المشهد: فينيسيا وسينما الحرب

يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي (9)

عمرو واكد
TT

بينما تسمع جزيرة الليدو في مقاطعة فينيسيا طبول الحرب المقبلة، يقفز إلى البال أن السينما، مثل البشر، عاصرت كل الحروب منذ العالمية الأولى سنة 1914 إلى اليوم. «فينيسيا» أساسا تم تأسيسه مطلع الثلاثينات بيدي الديكتاتور الإيطالي موسوليني. لاحقا، امتنعت الدول الأخرى التي خاضت الحرب العالمية الثانية من سنة 1942 وما بعد، عن التوجه إلى هذا المهرجان في مقاطعة شاملة. لم يتأثر فينيسيا بذلك، بل داوم على عرض أفلام دول المحور، ومعظمها كان إيطاليا وألمانيا.

لكن الحروب المتتابعة أثارت اهتمام السينما بشقيها التجاري والمهرجاناتي. هناك أفلام عن كل حرب وقعت في التاريخ حتى من قبل اختراع السينما، مثلا أنجز سيرغي أيزنشتاين فيلما بأوامر من ستالين سنة 1938 بعنوان «ألكسندر نيفسكي» الذي يروي فيه وقائع المعركة الحاسمة التي جرت بين الجيش الألماني والروس سنة 1242. والحقيقة أن هذا الفيلم ربما لم يكن ليتم صنعه لو أن ألمانيا في الثلاثينات حافظت على معاهدة تم توقيعها قبل 1938 ونقضتها بعد سنوات قليلة. وحين قام الألمان بالهجوم على الاتحاد السوفياتي قامت صالات السينما بطول البلاد وعرضها بعرض هذا الفيلم الواقع، على حسناته، في خانة البروباغندا.

وهناك أفلام بالعشرات عن معظم الحروب الأخرى، مثل الحرب المكسيكية - الأميركية والحرب الأهلية الأميركية والحرب الأهلية اللبنانية والحروب العربية - الإسرائيلية جميعها، والحرب البريطانية - الفرنسية والأخرى التي اندلعت بين بريطانيا وإسبانيا، كذلك الحرب الأهلية الإسبانية وتلك المكسيكية والحرب العالمية الأولى ثم الثانية ومتفرعات كل منها كالحرب الكورية - الأميركية والحرب البلقانية والحرب الأهلية في يوغوسلافيا بعد تفكيكها وبالطبع الحرب الفيتنامية والحربين الخليجيتين.

الأحداث المتلاحقة في سوريا وفي مصر وليبيا من قبل شهدت عددا من الأفلام الروائية (والتسجيلية أيضا، ولو أن الحديث هنا عن الروائية)، وما زالت هناك احتمالات واقعية في أن تعود إليها السينما العربية في المستقبلين القريب والبعيد. الممثل والمنتج عمر واكد، على سبيل المثال، أنجز فيلمه الأول حول الموضوع «الشتا اللي فات»، ويصور فيلما آخر مع المخرج إبراهيم البطوط له علاقة وثيقة بما يحدث الآن في مصر.

يقول: «في اعتقادي الشخصي أننا سنشاهد المزيد من هذه الأفلام وأكثرها سيتم إنتاجه في السنوات البعيدة، عندما تتضح الصورة أكثر فأكثر. فهي ضبابية الآن على نحو لا يشجع على الإقدام عليها الآن، إلا إذا كان لدينا القدرة على التعامل مع ما هو واضح من الصورة فقط».

وهناك فرق طبعا بين الحرب في السينما والحرب التي نشاهدها كأخبار تلفزيونية. الأولى حتى حين تكون واقعية فإن ممثليها يبقون أحياء. ينهضون من الموت ويقبضون أجورهم كممثلين ويدلفون إلى فيلم آخر. وهي حرب تُخاض على الورق في شكل حكايات، ثم تمر بمراحل إنتاج وتصوير وتُحشد لها ذخائر فارغة وقنابل دخانية لا تضر، أو يتم تضخيمها في تقنيات اليوم حتى تبدو - كما هي في الواقع - مفجعة. أما الحرب الحقيقية فإن سيناريوهاتها مختلفة، وكل ما فيها حقيقي مائة في المائة. ومن يموت فيها لا يمكن له أن يعود من جديد، مما يجعل الموت السينمائي أرحم بكثير.