طنجة تنشئ مؤسسة باسم محمد شكري تخليدا له

أصدقاء صاحب «الخبز الحافي» يحيون الذكرى العاشرة لرحيله

محمد شكري
TT

على خطى الجمعيات الأدبية التي تأسست لجمع تراث وتخليد الكتاب والشعراء والأدباء في العالم، من أمثال جمعية سان جون بيرس في أكس أون بروفانس وجمعية ألبير كامي في باريس، وجمعية بول فاليري في مدينة سيت جنوب فرنسا، تخطو مدينة طنجة، في شمال المغرب، على النحو نفسه، من خلال افتتاح «مؤسسة محمد شكري» من قبل نخبة من الكتاب والأدباء والفنانين والمثقفين أول من أمس، حيث خلد الكاتب الراحل روح هذه المدينة وأسرارها الأكثر حميمية. والغرض من إنشاء هذه المؤسسة هو جمع آثار الراحل محمد شكري في أرشيف متكامل، وتحويل المؤسسة إلى مركز ثقافي يقيم المناسبات الأدبية المتنوعة بالاشتراك مع اتحاد كتاب المغرب.

وقد التقى مجموعة من أصدقاء صاحب رواية «الخبز الحافي» تحت خيمة تقليدية، نصبت بمندوبية وزارة الثقافة بمدينة طنجة تحت عنوان «في رحاب خيمة محمد شكري»، حيث تم اللقاء ضمن فعاليات مهرجان «التويزة» للثقافة الأمازيغية والمتوسطية، الذي يشرف عليه كل صيف ناشطون ينتسب بعضهم إلى منطقة الريف بشمال المغرب التي ينحدر منها شكري، والتي غادرها في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، بمرافقة عائلته الصغيرة، مرغمين بسبب المجاعة والفاقة اللتين عمتا المنطقة نتيجة الجفاف الضاري وتداعيات الحرب.

في اللقاء الذي حضره عمدة مدينة طنجة فؤاد العماري، أعلن عن افتتاح «مؤسسة محمد شكري»، التي طالما تمناها أصدقاؤه ومحبوه منذ رحيله. واعتبر العماري أن محمد شكري جعل العالم يعيد اكتشاف مدينة طنجة وسحرها، وعمقها الثقافي وهويتها، ورغم إمكانيته المتواضعة وعصاميته الفريدة، فإنه تمكن من إيصال سحر طنجة إلى بقاع العالم، وجعلها منبعا للثقافات من خلال فكره وأدبه، وخصوصا من خلال تعرفه على عمالقة الأدب الذين جاءوا لزيارة طنجة أمثال بول باولز وجان جينيه وتينسي ويليامز وغيرهم. وأبدت بلدية طنجة عزمها وإصرارها على تقديم المساعدة الضرورية لإدارة هذه المؤسسة التي ستقوم بجمع تراثه ومقتنياته، حيث حضر بعض أفراد عائلة الكاتب الراحل، ابن شقيقه طارق شكري، الذي صرح بأن عائلته تحتفظ بكل مقتنياته ومخطوطاته، وهي تضع هذا التراث في خدمة المؤسسة الوليدة التي تحمل اسم الكاتب الراحل.

وهذه الندوة أرادها الإذاعي والشاعر عبد اللطيف بن يحيى أن تكون ندوة مفتوحة، موزعا الكلمات بين أصدقاء شكري ومعارفه الذين تراوحت مداخلاتهم بين استعادة الذكريات الحميمة مع «شكري» أو التذكير بأهمية منجزه الإبداعي. وأكد المشاركون على ضرورة استقلالية «مؤسسة محمد شكري» عن الهيئات والأحزاب ونابعة من المجتمع المدني ومن إرادة الأفراد الغيورين على الثقافة في المغرب، ولكن الاستقلالية لا تتعارض مع دعم المؤسسة من قبل السلطات والتوصل بالهبات من الجهات الخاصة. وسار المتدخلون الآخرون على نفس النهج في تقديم الاقتراحات، مع التأكيد على القيام بإعادة تثمين إنتاج هذا الكاتب الفريد في المشهد الثقافي المغربي. ومن أبرز من تحدثوا في هذه الندوة: عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، الشاعرة وفاء العمراني، والقاصة والروائية ربيعة ريحان، والقاص والروائي محمد الهرادي، والشاعر رشيد المومني، والناقد حسن بحراوي، والكاتب الصحافي محمد بوخزار، والناقد يحيى بن الوليد، والأكاديمي والروائي محمد أنقار، وكاتب الرواية البوليسية الميلودي مدوشي، والكاتب المسرحي زبير بن بوشتا، وآخرون. وأكد المشاركون أن أدب محمد شكري ملك عربي وأمازيغي وكوني، لأنه تصالح مع العالم واعتبر اللغة مجرد وسيلة تعبير، لأنه انطلق من الذات الإنسانية التي لا تعرف الحدود، حيث لا يمكن وضعه في قفص معين أو خانة محددة. وقام المشاركون بزيارة قبر محمد شكري الكائن في مقبرة مرشان، وتمت دعوتهم في ما بعد إلى مأدبة غداء في مطعم وفندق «ريتز» الذي كان يرتاده الكاتب الراحل أثناء حياته، الذي تزين جدرانه صوره الفوتوغرافية المتنوعة.

وقد جسد هذا الفعل الثقافي بعدا جديدا لمدينة طنجة المفتوحة على العالم التي زارها عظماء الكتاب العالم، وخلودها في أعمالهم التي طافت العالم، وحملت روح هذه المدينة، ومن ضمنهم الفنان الفرنسي الشهير هنري ماتيس الذي أقام في فندق «فيللا دي فرانس» الذي افتتح أبوابه هذا العام، ومن نافذة غرفته رسم مناظر أهم لوحاته التي تميزت بضوء المغرب، الذي يجسد أسطورة الشرق. وكان محمد شكري متفاعلا مع مدينة طنجة ومتماهيا مع روحها، التي جسدها في أعماله، لذلك فإن المؤسسة الوليدة التي تحمل اسمه ستكون جسرا بين الشرق والغرب، خصوصا أن لمحمد شكري امتدادات في الثقافية العالمية، إذ ترجمت أعماله إلى نحو ثلاثين لغة، وستكون المؤسسة بلا شك مزارا ثقافيا، خصوصا في عدم توفر شقته التي كانت تزخر بمقتنياته ومخطوطاته وكتبه.

وفي النهاية يمكن القول إن الكاتب الراحل محمد شكري محظوظ بفضل محبيه من الأصدقاء وعشاق أدبه، فهذه الرعاية هي رعاية للأدب الإنساني برمته، واعتراف بالقيم التي تنبذ فكرة التهميش والإقصاء. كما اقترح أصدقاؤه أن تهتم مؤسسة محمد شكري بما سماه «أدب الهامش» أو الأدب المضاد، أو أي اسم آخر يتم الاتفاق عليه، وأن تشجع المؤسسة ذلك اللون من الكتابة الذي ينتجه العصاميون، بقوة إرادتهم متحدين الصعاب. وفي هذا السياق تمنى المتدخلون أن تحتوي المؤسسة على أرشيف شكري واستعادة كل ما يتعلق به من مقتنيات وصور ورسائل مشتتة بين أصدقائه، حتى يمكن إنجاز «داتا شكري» أو «قاعدة بيانات» خاصة به.