شعار مهرجان «فينيسيا» يحتفي بفيلليني في عامه السبعين

يوميات مهرجان فينيسيا 2

TT

ذلك الملصق الموحي مرة ثانية يستقبل زوار مهرجان فينيسيا للأفلام في عامه السبعين.

إنه كما لو أن الواقف على شاطئ البحر مرتديا معطفا أخضر هو المخرج فديريكو فيلليني نفسه. يقف أمام البحر الذي دائما ما رمز إليه بالتجدد والحياة. حينما توقفت نبضات العقل وشحت الموهبة لدى بطله غويدو في «ثمانية ونصف» (1963) عمد إلى البحر. جلس على طاولة وأخذ يكتب. عادت إليه الروح.

وعاد فيلليني إلى البحر أكثر من مرة بعد ذلك، بل أنجز فيلما تقع أحداثه في باخرة في البحر هو «والسفينة تبحر» (1983). حينها قال بعد انتهائه من تحقيق الفيلم: «أعتقد أنه فيلم ممتع، مليء بالحياة. إنه فيلم يجعلني أريد أن أبدأ بتحقيق فيلم آخر على التو». يومها خرج هذا الناقد وهو يود لو يشاهد فيلما آخر لفيلليني أيضا. هذا هو الحال مع العباقرة. حين تشاهد لأحدهم فيلما تود التهام كل أفلامه الأخرى. وهذا هو أيضا حال المهرجان الناجح. حين أشاهد فيلما جيدا أريد أن أدلف لفيلم جيد آخر. لا يهم ما هو ومن هو الذي أخرجه والبلد الذي قدمه. لا يهم إذا كان قصيرا أو طويلا، دراميا أو تسجيليا أو حتى كرتونيا.

البعض يتصرف عكس ذلك. أكثر من مرة تسمع هنا من يخرج من فيلم رائع ويقول: «كيف لي أن أشاهد فيلما آخر بعد هذا؟». يريد أن يقبض على الصور التي استقبلها وأن يحفظها في داخله. يعلم تماما أنه لن يستطع إلا أن يشاهد فيلما آخر، لكنه يفعل ذلك بتردد. لكن بصرف النظر عن التصرف المفضل (الهجوم على أفلام أخرى أو محاولة رسم فاصل وهمي بينها) فإن صفات المهرجان الناجح أن يؤمن للمشاهدين الأعمال الفنية الأفضل. تستطيع أن تقيم في مهرجانك الحفلات وتدعو الضيوف وتكرم الفنانين وتتودد للصحافيين وتفرش السجادة حمراء وخضراء لحفلات الليل، لكن إذا لم تكن الأفلام المختارة جيدة فإن كل ذلك جهد مهدور. الأيام ستمضي ولن يتذكر الحضور سوى بضع لحظات.

إنه الفيلم…. الفيلم يا صديقي هو الذي يجعلك تتذكر المكان والزمان وتعود إلى السنوات السابقة لتعيشها. الفيلم هو الذي يفتح لك نافذة تعود من خلالها إلى أحضان الحقبة التي شاهدت ذلك الفيلم فيها، سواء أكانت قريبة أو متوسطة أو بعيدة. ذلك الفيلليني الذي في الملصق يلوح للتنين الذي في المركب… كما يلوح الهاوي المشتاق إلى فيلليني. لعل السينما وهم، لكنه الوهم الذي هو أفضل من الواقع.