قصر «بيرا» يختزن روح إسطنبول التاريخية وذكريات المشاهير

يحتضن أول مخبز حلويات فرنسية في السلطنة وفيه أقدم مصعد كهربائي

مبنى فندق «بيرا بالاس» في اسطنبول («الشرق الأوسط»)
TT

من الأماكن التاريخية التي ارتبطت بكثير من الشخصيات المهمة في إسطنبول قصر «بيرا» التاريخي الذي تروي أروقته على ضفاف خليج القرن الذهبي قصة علاقة عاصمة العثمانيين اجتماعيا وثقافيا مع الغرب والفن والحداثة، وتزخر بقصص الكتاب والمشاهير الذين أقاموا فيه، ولا سيما ملكة الرواية البوليسية أغاتا كريستي التي يظن البعض أن «شبحها» ما زال يسكنه.

وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فقد بني قصر «بيرا» في 1892 ليكون نزلا مخصصا لركاب قطار الشرق السريع «أورينت إكسبرس» الذي كان يتيح لأثرياء أوروبا القيام برحلة بالغة الفخامة من باريس إلى إسطنبول، المدينة التي كانت ترمز لسحر الشرق، حينها كان هذا الفندق هو الأول في تركيا يستخدم الكهرباء، كما كان أول فندق يوفر الماء الساخن لضيوفه.

واستغرق بناء الفندق ثلاث سنوات ليتم افتتاحه عام 1895م. الفندق من تصميم المهندس الفرنسي التركي ألكسندر فالاوري الذي صمم عدة مبان تركية شهيرة كالبنك العثماني والمتحف التركي.

وقد أغلق الفندق لمدة أربع سنوات ابتداء من 2006 لترميمه إلى أن أعيد افتتاحه في الأول من سبتمبر (أيلول) 2010.

وما زال القصر، وهو متحف وفندق، يحتفظ بأمتعة ومعدات كثيرة من حقبة قطار الشرق السريع، ولا سيما تلك المقصورة المحمولة على الأيدي التي كانت تستخدم لنقل الركاب من المحطة إلى القصر المطل على الخليج وعلى المئات من المآذن والمباني التاريخية.

وقد رمم القصر أخيرا بشكل كامل بكلفة تجاوزت 30 مليون دولار، وقد سلمت عائلة صابانجي الثرية التي تملك حق استثماره، إدارته إلى مجموعة «جميرا» الإماراتية.

ومن كنوز قصر «بيرا» أيضا، مجموعة الفضيات الكاملة لقطار الشرق السريع، وأقدم مصعد كهربائي في تركيا، ومجموعة من اللوحات الإيطالية والفرنسية من عصر النهضة والعصر الكلاسيكي، فضلا عن مخطوطات ووثائق تتعلق بمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك الذي خصص الجناح الذي كان يتردد إليه في القصر كمتحف خاص به.

والقصر المبني على الطراز الفرنسي، يقع على مقربة من شارع «استقلال» الشهير وفي قلب حي بيوغلو الذي يعرف أيضا بـ«أوروبا الصغرى»، إذ تنتشر فيه القنصليات الأوروبية التي بنيت بكثير من العظمة لتثبيت العلاقة مع السلطنة العثمانية.

وما زال قصر «بيرا» يحتضن أول مخبز حلويات فرنسية في السلطنة ويعد مقصدا للمجتمع الإسطنبولي الراقي، ولا سيما حفلات الشاي الشهيرة. يعتبره الأتراك أكثر من مجرد فندق؛ فهو بمثابة مركز اجتماعي وثقافي وذلك بسبب متاحفه وندواته الدائمة التي يستضيفها لمناقشة القضايا الثقافية، مما جعله مكانا مفضلا لدى المشاهير من السياسيين والأدباء مثل الملك إدوارد الثامن ملك بريطانيا، وإمبراطور النمسا فرانز جوزيف، وملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، والروائي الأميركي أرنست همنجواي، والفنانة الفرنسية سارة برنار، والمخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك، والروائي الفرنسي لوتي بيير، وزوجة الرئيس الأميركي جاكلين كيندي، وغيرهم من الشخصيات التاريخية، كما أقام به الزعيم التركي ومؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك مرات عديدة، كانت أولها عام 1917 وكان دائما يفضل الإقامة في الغرفة رقم 101، وبعد وفاته تم تحويل هذه الغرفة إلى متحف يحتضن كثيرا من متعلقاته الشخصية.

ويروى أن الممثلة غريتا غاربو كانت تلجأ إلى المكان هربا من مصوري الباباراتزي، إلا أن القصة الأبرز التي تجعل من هذا القصر مكانا مميزا هي قصة ارتباطه بأغاتا كريستي وبلغز اختفائها في عشرينات القرن الماضي.

والغرفة التي يعتقد البعض أنها «مسكونة» هي الغرفة 411 من الفندق الذي كتبت فيه كريستي روايتها الشهيرة «جريمة على متن قطار الشرق السريع» (ميردر أون ذي أورينت إكسبرس). في عام 1926 كانت كريستي زوجة شابة وتعيسة بسبب خيانة زوجها لها. وفي تلك السنة، اختفت الكاتبة طيلة 11 يوما، وعثر عليها بعد ذلك فاقدة للذاكرة، ولم يعرف أحد مطلقا أين كانت. وقد تطرقت «هوليوود» لهذا الاختفاء في فيلم «أغاثا» عام 1979، أي بعد ثلاث سنوات من وفاتها، وقد طلب منتجو الفيلم في شركة «وورنر بروذرز» من الوسيطة الروحانية الشهيرة في «هوليوود»، تارا راند، «الاتصال» بكريستي. وادعت الوسيطة أنها حصلت من كريستي على جواب وهو أن الحل للغز اختفاء الكاتبة موجود في مخبأ سري تحت أرضية الغرفة 411 في قصر «بيرا» بإسطنبول.

وقدمت الوسيطة وصفا دقيقا للمكان الذي لم تزره قط، وأرسلت «وورنز براذرز» فريقا ضخما إلى إسطنبول وسط تغطية إعلامية مكثفة واهتمام عالمي بهذا اللغز. وبالفعل، عثر الفريق تحت أرضية الغرفة على مفتاح قديم مما زاد من ذهول العالم. وعرضت شركة الإنتاج الأميركية شراء المفتاح بمليوني دولار.

والمفترض أن هذا المفتاح بإمكانه فتح صندوق يحتوي على يوميات كريستي وجميع ألغازها، ولا سيما لغز اختفائها عام 1926. إلا أن الصندوق لم يتم العثور عليه قط، وما زال المفتاح في خزنة في إسطنبول واللغز معلقا، وربما جوابه بين أروقة قصر «بيرا».

ومنذ ذلك الحين يزعم البعض أن الغرفة 411 التي ما زالت تحتوي على الآلة الكاتبة لكريستي «مسكونة» بشبح ملكة الرواية البوليسية، أو على الأقل بأشباح التشويق اللامتناهي في رواياتها.