أفلام اليوم: شيرين دعيبس تبحث عن هوية «مي في الصيف»

بطلات «مي في الصيف»
TT

(خارج المسابقة).

لا بد أن بطلة «مي في الصيف» كانت على علم بأن حفل زواج في بلد عربي ليس كسواه في الغرب.. رغم هذا، فإنها مصابة بخيبة أمل حين تجد نفسها تحضر لحفلة عرسها وتجرب الفستان الأبيض الذي ستشتريه للمناسبة وتزور المحلات التجارية للغاية نفسها.. إنها تشكو، مرتين على الأقل، من أنها لا تريد حفلة كبيرة تُساق لها؛ بل كانت ترغب في «حفلة صغيرة» وتتساءل: «لم على حفل الزواج أن يكون بسيطا؟».

مي تؤديها في الفيلم شيرين دعيبس التي أخرجته أيضا كأول فيلم روائي طويل منذ أن قدمت قبل ثلاث سنوات فيلمها السابق «أميركا» (حسب العنوان الذي قُصد به أن يكون خطأ وهو Amreeka وهي تعود إلى موطنها الأول قادمة، مثل بطلة «مدن ترانزيت»، الذي أخرجه في الفترة السابقة ذاتها الأردني محمد حشكي وأنتجته رولا ناصر، ويدور حول مفهوم العودة إلى الجذور ولو لحين. بطلة «مدن ترانزيت» تصل لتكتشف أن الحياة في المدينة تبدلت والناس أصبحت على حافة التعلق بالشكليات بدل جواهر الأمور. وصلت من أميركا بحثا عن وطن سابق من دون أن تنتمي إلى وطن جديد، ثم ها هي تعود في نهاية الفيلم إلى ذلك الوطن المؤقت الذي ربما سيصبح دائما.

في «مي في الصيف» تصل في زيارة، والقصة، كما كتبتها شيرين دعيبس، تبقى في إطار الحكاية الفردية رغم بعض التمريرات الاجتماعية. مي مسيحية ستتزوج من مسلم (سنراه لاحقا في مشهد قصير) وهذا ما يغضب أمها (هيام عباس) كونها مسيحية تتبع كنيسة إنجليكية معاصرة. الصدامات الكلامية بين مي وأمها تتكرر في أكثر من موضع.. كلتاهما متمسكة بموقفها.. الأولى تؤكد عزمها على الزواج من زياد المسلم لأنها تحبـه وتدافع عن اختيارها بالقول إنه «ليس متدينا» والثانية تجد أن الجميع سيذهبون إلى الجحيم باستثنائها: «أنا لست متدينة. أنا أملك الحقيقة».

لا بأس بالتمثيل المتناوب بين الشخصيتين في مشاهدهما معا.. إنها بعض أفضل مشاهد الفيلم، كذلك لدى المخرجة معالجة وضعية جيدة لكل المشاهد التي تربط بطلتها بالآخرين، خصوصا بشقيقتيها (نادين معلوف وعليا شوكت اللتان تؤديان دوريهما جيدا) حيث تبدي المخرجة تلقائية وحيوية تثير الاهتمام.. هناك مثلا المشهد الطويل الذي يقع في متنزه على ساحل البحر الميت المفجر لمواقف متناقضة بين الثلاث.

يحمل ذلك المشهد حسنات وسيئات الفيلم بأسره.. ففي جانب هو ممثـل جيدا وفي مضمونه نقاط صراع مختلفة تفجر ما تحت الجلد من عواطف تضمرها كل شقيقة للأخرى. لكن الحوار، كحال العديد من المشاهد، توظيفي. لا يكفي بعضه لكي ينفذ إلى الشخصيات على نحو كامل. في أحيان هو مجرد استخدام لتمرير مشهد ضعيف السياق (كالمشاهد التي تظهر فيها بطلة الفيلم ومخرجته وهي تلعب التنس) وفي كل المشاهد ذات النبرة الكوميدية هو أضعف من تلك التي ترتفع فيها حدة المواجهات المتعددة.

في جانب آخر، ولأنه خفيف المعالجة كوميديا ودراميا، يبقى الفيلم قريبا من مفهوم الـ«سوب أوبرا» التلفزيوني (وهي ملاحظة وجدناها في أفلام عربية عدة). الموضوع اجتماعي وعاطفي مسدل على خامة لا تود أن تتعمق في ما تحت الحدث كثيرا، بل تحول اهتمامها إلى تحويل المفارقات إلى عناوين للمتابعة.

وضع بطلته لا يقل ترددا عن وضع مخرجته: تصل إلى عمـان وهي مصممة على الزواج ممن تحب. حين تتعرف على شاب اسمه كريم، تسمح لنفسها بالاتصال به وملاقاته في الصحراء. صحيح أن لا شيء أكثر من القبلة يقع بينهما، لكنها حين تعود إلى بيت أمها، تكون اتخذت رأيا: لن تمضي قدما في الزواج من زياد. على الرغم من إظهار حالة تدرج لتغير موقفها من مناهض لكل من حولها في هذه المسألة، إلى مناهض لفكرة الزواج، إلا أن السبب الحقيقي ليس واضحا والمخرجة تمضي الوقت في ملاحظة حياة الآخرين جميعا لتصنع «الشوربة الدرامية» التي ترغب فيها بدلا من أن تكثف ما يطلبه هذا الانتقال السريع في موقف بطلتها من شرح. من بين ما تبحر فيه المخرجة هي علاقة الأم المطلقة من زوجها الأميركي (بيل بولمن) الذي تزوج من هندية والآن ليس سعيدا بها، والأم ليست سعيدة من دونه مما يجعلهما ساعيين لإعادة العلاقة من جديد. المشهد الذي تكتشف فيه البنات أن هناك علاقة متجددة بين الأم والأب، هو نوع منقول من التنفيذ الذي تؤمه الأفلام الكوميدية الأميركية بنظام شديد، لكن القيمة الفعلية للموقف ضائعة بسبب تفكك أواصر سيناريو يطلب كل شيء وينجز قليلا من كل شيء.

..وجودي لنش تفقد ابنها Philomena «فيلومينا» بريطاني – أميركي/ دراما إخراج: ستيفن فريرز (المسابقة).

دراما خفيفة أخرى، لكن عن اختيار أكثر وضوحا، يؤمها المخرج البريطاني ستيفن فريرز صاحب عشرات الأعمال الجيدة سابقا مثل «الملكة» و«علاقات خطرة» و«بطل» و«هاي - لو كنتري» وبعض من الأعمال الأقل جودة مثل «تامارا درو» و«أشياء جميلة قذرة» و.. هذا الفيلم الذي يبقى، على مشكلاته، مثيرا للاهتمام على أكثر من صعيد كشأن الفيلم السابق أيضا.

يستند هنا إلى كتاب وضعه الصحافي مارتن سيكسميث بعنوان «الطفل المفقود لفيلومينا لي» حول تحقيقاته التي أدت إلى اكتشاف كامل الحكاية الإنسانية. فيلومينا (جودي لنش في الدور) كانت لا تعرف شيئا عن الحب قبل 50 سنة (تقوم بها في ذلك السن صوفي كندي كلارك) عندما غرر بها شاب وسيم فأنجبت منه بعدما انضمت إلى دير كاثوليكي خلال حملها. لبضعة أعوام عاشت مع طفلها ذاك في الدير، لكنها فجعت عندما شاهدت ابنها الصغير وهو يؤخذ بسيارة ما إلى جهة مجهولة. الآن ما زالت تمني النفس بالبحث عنه. من ناحية أخرى هناك مارتن (ستيف كوغن) الذي خسر وظيفته في «بي بي سي» ويجد في حكاية فيلومينا ما يكفي من عناصر إنسانية. يقنع دار نشر فتمده بميزانية القيام بالبحث عن الابن المفقود، وهذا البحث يبدأ بزيارة الكنيسة حيث يرقب تودد فيلومينا لإدارة الكنيسة الجديدة أملا في أن تساعدها على الإمساك ببداية الخيط. الكنيسة تخبرهما أن نارا أتت على الملفات القديمة لكن – وللغرابة - الورقة التي وقعتها فيلومينا قبل 50 سنة التي تتخلى فيها عن ابنها ما زالت محفوظة.

يكتشف مارتن أن الكنيسة كانت تبيع الأولاد لمن يشتري من الباحثين عن أطفال للتبني، خصوصا الأميركيين. كيف وجد أن ابنها نُقل إلى العاصمة واشنطن من آيرلندا؟ ليس واضحا، لكن ها هو وفيلومينا يقومان بالرحلة. هناك يواصل البحث ويكتشف، سريعا أيضا، أن ابنها كان مستشار الشؤون القانونية في البيت الأبيض على أيام ريغان. من صور محفوظة يكتشفان أيضا أنه كان مثليا وأنه مات مصابا بالإيدز. بعد قليل يكتشفان أن جثمانه نقل إلى الكنيسة من جديد بناء على طلبه وأن إدارة الكنيسة كانت تكذب حين قابلا مسؤولتها.

ما هو فاعل إلى حد ما في هذا الفيلم إدخال الصراع بين المتدينين وغيرهم. مارتن ملحد وفيلومينا مؤمنة لدرجة أنها لا تعتبر أن الكنيسة أقدمت على أي سوء. هو يريد محاسبة الكنيسة على موقفها من الأم ومن الطفل وعلى كذبها وتجارة الأطفال التي أقدمت عليها، والأم تريد أن تغفر. هذا مترجم على الشاشة جيدا، لكن الفيلم فيه هنات كثيرة. يبقى أخف من أن يُثير ما يكفي للدفاع عن أي قضية.. كذلك فإن الحكاية ذاتها لا تتبلور بوصفها ضرورة. مثل أفلام كثيرة، «فيلومينا» سرد بالصور أكثر منه حكاية مشبعة.