موسيقيون ومطربون ومثقفون عراقيون يطلقون انتفاضة الموسيقى العراقية

تظاهروا بشارع المتنبي وطالبوا بتغيير إداراتها وإنصاف فنانيها وعودة مبدعيها

موسيقيون ومثقفون عراقيون يتظاهرون ببغداد ضد ممارسات مدير عام دائرة الفنون الموسيقية («الشرق الأوسط»)
TT

الربيع العربي وصل إلى ضفاف الثقافة العراقية ليوقظ الفنانين الموسيقيين من سبات كان مفروضا عليهم من قبل دائرتهم (الفنون الموسيقية)، بسبب ما وصفوه بـ«الممارسات الديكتاتورية والتعسفية والتهميشية التي ينتهجها المدير العام حسن الشكري»، تلك الدائرة التي عرفت باعتبارها أفضل مؤسسة فنية ثقافية قادها على مدى سنوات المبدع الكبير منير بشير، فنان العود الأبرز، لكنها ومنذ 2003 تعاني من إخفاقات أثرت كثيرا على المنجز الإبداعي في الموسيقى والأغنية العراقية التي مرت بتجارب ومراحل كثيرة، عبر تغير الحكام والأزمان، قربتها حينا من القلوب والذاكرة معا بأغنيات فترتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، التي تفوق بها الجانب الإنساني والعاطفي، فحفظها الجمهور العراقي والعربي عن ظهر قلب، لكنها غابت عندما حلت محلها الأغنية الوطنية والسياسية في زمن الحروب والصراعات، والتهديدات الأمنية التي عصفت بالبلاد وشتتت فنانيه في دول المهجر، لتتوقف اليوم أمام تحديات فوضوية الاختيار وصرعات الشباب وإغفال الجهات الحكومية، لدورها المطلوب لإعادة النصاب إلى روح الأغنية والموسيقى العراقية.

ولأول مرة تدخل الأغنية العراقية موسم الربيع العربي للثورات والتغيير عبر تظاهرة نظمها موسيقيون وأدباء وفنانون في شارع المتنبي (أهم شارع للثقافة في بغداد)، مؤخرا، أطلق عليها اسم «انتفاضة الموسيقى العراقية»، تطالب بإقالة المدير العام لدائرة الفنون الموسيقية، بسبب ما وصفوه بانتهاجه أسلوبا ديكتاتوريا وتهميشه وإقصائه لكثير من الفنانين، بالإضافة إلى تهم بالفساد الإداري منذ أكثر من تسع سنوات، هي فترة توليه مسؤوليته في الدائرة الحكومية والتابعة لوزارة الثقافة، التي حاولت بدورها احتواء الأزمة التي نشبت بين الموسيقيين ودائرتهم الحكومية، ووعدت بحل الخلافات بينهم.

يقول الموسيقار سامي نسيم مدير فرقة منير بشير للعود في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الأغنية والموسيقى العراقية في تراجع كبير، طيلة السنوات التي تلت التغيير عام 2003، والسبب هو القيادات غير ذات الكفاءة في هذا القطاع الحيوي والمهم، وكل ما تم تنظيمه من مهرجانات فنية كبيرة تحتفي بالغناء العراقي أسهم بضياع حقوق كبار الفنانين العراقيين، كونها احتفالات فاشلة وغير حقيقية ويحضرها موظفو الدائرة قسرا».

وأضاف: «كل ما نجحت به المؤسسة المعنية بالفن في بغداد الإسهام بهجرة أبرز الأسماء الفنية من البلاد، بعد محاربة إبداعهم وتهميشهم، في حين استطاع آخرون تحقيق نجاحات مهمة بالاعتماد على أنفسهم، عبر المشاركة باحتفالات عربية وعالمية».

من جهته، قال الملحن سرور ماجد: «نحاول رفع صوتنا إلى الجهات المسؤولة لتغيير المدير العام لدائرة الفنون الموسيقية حسن الشكرجي كونه (ظالما ولا يمثلنا)، وقد حارب كثيرا من الفنانين، وطرد الجيدين، وأبقى على آخرين ليسوا ذوي كفاءة، كذلك حارب الفرق الفنية الفتية التي تسعى لإثبات ذاتها.

نقيب الفنانين العراقيين صباح المندلاوي، قال عن مستوى الأغنية العراقية إنها تراجعت كثيرا عن مستواها السابق، وهي على الرغم من مساعي آخرين لتطويرها عبر الكلمة واللحن المميزين، إلا أن مقارنتها بالأغنية السبعينية يعني فشلا كبيرا، فتلك المرحلة كانت أكثر اهتماما من قبل الفنان والملحن وكاتب الكلمة على الاختيار الجيد للمتلقي العراقي والعربي.

وأضاف: «غياب الرقابة وضعف دعم وتواصل الجهات الحكومية مع الفن العراقي أسهم بذلك التراجع، إضافة إلى أن كثيرا من الفضائيات صارت تروج للأغنية الهابطة».

وبشأن تظاهرة الموسيقيين العراقيين، قال: «هذه مظاهر إيجابية لممارسة الحريات، وأنا أقف معها ما دام الدستور يؤيدها، وأتمنى أن تحل كل الخلافات بشكل ودي وعبر التفاهم وتشكيل وفد مشترك لحل الخلافات.

وأكد أن «هناك الكثير من القضايا التي تخص الفنان العراقي، بحاجة إلى تظاهرة وانتفاضة، من بينها تشريع قانون لتقاعد الفنانين، الذين يعانون من ضآلة رواتبهم التقاعدية، ومنهم من أمضى أكثر من نصف قرن من العمل، وكذلك توفير الضمان الصحي للفنان، ودعم مشاريع الشباب وتوفير فرص عمل للعاطلين، وشمولهم بقطع أراضٍ أو شقق سكنية، وغيرها من وسائل الاهتمام بمنجز الفنان العراقي ودعمه.

وتعد فترة السبعينات من القرن الماضي من المراحل الذهبية للأغنية العراقية، التي خطت بها هويتها الحقيقية، وأصبحت النموذج الذي يحتذى به بعد ذلك، لأنها متكاملة الأطراف من الصوت والكلمة واللحن؛ في جيل فاضل عواد وحسين نعمة وقحطان العطار وياس خضر وآخرين، ولعل شعراء تلك المرحلة كان لهم الفضل الكبير في إنضاج الهوية مثل زامل سعيد فتاح وعريان السيد خلف ومظفر النواب.. شاركهم في هذا الإبداع العراقي ملحنون بارزون أمثال طالب القرغولي وكمال السيد وكوكب حمزة ومحمد جواد أموري وغيرهم.

ولكن بعد عصر الانفتاح الفضائي الذي ساهم بشكل كبير في أن تخرج الأغنية العراقية من نطاقها المحلي إلى مجال أوسع وأصبح لها جمهور عربي كبير لم يكن يعرف سوى ناظم الغزالي وحضيري أبو عزيز وسعدون جابر في بداية إبداعه الفني، وسار على الخطى بعده الفنان كاظم الساهر وماجد المهندس ومهند محسن وغيرهم.