أفلام اليوم : الفيلمان المغربي والياباني هما الأفضل

واحد واقعي والآخر فانتازي

«خائنات» و «باركلاند»
TT

* حضور نسائي قوي في فيلم جيد هو الأول من مخرجه الأميركي شون جيليت صوره في المغرب بقصة مغربية ومع ممثلين كلهم من المغاربة. على عكس «مي في الصيف» لشيرين دعيبس، الذي تم تقديمه على شاشة المهرجان ذاته، لا يعاني الفيلم من تمزق هوية، كونه ناطقا بالعربية، في حين تناوبت اللغتان العربية والإنجليزية على حوار الفيلم الآخر. إنه حول مليكة (شيماء بن عائشة) التي تقود فريقا موسيقيا يعزف ويغني «البانك» و«الراب». هذه هو مطلع الفيلم منطلقا بعد ذلك لسبر غور حياتها الخاصة ومشكلات عائلتها المدقعة في الفقر. في الوقت ذاته، فإن مقابلتها لمنتجة أسطوانات أعجبت بما سمعته وتطلب منها أن تعود إليها مع «برومو» كامل، هي ما كانت تتمناه لأنها جادة في مسعاها وحبها للغناء. المشكلة هي أن عليها أن تتحمل تكاليف الـ«برومو»، وهي لا تملك شيئا منها. تخدع زبونا اعتقد أنها ستبيعه نفسها، فتسرق بعض ماله وتهرب به، لكن الفرصة الوحيدة المتاحة هي أن تقود سيارة من مراكش إلى بلدة جبلية بعيدة حيث سيتم توزيع أكياس المخدرات في مخابئ داخل السيارة لنقلها بعد ذلك إلى أحد المرافئ، حيث سيتم شحنها إلى فرنسا. إنها مهمة جديدة وخطرة ويزيدها خطورة رغبتها في مساعدة امرأة تشاركها الرحلة (صوفيا عصامي) التي تتحمّل الكثير من الضيم والحامل بلا مستقبل. تنصحها مليكة بالهرب بعيدا وللحال ثم تنبري لتتحمل تبعات ما قامت به أمام العصابة. «خائنات» (وليس «خونة» كما يحمل الفيلم عنوانه العربي، لأن «خائنات» هو اسم الفريق الموسيقي النسائي) جيد كحكاية نسائية مفعمة بمواقف إنسانية وبطولية قابلة للتصديق وكفيلم تشويقي. معالجة المخرج ليست هوليوودية وفهمه لطبيعة الحياة ولإيقاعها وامتلاكه سيناريو جيد النص والحوار إمكانيات ساعدته على تكوين عمل ممتاز. لكن ما يسجل للفيلم تمثيل بطلتيه شيماء وصوفيا. الأولى تمتلك الفهم لكيفية المحافظة على حضور قوي وثابت طوال الوقت، والثانية تبدأ تشخيصها من نقطة معينة ثم تصعد بها تدريجا إلى حيث تريد.

* صفحات جديدة عن اغتيال قديم Parkland

* «باركلاند» هو اسم المستشفى الذي تم نقل الرئيس الأميركي جون ف. كيندي إليه عندما قام لي هارفي أوزوولد بإطلاق النار عليه في عملية اغتيال هزت العالم؛ إذ وقعت على أعتاب عدد من القضايا التي كان البيت الأبيض يحاول معالجتها. هناك جديد مطروح في هذا الفيلم لم يسبق لأفلام روائية أخرى أن عرضته، وإن فعلت فإنها لم تستطع (أو لم ترغب في) تسليط ضوء قوي عليه. سابقا، ومن بين الأفلام التي تناولت الموضوع، شاهدنا أوليفر ستون يرسم علامات استفهام أكثر مما يجيب على المطروح في فيلمه «ج. ف. ك»، وغاص الممثل/ المخرج إميليو استيفيز في استعراض اجتماعي أكثر مما حاول تقديم الحقائق. هذا الفيلم يستفيد من أن المخرج بيتر لاندسمان كان صحافيا ويقدر قيمة عنصر البحث في العمل، وحافظ عليه طوال العمل على هذا الفيلم. جزء كبير من الأحداث يقع في ذلك المستشفى بطبيعة الحال مع شخصيات مثيرة للاهتمام كتلك التي يؤديها بيلي بوب ثورنتون وزاك إفرون وكوين هانكس (شقيقه توم هانكس من منتجي الفيلم). ما يخدش ظاهر كل هذه الحسنات الاعتقاد بأن تصوير المشاهد على بعد ذراع أو ما دون من الممثل سيجعل الفيلم يبدو أكثر إلحاحا.

* فتاة تبحث عن فيلم My Name is Hmm

* «اسمي ...» يبدأ في مكان ومع قضية ثم ينفصل عنها إلى مكان وقضية أخرى. هذا لا بأس به باستثناء أنها لم تعمد لحل ما سبق طرحه ولا للعودة إليه. بالنسبة للمخرجة التي تكتفي باسم أنييس ب. فإن ما يهمها ليس أن الفتاة الصغيرة تعاني من تحرش والدها الجنسي بها، بل سريعا ما تقرر أن هذا الأساس الذي وضعته في المشهد الأول من الفيلم كافٍ لمواصلة الحديث بعيدا عنه كتبرير حول سبب قيام الفتاة برحلة وحيدة على الطرق البرية مستخدمة الشاحنات والسيارات. العنوان يعود إلى رفضها إعطاء اسمها لأحد. إنها (لو - ليليا دمرلياك) في الـ11 من عمرها. بعد أن توعز لجدتها بأنها ليست على ما يرام، من دون أن تبوح بالسبب، تنفصل من العائلة التي قررت قضاء عطلة قصيرة على شاطئ البحر، وتتسلل إلى شاحنة وتنام فيها. حين تستيقظ تجد نفسها في مكان آخر كون السائق لم ينتبه لحمولته الخلفية. الصدفة تلعب دورها هنا فالسائق (دوغلاس غوردون) فقد زوجته وأولاده في حادثة، لذلك لن يخبر البوليس عن هذه الفتاة حتى من بعد أن شاهد الإعلانات المنتشرة حول فقدانها، بل يقوم برعايتها. المشكلة هي أن المخرجة لا توظف أيا مما سبق في منهج روائي متبلور أو مثير للاهتمام. الفيلم درامي كنوع، لكنه خال من الدراما كتطبيق.

* النظرية صفر.. والفيلم كذلك The Zero Theorem

* حاول المخرج تيري جيليام البحث عن معنى للحياة في أكثر من فيلم، بينها «معنى الحياة»، ذلك العمل الذي بدا مثيرا سنة 1983، وشاخ وهو في الثلاثين من عمره، الذي اشترك في تحقيقه مع المخرج البريطاني تيري جونز. الفيلم الجديد يتحدث عن خبير كومبيوتر اسمه كوهن (لكن معظمهم في الفيلم يدعوه كوين أو كولين، وهو يواصل تصحيح اسمه لهم) يقوم به كريستوف فولتز. التصحيح يتكرر من دون جدوى، كذلك تقديم هذه الشخصية كحالة إنسانية ترزح تحت الضغط في بحثها عن معنى للحياة، بل للوجود بأسره معتقدا أنه سيكتشف المعنى في يوم قريب. يبدأ الفيلم به وهو نائم في الكنيسة المهجورة التي اتخذها مسكنا، وحين يخرج إلى العالم يخرج إلى فوضاه الماثلة. المستقبل المصور هنا ليس بعيدا ولا حتى مختلفا كثيرا، باستثناء أن فوضاه هي أعلى نبرة من ذلك الذي نعيشه اليوم. يتجه إلى عمله في مؤسسة يديرها مات دامون، الذي يحب أن يرتدي ملابس من لون وتصميم الأثاث من حوله. العنوان يرمز إلى ما يراه كوهن مفتاح فهم الحياة، على أساس أن الصفر هو الرقم الوحيد الكامل. لكن علاقة ذلك بمعنى الحياة أو الوجود على سطح هذا الكوكب أمر يبقى في بال الفيلم وبطله، من دون أن يخرج جيدا إلى العلن. كريستوف فولتز يؤمن ما يبحث عنه المخرج من أداء، لكنه لا يتجاوز به ما سبق له أن نال الأوسكار عليه مرتين. الفيلم بأسره فوضى غير منظمة في الشكل والعناصر المكونة للصورة، كما لطريقة السرد.

* ساعتان من الخيال الممتع The Wind Rises

* الأنيماشن الياباني الجديد من هايواي ميازاكي قد لا يصل إلى مستوى تحفته في «بونيو» و«منطلقة روحيا»، فيلمين مذهلين بحد ذاتهما، لكنه لا يزال عملا جيدا على أكثر من نحو. في نصف الساعة الأولى يقدم لنا بطله جيرو (صوت هدياكي أنو)، الذي يشهد الزلزال الكبير الذي أصاب طوكيو ويوكوهاما في عام 1923، والحريق الكبير (ثم الطاعون) اللذان تليا الزلزال المدمر. الحلم الذي يكنّه ناهوكو هو الطيران. جيرو ليس شخصية خيالية بالكامل، بل تقوم على شخصية باسم جيرو هوريكوشي الذي صمم الطائرات الحربية اليابانية، تلك التي - وكما نرى في الفيلم لاحقا - شكّلت معضلة عسكرية للقوات الأميركية، كونها أكثر فعلا وقوة مما امتلكته القوات الجوية الأميركية أيام بيرل هاربر. لكن الفيلم يخلو من النبرة العسكرية لأنه لا يرغب بها. ميازاكي يتحدث عن شخصية تحلم بمنأى عن نتاج حلمها ولو إلى حين. وحلمه ليس الوحيد الذي يكون الجانب الإنساني، بل قصة حبه للفتاة التي تعرف عليها ذات مرة ناهوكو (صوت ميوري تاكيموتو).

كل ذلك رائع ومفيد، باستثناء أنه ليس كل ما هو جيد هنا. فعلى الرغم من المضمون السياسي والإنساني المحذر من مغبة اتباع سياسة عسكرية جديدة في اليابان اليوم، فإن هناك ذلك الشغل على الرسم من دون وجل من التفاصيل، بل اندفاعا لها. تلك التفاصيل مذهلة لكثرتها وتعددها ولتأثيرها على صفحة الفيلم. وهي ليست مشغولة بمعزل من الحدث الرئيس، بل استكمالا له. المفهوم التقليدي للأنيماشن الأميركي هو أن تستخدم العنصر الذي ترسمه، فإذا ما كان هناك كرسي في المشهد، فإن أحد ممثليه سيستخدم هذا الكرسي لغاية. لكن المفهوم الذي طالما ساد أعمال ميازاكي هو أن عناصر الحياة موجودة في كل شأن من شؤوننا، وليس لها أن تلعب دورا ما إذا لم يكن لها دور. يكفي أن تشكل جزءا من المرئيات على الشاشة تقريبا للمسافة بين الفانتازيا والحقيقة، كما إمعانا في السيطرة الفنية على أسلوب عمل لا تكاد تصدق أنه غير مصور مع بشر حقيقيين.