ثرثرة على الجندول

يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي ( 8)

TT

* الأمور ليست على ما يرام. ليس في السينما فقط، بل في كل شأن آخر. وليس عندنا فقط، بل في أصقاع أخرى حول العالم... لكن، ليس كل العالم.

الأمور ليست على ما يرام في السينما، لأننا لم نعتد من قبل أن نكون عمليين. إذ وجدت السينما المصرية نفسها تحقق نجاحا امتد عبر دول العالم العربي، عرف الأولون وبعض من اللاحقين بهم كيف يؤسسون ثم يبنون صناعة جيدة تنتج نحو مائة فيلم في السنة، أكثر من إنتاجات الدول الإسكندنافية مجتمعة، وكيف تتم الاستفادة من السوق الخارجية وتعميم الفن المصري، عموما، بين أوساط الجمهور الذي كان يهتز للأغنية ويعجب بالرقصة ويتفاعل مع المشاعر العاطفية. نعم معظم هذا ورد ميلودراماتيكيا و- أحيانا - على نحو فج أو مسف، لكنه مؤثر في الوجدان. السينما تكلمت اللغة التي يجب أن تتحدث بها إلى الناس وفعلت ذلك بنجاح.

اليوم، ومنذ عقود، ليس هناك شيء من هذا. والاختفاء ليس مفاجئا: المنتجون ببساطة تمنـعوا عن اختيار المخرجين الذين يستطيعون استكمال الدورة الطبيعية للسينما. توجـهوا لمخرجين أول مرة لأن هؤلاء، في معظمهم الكاسح، لم يكن يرغب في أكثر من الفرصة وكان رخيص الثمن. بسعر مخرج جيـد، في الثمانينات وما بعد، تشتري ثلاثة مخرجين جدد، لن يعترضوا ولن يتمردوا ولن ينتقدوا، وتحصل على أفلام خفيفة ظريفة تطرحها للعامـة. وسواء أكنا نتحدث عن فترة سينما المعلـبات التي كانت رخيصة في كل شأن وجانب، أم في سينما ما بعدها، إلا أن استثناء خيري بشارة وداود عبد السيد ومحمد خان وسعيد مرزوق وأسامة فوزي وبشير الديك وكل من عمل بمقتضاهم، كان الجدار الذي منع السينما المصرية من التقدم.

اليوم بفضل من بقي من تلك القائمة وبعض أبناء الجيل اللاحق، بينهم إبراهيم البطوط الذي يعمل على تصوير فيلمه الجديد، هناك بوادر أمل. لكن، هناك أيضا محاذير كثيرة. الجمهور الجديد ليس كسابقه وهو قليل الثقة بالسينما المصرية ولا يستجيب - كما - على نحو جيد لها. والباقي المنتج هو من تبعية السينما الجماهيرية التي عليها أن تقوى أولا لتخلق الرديف البديل ثانيا، فسينما المؤلـف تولد من الخاصرة ولا تؤسس وحدها إلا إذا ما كانت هناك دولة تقف وراءها وتؤمن بها.

للأسف، فإن ما توفـره السينما الجماهيرية لم يعد ذا قيمة مضمونة. إنه مثل تلك الأغاني الحديثة المتوافـرة على الكليب: بعض المهارة التقنية والباقي ثرثرة على النيل.