنادق كبرى مثل روتانا وديفان (ديوان) وسفير وفان رويال وتاكرام اربي، وفي الانتظار افتتاح فنادق كبرى مثل فندق كوبانسكي، إضافة إلى المجمعات السكنية الضخمة مثل القرية الإيطالية والقرية الإنجليزية والقرية الأميركية ومجمع زكريا للشقق السكنية.

وحسب نوروز محمد أمين، مديرة عامة في دائرة الاستثمار في كردستان، فإن «قوانين الاستثمار المتطورة التي وضعها السيد نجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم، وبإصراره على متابعة المشاريع والخطط لتطوير المدينة، تحولت أربيل إلى مدينة متقدمة في شتى جوانب الحياة»، مشيرة إلى أن «في أربيل واحدا من أكبر المطارات في المنطقة وأكثرها تطورا، إلى جانب الأسواق الضخمة (المولات) وأبرزها ماجدي مول وفاميلي مول التي أنجزت من قبل مستثمرين محليين، كما تم شق وتعبيد الشوارع العريضة وتأثيثها بالإنارة الحديثة».

لكن ما يميز هذه المدينة التي تجمع أصالة التاريخ والتراث بيد.. والمعاصرة والتطلع إلى أمام بيد ثانية، هي قلعتها الأثرية وسوقها (القيصرية) الذي يزوره كل من وصل إلى أربيل. ومن فوق قلعتها التي يمتد تاريخها إلى خمسة آلاف عام، وتعد أقدم مستوطن بشري في التاريخ، وحيث يرفرف علم إقليم كردستان فوق أعلى سارية علم في العراق، بألوانه الزاهية، إذ تتوسطه شمس ذهبية تبشر الأكراد بخير مستديم، نتطلع إلى مدينة أربيل الحديثة، وإلى سوقها التراثي الذي يقع عند حافة القلعة مباشرة، والذي يعرف بـ«سوق القيصرية».

وقد لا تختلف طبيعة سوق «القيصرية» القديم في أربيل عن بقية الأسواق الشعبية والقديمة في باقي مدن العراق أو في المدن العربية والإسلامية الأصيلة، لكنه يختلف عن الكل باحتفاظه بأصالته لحد الآن، فهناك داخل السوق أروقة أو محلات متخصصة بالمهن، منها مثلا محلة القصابين، والخياطين، وباعة الجبن والعسل، والبزازين، والسمكرية، ومحلات الصاغة، والنجارين. وكان هناك سوق الهرج ظل موجودا إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، والغالب الآن هو انتشار محلات بيع الألبسة النسائية والحلي والمصوغات، بحيث تزدحم تلك المحلات يوميا بشكل غير طبيعي، حتى أصبحت زيارة السوق عادة يومية لمعظم النسوة بالمدينة، فلم تستطع جميع المولات والسوبرماركيتات ومراكز التسوق التي انتشرت بالمئات في المدينة أن تزاحم هذا السوق التقليدي الذي تهوي القلوب إليه. ولذلك فقد أولى محافظ المدينة جل اهتمامه وهو ابن إحدى العائلات الكردية المعروفة بتطوير المدينة، وأن يبذل قصارى جهده خلال السنوات الماضية لتجميلها وتحديثها، وركز اهتمامه الأكبر على الأسواق، وسعى بكل جهوده نحو إدراج قلعة أربيل الأثرية ضمن لائحة التراث العالمي لدى منظمة اليونيسكو، ونجح بذلك، حيث وافقت المنظمة الدولية على إدراج القلعة ضمن التراث الإنساني العالمي، وهذا تطلب أمرا على المحافظ لم يتردد بتلبيتها للحظة، وهو تحديث محيط القلعة والمحلات والأسواق المنتشرة حولها، ولذلك خصص 16 مليار دينار من ميزانية تنمية الأقاليم لتحديث وتجميل سوق القيصرية بالمدينة وفق طرازه القديم، كما يقول همزة حامد مدير المكتب إعلامي للمحافظة.

وبحسب حامد فإن «جميع أعمال التحديث تجري بمشاورة عدد من الخبراء الأجانب والمحليين، فمخطط التحديث وضع من قبل شركات عالمية كبرى، أعدت تصاميمه بعد إجراء دراسات تاريخية لفن العمارة الإسلامية، من حيث طريقة بناء الأقواس والسقوف ونوعية مواد البناء، وجلبنا أفضل (أسطوات) البناء المتخصصين بالطابوق من جميع أنحاء العراق ليعملوا على هذا المشروع، وساهمت القنصليات الأجنبية بمساعدتنا في هذا العمل من خلال إرسال أفضل الخبراء الموجودين ببلدانهم لإعداد التصاميم وإبداء المشورة». ويؤكد حامد أن «جميع عمليات البناء والترميم تجري بنفس المواد القديمة، وبالأساس الطابوق، وستكسى الأرضية بالمرمر، ويتم دفن جميع الأسلاك الكهربائية والتلفونية وأنابيب المياه، وسترفع السقوف كما في الطراز القديم، وسيتم كذلك إحاطة السوق بسور يعتمد أساسا على فن العمارة الإسلامية». وأشار مدير المكتب الإعلامي للمحافظة إلى أن «كل هذه العمليات لتحديث السوق لا تكلف دينارا واحدا على أصحاب المحلات، حيث إن جميع الكلف تتحملها المحافظة، فيما عدا داخل الدكاكين التي وضعنا أسسا محددة للمواد التي ينبغي استخدامها بالداخل لتتناسب مع الواجهات». وختم «لقد أنهينا بالفعل المرحلة الأولى وهي تحديث محلات بيع الأجبان والعسل ومحلة آلتي برماق وسوق النجارين والسمكرية، والعمل جار وسيتواصل إلى نهاية العام المقبل».