خمسة أفلام تتوقع أن تثير الاهتمام الأكبر هذا الإسبوع

مهرجان شاب وبلا حدود

المدير الفني للمهرجان ألبرتو باربيرا
TT

درجت عادة هذا المهرجان على أن تكون غالبية، إن لم يكن كل، الأفلام المنتقاة للعروض رسميا داخل وخارج المسابقة هي من العروض العالمية الأولى (وورلد برميير)، أي التي لم يسبق لها أن عرضت خارج صالة الاستوديو وأمام المنتمين إلى الفيلم كمخرجه ومنتجيه وبعض العاملين فيه.

هذا العام لا يختلف الوضع مطلقا. هناك أفلام سيشاهدها المرء هنا قبل سواه لأنها لم تر نور العروض من قبل. لا في مواطنها ولا في مهرجانات أخرى. ومع أن البعض يرى أن الأهم هو الفيلم نفسه، فإن المهرجانات الدولية تحرص على الفوز بما لم يسبقها عليه أحد وتعتبر أنها كلما جمعت أفلاما أكثر من هذه الفئة كلما زاد قدرها ومقدارها.

فينيسيا لا يختلف لأنه لا يستطيع الاختلاف. كيف له ذلك وقد وصل إلى مستوى باتت معه الحياة السينمائية مستحيلة من دونه؟

إنه حرص مديره الفني ألبرتو باربيرا على أن يجعل من وجوده رئيسا أمرا محسوسا وملموسا. يعرف أن المنافسة قوية وأن الوصول إلى القمة ليس نهاية المطاف… البقاء عليها هو الأصعب والأشد. وهو من هذا الموقع اتصل بالمخرج البريطاني ستيفن فريرز قبل شهرين وسأله إذا ما كان فيلمه الجديد «فيلومينا» سيعرض في أي مكان آخر.

حسب ترايسي سيوورد، واحدة المنتجين الخمسة لهذا الفيلم، أكد باربيرا للمخرج بأنه بقدر ما يرغب في أن يشترك الفيلم في المسابقة الرئيسية بقدر ما هو قلق من فقدانه إذا ما تقرر للفيلم العرض في مهرجان آخر مثل تورونتو. تقول: «الاتفاق كان سريعا. الفيلم لن يعرض في أي مكان آخر على هذا الكوكب. وكلاهما كان سعيدا بذلك».

الوجود الإنساني «فيلومينا» هو أحد خمسة أفلام يتوقع لها أن تثير أكثر من انتباه عابر. وهو، عنوة عنها جميعا، يتبلور كحكاية تستند إلى وضعها مراسل الـ«بي بي سي» مارتن سيكسميث تحت عنوان «الطفل المفقود لفيلومينا لي» عن صحافي سمع بحكاية امرأة تبحث عن ابنها الذي أخذ منها عنوة عندما وضعته في أحد الأديرة.

الممثلة جودي لي تقوم بالدور الأول في حين يؤدي ستيفن كوغن دور مارتن سيكسميث. ومن يرى جودي، بلا مكياج ولا مظهر القوة التي بدت عليه في أفلام جيمس بوند، يدرك أنها عادت إلى نطاق الأدوار العميقة والمجهدة. وجهها ينطق مشاعر مختلفة في أحداث تأخذها، مع ذلك الصحافي، من بريطانيا إلى واشنطن. في بحثها عن ابنها ها هي تعيش لحظات اكتشاف جديدة إذ لم يسبق لها أن ركبت الطائرة ولا سافرت ولا حظيت بأن تصبح موضوعا للكتاب الذي تعلم أن الصحافي يعده عنها.

هذا الفيلم البريطاني، الذي سينطلق للعروض التجارية في الأول من سبتمبر (أيلول) بعد 24 ساعة من عرضه الفينيسي، يصاحبه فيلم ثان يعتقد أنه سيثير الاهتمام الكبير كذلك هو «نظرية الصفر» لتيري جيليام. إنه مشروع ولد قبل أربع سنوات. ومثل كل المشاريع الجديرة التي لا يحتمل أن تنجز أطنانا من الإيرادات، تحرك بسرعة السلحفاة إلى أن تم لمخرجه جيليام تصويره. خيال علمي من النوع الذي لا يصعد إلى الفضاء لكنه يبقى على الأرض ويستوحى من حياتنا الحاضرة. هناك رجل يبحث في أثير الإنترنت عن سبب وجود الإنسان على الأرض. ويكاد، فلسفيا ووجدانيا على الأقل، أن يجد الرد على السؤال وبل ربما الجواب عن معنى هذا الوجود، لكن قوى يرمز لها الفيلم باسم «الإدارة»، لا تريد له أن ينجح في مسعاه.

هذا الفيلم يحتوي على عدد من الممثلين المشهود لهم بالموهبة والشهرة يتقدمهم مات دامون (الذي يعرض له فيلم فلسفي آخر من النوع ذاته هو «جنة») وكريستوف فولتز وديفيد ثيوليس وتيلدا سوينتون.

المفاجئ هو أن تيري جيليام الذي اعتاد البطالة أكثر من العمل، سيضطر لقطع تصوير فيلمه الجديد الآخر «صعود جوبيتر». المرة الأولى التي يبدو فيها منشغلا بعملين معا. هذا الفيلم يصوره مع ميلا كونيس (تظهر في دور امرأة اسمها جوبيتر) وشانينغ تاتوم وشون بين… هل ذهب جيليام صوب الجماهيرية ولهذا بات قادرا على الانتهاء من تصوير فيلم والبدء بآخر؟

لقطة واحدة يريد المرء، لدوافع عربية على الأقل، أن يضع فيلم مرزاق علواش الجديد «سطوح» في عداد الأفلام التي يتوقع لها أن تكون الأكثر إثارة للاهتمام من سواها. لكن المسألة ليست بالسهولة. لا معلومات كثيرة حول الفيلم من ناحية، ولا اسم مرزاق علواش من النوع الذي يستقطب عناصر إنتاجية ممتازة في الشؤون الفنية البحتة. الفيلم قد يكون جيدا، بل ممتازا، لكن هناك فترة من حياة المخرج الجزائري سادت من منتصف التسعينات وحتى العشرية الأولى من القرن الحالي، بدت فيها أصابع المخرج كما لو أنها تخلت عن مقاليده، أو أن ذلك الخيال الذي حركه حين صعد سلم الشهرة (مثل «عمر قتلاتو» و«مدينة باب الواد») ذاب بعيدا أو أضمحل. لكن مدير مهرجان دبي الفني مسعود أمر الله آل علي شاهده وأعلن رأيه: «أفضل فيلم لمرزاق علواش منذ سنوات بعيدة، بل لعله أفضل فيلم له إلى اليوم».

ما استطاع هذا الناقد مشاهدته قبل وصوله إلى المهرجان، وبالصدفة ومن دون قرصنة، فيلم المخرج الإسرائيلي أموس غيتاي «أنا عربية» والذي يبدو آيل إلى نجاح نقدي واسع. هو بالتأكيد واحد من تلك الخمسة التي يدور الحديث حولها والمهرجان ما زال في يومه الأول.

«أنا عربية» حياكة لا تخلو من عوامل الجودة والنجاح (وليس كل أفلام آموس غيتاي - كما يدعي البعض عندنا - جيدة أو ناجحة): صحافية إسرائيلية تصل إلى بيت يهودي كان أشهر إسلامه وعاش في بلدة تقع على أطراف يافا. هناك تتعرف على ست شخصيات أخرى تتحدث، بأسلوب المخرج الدوكيودرامي، عن تاريخها وحياتها ومشاغلها اليومية.

ما سيتحدث عنه النقاد قبل سواه هنا حقيقة أن الفيلم (من 81 دقيقة) تم تصويره بلقطة واحدة غير منقطعة (دجيتال طبعا). هذا يفسر انسياب المشاهد وكيفية تعاملها مع المكان الذي لا يتعدى ثلاثة منازل وكاراج سيارة وبستان.

في عام 2009 نال الفيلم الإسرائيلي «لبنان» الذهبية هنا («الأسد الذهبي») وكان بدوره قائما على بدعة تصويرية أخرى: كل مشاهده مصورة داخل دبابة. لكن «لبنان» كان بدعة وليس إبداعا وهذا صعب قوله على فيلم أموس غيتاي الجديد الذي لنا عودة مفصلة عنه.

كوبولا وفرانكو وعلى نحو شبه شخصي، قد يجد النقاد رغبة جارفة في الوقوف على عضو جديد من عائلة كوبولا السينمائية. هناك بالطبع الأب فرنسيس وابنته صوفيا. الأول غني عن التنويه والثانية أنجزت ما يمكن له أن يشهد لها ولو بقدر من الموهبة، والآن هناك جيا كوبولا، حفيدة المخرج العظيم التي تقدم فيلمها الأول «بالو التو».

إنه دراما مع إيما روبرتس وجيمس فرانكو وفال كيلمر بالإضافة إلى ممثلة تنساها السينما كثيرا هي كولين كامب. المحور هنا يدور حول مجموعة من المراهقين وكيف أنهم لا يتطلعون إلى مثل عليا لأن هذه غائبة. ربما الموضوع قريب من فيلم صوفيا كوبولا الأخير «عصبة الجواهر» (الذي عرضه مهرجان كان) لكن هل تم تحقيقه بنفس الأسلوب؟

من أميركا أيضا يأتي فيلم Child of God كواحد من أكثر الأفلام التي ينتظر لها أن تشهد حشدا إعلاميا. ليس لأن الموضوع يتحدث عن رجل فقد كل اهتمام بالحياة وانحدر صوب الجريمة والثأر من الذات، بل لأن مخرجه هو الممثل جيمس فرانكو.

المراهنة على جيمس فرانكو، بعد حفنة من الأفلام القصيرة وأخرى من الأفلام الطويلة، هي مثل المراهنة عليه ممثلا. يعجب البعض لكنه لا يستطيع التمادي في إعجابه إلا على حساب مزايا وعناصر فنية لا يجب الاستغناء عنها. إنه فنان يبحث عن لون ويتخذ من بحثه لونه الآني. جاد في عمله، بلا ريب، لكنه غارق في محاولة الإثبات بأنه خارج الحلقة التقليدية الأميركية، هذا من دون أن يتمني حتى الآن إلى الحداثة. ربما هذا الفيلم هو أفضل من سابقيه («بينما أستلقي ميتا» و«سال») لكن اسمه بات لامعا من ناحية ومناسبة للتمعن في كيف باتت السينما، بغياب مبدعيها الأوائل، مثل منجم ذهب طار منه المعدن الثمين وبقيت قشوره.

Gravity إخراج: ألفونسو كوارون.

خارج المسابقة.

الدقائق الأولى (نحو ربع ساعة) هي إبحار في منطقة جغرافية جديدة ربما زارتها كل الأفلام الفضائية من قبل، لكنها لم تزرها على هذا النحو مطلقا. منطقة صامتة ونائية تجعلك تخشى أن تنتهي معلقا فيها. رغم ذلك، هذا ما يحدث لملاحي فضاء ينتقلان من الأمان إلى الخطر ومنه إلى الكارثة.

إنه الفيلم الجديد للمخرج المكسيكي الأصل ألفونسو كوارون والذي اختير - بجدارة - لافتتاح الدورة الحالية وهو من بطولة جورج كلوني وساندرا بولوك. لا أحد سواهما (هناك صوتان بشريان لا نرى مصدرهما) سوى ذلك المحيط الفضائي الشاسع والداكن. أين الشمس؟ تستطيع أن تسأل نفسك لكن عدم وجودها هو جزء من الجو المنشود.

فيلمان فقط سبقا «جاذبية» في منوالهما من الخيال العلمي: «2001: أوديسا الفضاء» للأميركي ستانلي كوبريك (1968) و«سولاريس» للروسي أندريه تاركوفسكي (1972). كلاهما جدير بالمكانة الرفيعة التي استحوذاها بين كل الأفلام التي سافرت إلى الفضاء البعيد لوضع أحداثها. «جاذبية» ينتمي إليهما ولو أن يجيء في زمن من الريبة بحيث إن هناك من سيجد مجرد رغبة في إثبات الذات على حساب العمل بالنسبة لمخرجه كوارون. لكن لا يمكن، حتى ولو كان ذلك حقيقة، إلا تقدير عبقرية مخرج ينقل مشاهديه جميعا إلى حيث ينفرد ببطليه.

الحكاية بسيطة في الظاهر وقوامها أن الرحلة تفشل لأسباب تقنية ما يجعل ملاحيها في قبضة الكون يسبحان فيه للأبد. لا بد أن كل منهما تمنى لو أن قدميه تلمسان أرض كوكب الأرض ولو مرة أخيرة ذلك لأن جوهر المسألة هنا هو أن إنسان اليوم العابث بكل المبادئ لن يفتقد الحياة التي ما عاد يعيرها اهتمامه الفعلي إلا حين يجد نفسه وقد أصبح على بعد قوسين أو أدنى من الموت. عبر حلقة مفرغة، هو عن الإنسان الذي لم يعد يعلم لماذا هو حي، رغم ذلك سيحاول أن لا يموت. أن لا يقهر. ربما الخوف سيعيده إلى وعيه وربما المسألة هي أن كوارون يقصد أن يذكر مشاهديه أن الحياة أثمن مما يعتقدون.

Future Reloaded - 1 إخراج: كثيرون عرض خاص.

عندما طلب مهرجان فينيسيا من سبعين مخرجا (بعضهم معروف ومعظمهم جديد على المهنة) تحقيق أفلام لها علاقة بالزمن والحلم والمكان، تدافع هؤلاء لتقديم أفلام تعكس هذه العلاقة من وجهة نظرهم الخاصة وبحرية مطلقة.

الأفلام لا يمكن لها أن تكون طويلة، وهي بالفعل تتراوح بين الدقيقة والدقيقة ونصف ويقسمها المهرجان إلى ثلاث مجموعات كل واحدة تتضمن نحو عشرين فيلما. وفي المجموعة الأولى فيلم للسينمائية السورية هالة العبد الله المعروفة بمعارضتها للحكم هناك. دخولها على الخط هنا يرتسم عبر كاميرا خفية تصور نتفا من الحياة خارج نافذة سيارة وخارج نافذة أخرى لحافلة تم طبع صورة بشار الأسد على كل نافذة منها. ما تراه بالتالي هو الحياة تحت الصورة أو وراءها. تلك الثواني القليلة لا تستطيع أن تقول أكثر من ذلك وما تسرقه الكاميرا من مناظر يبدو عاديا لولا أن صورة الأسد (بنظارات داكنة) تغطيها رغبة في التعبير عن أن الوضع الحالي (الذي لا نرى منه ما هو غير عادي) بسبب الرئيس.

أفضل منه فيلم مر سريعا ولم أستطع التقاط مخرجه بعنوان «المستقبل كان في أعينهم». جيد لأنه ينصرف إلى سلسلة من الصور المتلاحقة لبعض أساطين السينما الذين مروا من هنا. الفكرة بسيطة لكنها تترك طعما مرا إذ ندرك أن هؤلاء الراحلين أمضوا الفترة التي أوكلت لهم فوق هذه الأرض.

هناك سمات فنية في أكثر من فيلم عابر في هذه المجموعة، لكن المشكلة هي أنها عصية على التقييم إلا على نحو منفرد (هذا يعني 70 نقدا لسبعين فيلما) ما لا يتسع له وقت أو مساحة. كذلك لكثرة العدد لا يمكن مقارنة الأعمال بعضها ببعض والحكم على الفيلم الجامع تحت عنوان «المستقبل معاد شحنه»، سيحضر لحين ثم لا يبقى.