لندن تفتح ذراعيها للعرب.. وتدللهم

أنفقوا 1.3 مليار جنيه هذا الصيف.. والمطاعم تقدم أطباقها على أنغامهم

لندن.. وجهة مفضلة للعرب (أ.ف.ب)
TT

صيف لندن هذا العام لا يشبه سواه، لماذا؟ لأن الأوضاع الراهنة في بلداننا العربية والأزمات الأمنية العاصفة في أهم البلدان العربية السياحية مثل مصر ولبنان وسوريا، أدت إلى تغيير الجدول السياحي للعرب وجذبهم إلى العاصمة البريطانية التي لطالما أحبوها، تلك المدينة التي تحظى بإعجاب السائح الآتي من المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي لأسباب عديدة، مثل مناخها المعتدل ونسماتها التي لا تغيب ولو في قيظ الصيف، ومطاعمها وفنادقها وفهمها للزائر العربي، وتقديمها له ما يجعله وكأنه في بيته الثاني، والعلاقة ما بين لندن والسائح العربي هي أشبه بزواج المصلحة، فالسائح العربي ينعش اقتصاد البلاد بسبب نسبة الإنفاق على المشتريات المتفرقة والإقامة والعقار، وفي الوقت نفسه تقدم لندن للعربي ما يحتاجه خلال زيارته، ولو أن دلال وتأمين حاجات العربي قد يكون على حساب البريطانيين الذين يعانون كل صيف من ضجيج السيارات السريعة التي يستقدمها الشباب العرب من بلدانهم للتباهي بها في شوارع لندن الضيقة، فهذه المشكلة ليست بجديدة، فكل عام تقوم الصحف البريطانية بحملات ضد سائقي سيارات الـ«بوغاتي» و«فيراري» الفريدة من نوعها في العالم، ولكن سرعان ما تغض الطرف عن المسألة، لأنها وعلى الرغم من إزعاجها لسكان مناطق نايتسبريدج وسلوان سكوير وكنزينغتون وبارك لاين، فهي تلعب دورا مهما في جذب السياح من باقي بقاع العالم والبريطانيين من خارج العاصمة الذين يقصدون لندن كل صيف لالتقاط الصور لتلك السيارات الرائعة، وهذا الأمر يسهم في إنعاش الاقتصاد أيضا ويستر على عيوب السائقين العرب المزعجين.

ومن الأسباب الأخرى التي تجعل لندن تفتح ذراعيها للسياح العرب هذا الصيف بالتحديد الأرقام التي حققها الزوار من منطقة مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم السائح السعودي، إذ تبين الأرقام التي نشرتها الجمعية البريطانية التجارية منذ يومين أن مجموع إنفاق السياح إلى لندن هذا الصيف كان 4 مليارات جنيه إسترليني (6 مليارات دولار أميركي)، وأنفق السياح العرب وحدهم مبلغ 1.3 مليار جنيه، في الفترة التي تلت عيد الفطر الذي جاء هذا العام في توقيت مناسب من الناحية الاقتصادية وصادف منتصف شهر أغسطس (آب).

إذا زرت لندن في الفترة الحالية ستفاجأ بالكم الهائل للزوار العرب، لدرجة أنك سوف تتخيل أنك في بلد عربي، فالمطاعم والمقاهي الغربية المفضلة لدى العرب مثل «ريشو» على سبيل المثال تدوي فيها الموسيقى العربية ويصدح في المحلات التجارية صوت نانسي عجرم وإليسا، وحتى دراجات «الريكشو» المخصصة للنقل تنبعث منها أغاني عمرو دياب وراغب علامة من مكبرات صوت ضخمة. هذا هو المشهد الحالي في لندن، على عكس ما تراه في بيروت في الفترة الحالية، التي عدت منها للتو، ولم أشاهد فيها زائرا خليجيا واحدا على عكس السنوات الماضية، بسبب التحذيرات والمخاوف الأمنية الراهنة.

لندن ذكية، تعرف كيف تدلل زائرها، وما بالك إذا كان السائح سعوديا وينفق ما معدله 2487 جنيها إسترلينيا خلال إقامته؟.. وكيف لا إذا كان السائح الإماراتي يليه وينفق 2395 جنيها، وبعده يأتي الكويتي وينفق 1965 جنيها إسترلينيا، مقارنة مع مبلغ 1169 جنيها ينفقه السائح الروسي و980 جنيها ينفقه السنغافوري؟

الانتعاش الاقتصادي والسياحي الذي أسهم به السياح العرب هذا الصيف لا يقتصر فقط على التبضع في المحلات التجارية الكبرى، إنما تعدى ذلك إلى قطاع الفنادق وانتعاش سوق العقار وتأجير الشقق المفروشة. ونمط السياحة العربي ينعش القطاع السياحي في بريطانيا، لأن العائلات العربية تقضي فترة طويلة تمتد في بعض الأوقات إلى ثلاثة أشهر على عكس السياح الأوروبيين والأميركيين الذين يمضون فترة لا تتعدى الأسبوعين.

وهناك معلومات تفيد بأن السعوديين أنفقوا العام الماضي 78 مليون جنيه لقاء الإقامة في الفنادق في لندن، ومن المتوقع أن يصل معدل الإنفاق بنهاية هذا الصيف إلى أكثر من مائة مليون جنيه إسترليني.

العربي يفضل عادة الإقامة في شقق مفروشة خلال السفر، وهذا ما أدى بالعديد من الفنادق في لندن إلى تبني الطلب وتأمين حاجة السائح العزيز من خلال تأمين شقق فندقية سكنية في وسط المدينة تديرها فنادق مثل «دورشستر» و«تاج» وغيرهما. ولا تزال المنافسة مستعرة بين السائح العربي والروسي والصيني والسنغافوري والأميركي، إلا أن السائح العربي يربح الجولة في كل مرة، لأنه ينفق أكثر ولا يستعيد القيمة الضريبية في المطار ولا يأبه لحفظ الوصولات، على عكس الصينيين والأميركيين الذين تراهم مستعدين للوقوف في طابور لا يعرف نهاية لاسترجاع القيمة الضريبية في المطار عند المغادرة، وهذا الأمر ترحب به الحكومة البريطانية، لذا تراها تستقبل العربي على الرحب والسعة لأنه ينفق من دون حساب ولا ينتظر في المقابل أكثر من حرية التجول والتمتع بالمناخ المعتدل المائل إلى البرودة والمطاعم الراقية وخضرة الحدائق والتبضع.. مع تذكيرهم بأنهم ليسوا بعيدين عن منزلهم، فبمجرد زيارتهم المنطقة الممتدة ما بين قوس «ماربل آرتش» ونهاية شارع «إدجوير رود» يشعرون وكأنهم في بلد عربي، حيث تنبعث رائحة المشاوي والشيشة من المقاهي المتراصة على جانب الطريق.

وإذا زرت محلات «هارودز» الأشهر في لندن، فسوف تفاجأ بالكم الهائل للزوار من الجنسيات العربية والخليجية المختلفة، وتستفيد الإدارة من الزيارة المرحب بها من خلال عرض منتجات ثمينة تهم المتسوق العربي.

وليس هذا كله، فالمطاعم الأجنبية تلبي حاجات العربي، وتقدم الأكل الحلال، والمحلات التجارية الكبرى والآوتلت خارج لندن مثل «بيستر فيلادج» تؤمن أماكن خاصة للمصلين، مع خدمة المتسوق الشخصي وتوظيف أناس يتكلمون العربية، إضافة إلى شركات سيارات أجرة خاصة، سائقوها عرب، مع إمكانية تأمين سائقات سيدات، لتأمين طلبات العائلات التي تفضل أن تكون السائقة الخاصة أنثى.

وهذا يفسر الجهود التي تبذلها هيئة السياحة البريطانية لاستقطاب عدد أكبر من الزوار القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي، إذ قدِم نحو 530 ألف زائر من دول مجلس التعاون الخليجي إلى بريطانيا عام 2012 (ما يعادل زيادة بنسبة 6 في المائة عن عام 2011).

وفي العام الذي استضافت فيه لندن الألعاب الأولمبية للمرة الثالثة، حقّقت بريطانيا نتائج إجمالية ثابتة مع معدل إنفاق كلي قياسي بلغ 6.18 مليار جنيه إسترليني، ما يعادل زيادة بنسبة 4 في المائة عن عام 2011، وارتفاعا سارا بنسبة 1 في المائة في أعداد الزوار.

ومن خلال الاطلاع على التحليل المحدد للسوق، لم تطرأ أي تغيّرات تذكر بالنسبة إلى البلدان العشرة الأولى عن عام 2011، مع استمرار فرنسا، وهي البلد الأوروبي المجاور، بالهيمنة على جدول أعداد الزوار. عبر 8.3 مليون فرنسي القناة في العام الماضي، وارتفع معدل الإنفاق بشكل ملحوظ بنسبة 30 في المائة بحيث بلغ 5.1 مليار جنيه إسترليني، بالإضافة إلى فرنسا تحتل ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وجمهورية آيرلندا وهولندا المراتب الخمس الأولى.

وتقول سوماثي راماناثان، المديرة الإقليمية لهيئة السياحة البريطانية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط «تُعتبر دول مجلس التعاون الخليجي سوق منشأ مهما جدا لبريطانيا، ونحن مسرورون للغاية لأن العام نفسه الذي أعلنا فيه دبي المكتب الإقليمي الجديد لعملياتنا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، اتضح أنه عام قياسي لكل من الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، كونه أظهر نموا استثنائيا في أعداد الزوار ومعدل الإنفاق». وأضافت «تتمثل مهمتنا في الحفاظ على هذا الزخم والاستمرار في زيادة أعداد الزوار من هذه المنطقة لنحقق طموحنا، ونصل إلى زيادة بنسبة 30 في المائة من الزوار بحلول عام 2020».