نيكولاس كيج لـ «الشرق الأوسط»: أحب تمثيل الشخصيات المعقدة

يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي (6)

لقطة له من فيلم «جو»
TT

ابن شقيق المخرج فرنسيس فورد كوبولا، لم يظهر في فيلم من إخراج عمه إلا مرة واحدة، وذلك في مطلع عهده بالتمثيل عندما أسند إليه كوبولا الكبير دورا مساندا في فيلم «رامبل فيش» سنة 1983. كان ذلك ثالث فيلم يقوم نيكولاس كيج بتمثيله، من بعد «أوقات سريعة في ردجمونت هاي»، و«فتاة الوادي». لا أحد يعلم ولا هو يقول لماذا اختار اعتماد اسم «كيج»، وليس اسم كوبولا كنية له. هناك فيلم واحد من بين الأفلام الـ86 التي قام بتمثيلها حتى الآن حمل اسم نيكولاس كوبولا فيه هو أولها.

لكن لا أحد يمانع. ما يشغل بال المعنيين وهواة السينما هو إذا ما كان الممثل المذكور سيتوقف عن تأدية أدوار يرونها عابثة لا تخدم موهبته، كما الحال في «موسم الساحرة» و«كنز قومي» و«عبور» أو سلسلة «غوست رايدر» قبل فوات الأوان.

نيكولاس كيج يبدأ تشخيصه للدور الذي يقوم به من نقطة عالية قد لا تتطور، لكنها لا تنحدر مطلقا. هناك تكرار في بعض ما يؤديه، لكن حين يجد السيناريو الذي يعجبه، فلا يزال قادرا على الإجادة وتقديم مستوى أعلى من السابق.

«جو»، الفيلم الذي عرض له هنا في «فينيسيا» من بين تلك الأفضل منذ سنوات عدة. واحد من تلك الأعمال التي تعيد الثقة في نفوس كل أولئك الذين اعتقدوا أن الممثل هوى ولن يمكنه استعادة موقعه كممثل استحق ذات مرة الأوسكار الذي ناله عن دوره في «مغادرة لاس فيغاس» سنة 1995.

فيه يؤدي كيج دور شخصية هامشية من شخصيات المخرج ديفيد غوردون غرين المحببة. يملك قلبا طيبا لا ينفعه كثيرا حين تزداد الضغوط عليه فينفجر. خاسرا عاش وخاسرا قد يموت.

* كيف وجدت هذا الدور حين قرأته.. هل كان يعني لك تغييرا كبيرا عن أدوارك الأخيرة؟

- كثيرا ما أسمع أسئلة حول أدواري الأخيرة. أعتقد أنك تقصد أفلام الأكشن والتشويق التي أقوم بها.

* نعم.

- حسنا، نعم. وجدته مختلفا وأعجبني هذا الاختلاف بحد ذاته. لم يكن قبولي به نوعا من الهروب من تلك الأفلام المعتادة بقدر ما كان فرصة جيدة أنبأني بها السيناريو الذي كتبه غرين. السيناريو احتوى على معالجة وجدتها ناجحة. تقدم شخصية جو كإنسان في بيئة جديدة على المشاهدين وعلي أنا كممثل. في الفيلم أعمل مسؤولا عن عمال يقومون بإتلاف الأشجار تمهيدا لقطعها والفيلم لا يتخذ موقفا أبويا أو أخلاقيا من هؤلاء، بل يظهر أنهم عمال سقطوا من حسابات المجتمع الأوسع ويعيشون على هذا العمل لعدم وجود سواه.

* جو يختلف في أنه يقودهم.

- صحيح، ويشعر معهم ويعتبرهم أصدقاء ويعرف مشاغلهم ومتاعبهم وهو يتعامل معهم بصدق ولذلك يحبونه. هناك مشهد قصير أعتقد أنه لا يمر من دون توسيع مدارك المشاهد حول جو وحول العمال أيضا، عندما يلاحظ جو غياب أحدهم المتواصل، وعندما يظهر ذلك العامل يتبادل مع جو الحوار. ذلك العامل وجد عملا آخر شغله لبضعة أيام. هؤلاء الناس عليهم البحث عن كل فرصة ممكنة وجو يتفهم ذلك. كل هذا جذبني إلى الفيلم منذ أن كان مشروعا.

* هناك أيضا علاقته شبه الأبوية للفتى غاري.

- أوه.. هذا ممثل موهوب جدا، تاي شريدان. طموح ومنضبط ويعرف كيف يمثل حقيقة. نعم، هناك هذه العلاقة التي تنتج عن ملاحظة جو لمساوئ بعض الناس. كلهم بمن فيهم جو هم تحت عبء الحياة الصعبة التي يعيشون فيها والبيئة المحدودة، وحين يرى والد غاري يضربه لا يحاول أن يواجه الأب على الرغم من أنه لا يرضى عما يراه، فهذه مسألة شخصية، لكنه لاحقا لم يعد قادرا على ضبط المسائل. إنها تفلت من بين أصابعه. يريد فعل شيء لغاري وشقيقته. هذه حس إنساني لم أجده متوفرا في الأفلام الكثيرة التي قمت بها.

* ما سبب كثرة هذه الأفلام؟ هل تجد أنك تريد مواصلة العمل حتى وإن لم تكن الأفلام متساوية النجاح؟

- أولا تتمنى كممثل أن تأتي كل الأفلام التي تقوم بها متساوية النجاح ومضمونة الجودة وكل ذلك.. لكنها ليست عملية تمنيات. بل هي خارجة عن نطاق الممثل. صحيح أنه هو الذي يختار، لكن هناك عناصر مختلفة تصب في قراره وتدفعه إلى التخصص أو التعميم أو إلى أن يقل من أعماله أو أن يكثر منها. بالنسبة لي لا أجد أن عندي سببا لأن أقلل أعمالي. مهنتي ممثل، وهذا ما أفعله.

* قبل سنوات ذكرت لي أنك تتمنى لنفسك حياة مسالمة والتوقف عن العمل الكثيف. لكن الواضح أنك ما زلت في مرحلة الكثافة، فلديك دائما فيلم وراء فيلم. ما الدافع الذي يقف وراء قيامك بالتمثيل دائما؟

- هناك عدة أسباب، لكن دعني أقل لك، وما سأقوله يمكن أن تسوقه كاعتراف.. خلال عقدين ونصف العقد مثلت أكثر من 70 فيلما. هذا صحيح، لكني لم أمثل إلا فيلمين أو ثلاثة من اختياري الخاص. من تصميمي بأنني أريد أن ألعب هذا الدور أو ذاك. لا أريد أن أذكر أسماء وعناوين هنا. فقط أن أسجل أنني أعي أن كثيرا من أفلامي، خصوصا في الفترة الأخيرة، لا ترقى إلى ما أريده لنفسي وما يريده بعض الجمهور، ولا أقول كله، لأن هناك كثيرين يريدونني في أفلام مثل «قد بغضب» (Drive Angry) أو «موسم الساحرة» و«غوست رايد: روح الانتقام». هذا مما وجدت نفسي عليه. وكانت لدي أسباب أعتبرها مهمة، أحدها أن ذلك يبقيني في المهنة ويبقيني مشغولا، وإلا فقد أفقد الاهتمام بما أريد القيام به.

* أنت لست الوحيد في ذلك.

- جيد ما أسمعه. أحب كريستوفر لي وأحب فنسنت برايس ولا يهمني أنهما لم ينالا الأوسكار. بعض الأفلام التي مثلتها لم تأتِ كما كنت أتوقع لها أن تأتي عليه. لكنك في هذه المهنة تخاطر بالفرص المتاحة أمامك. لكني سعيد بما أقوم به وأدافع عن اختياراتي بلا شك.

* بالنظر إلى أدوارك منذ عدة سنوات، يبدو أنك تؤدي شخصية الرجل الممزق في داخله؛ هل هذه صدفة؟

- أسعى لمثل هذه الشخصيات لأني أتفهمها جيدا. وأحب تمثيلها لأنها شخصيات معقدة. أحب الشخصيات التي تبقى في الظل بين الأبيض والأسود. لا أحب الشخصيات التي تبدو كاملة ومتكاملة، بل أريدها بقدر من الأخطاء الإنسانية. قدر من الجوانب المعتمة. وأعتقد لأننا جميعا لدينا شعور بأننا غير متكاملين تنجح هذه الأفلام بين المشاهدين. يجدون فيها شخصيات واقعية.

* حين تنظر إذن إلى مهنتك، أي من أفلامك أو أدوارك تعتز به أكثر من سواه؟

- كلها. أشعر بأني محظوظ جدا، إذ اشتغلت مع عدد من أهم المواهب في هذه الصناعة. أحب الأفلام التي نجحت لي وأحب الأفلام التي لم تنجح أيضا. أشعر بأني تعلمت منها جميعا. ومع أني لا أريد أن أختار فيلما أعتبره المفضل عندي، فإنني أملك ضعفا حيال فيلم «قبلة الفامباير»، لأنها المرة الأولى التي انتقلت فيها إلى التجريد».

* هل هذا التفضيل لشخصيات مركبة له علاقة بأفلام نشأت على حبها مثلا؟

- نعم. تستطيع أن تقول ذلك. أعني أنني أحببت تلك الأفلام الصامتة التي حققها المخرجون الألمان في مطلع القرن الماضي. أفلام مثل «نوسفيراتو» و«كابين د. كاليغاري». هذه الأفلام كانت نماذج رائعة للتمثيل السوريالي الذي تميزت به الفترة الألمانية حينها، وأطلق عليها «التعبيرية الألمانية». كانت المرة الأولى حين لعبت «قبلة الفامباير» سنة 1988، التي أجد فيها الفرصة لأوازي تلك الأعمال بجهد من عندي. وهذا كان أمرا مهما عندي. كذلك أحب من بين أعمالي «مجنون في القلب»، لأني معجب بفن أندي وورهول وطريقة صياغته المختلفة عن السائد لأيقونات مثل ميك جاغر. حاولت تمثيل دوري في ذلك الفيلم مستوحيا رسومات وورهول للشخصيات المشهورة.

* عادة لا أسأل أسئلة سهلة أو خفيفة خصوصا إذا ما كانت اجتماعية، لكن لا بد أن أسألك عن سياراتك المتعددة التي يقال إنك محتفظ بها وكلها كلاسيكية..

- لم يعد لدي هذا الهوس كما في السابق. لقد تخليت عنها كلها. لدي سيارتان فقط الآن؛ واحدة «كاديلاك» والأخرى «دودج» أميركية تمشي على الديزل حفظا للبيئة، وأنا سعيد بها. تخليت عنها لأني وعيت أولويات حياتي. لقد أصبح لديّ ولدان وعائلة ولم يعد عندي وقت للاعتناء بجمع السيارات. مهنتي الجديدة هي أب، وليس عندي وقت لصرفه على الأشياء.

* هل صحيح أنك اكتشفت جوني دب؟ لقد كنتما صديقين قبل نحو 20 سنة.

- لا، هذا ليس صحيحا. كنا صديقين نعم، لكني لم أكتشف مواهبه ونجاحه ليس بفضلي (يضحك). كل ما في الأمر أننا كنا نلعب المونوبولي ذات مرة، واقترحت عليه أن يمثل. قال إنه لا يجيد التمثيل. قلت له بل تستطيع التمثيل. اذهب وقابل وكيل أعمالي. وهو فعل ذلك، ووصل في سنوات قليلة إلى القمر. وصل بفضل موهبته.